أطلق النظام السعودي حملة تشويش على زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهاية الأسبوع الماضي إلى المملكة في محاولة لاستعادة كبرياء مفقود بحسب مراقبين.
وقال التلفزيون السعودي الرسمي، إن زيارة أردوغان إلى المملكة الأسبوع جاءت بناء على طلب الأخير، بما يتناقض مع تصريحات الحكومة التركية بأن الدعوة جاءت من الرياض.
وجاءت الزيارة بعد سنوات من التوترات في العلاقات بين البلدين بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في قنصلية المملكة في اسطنبول.
وقال تقرير على قناة الإخبارية الرسمية “وصل أردوغان إلى جدة بعد تحقيق رغبته في الزيارة، حيث سيستقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز”.
وأضاف التقرير أن الزيارة ، وهي الأولى منذ 2017 ، جاءت بعد أن “أعرب أردوغان مرارًا عن رغبته في زيارة المملكة ، وهو ما تحقق أخيرًا بعد خمس سنوات”.
وأشار التقرير إلى أن “أردوغان في أمس الحاجة إلى الزيارة ، نظرا لأهمية التواصل مع القادة السعوديين ، لاستعادة علاقاته مع دول العالم العربي”.
وأضاف أن “أردوغان يهدف من خلال زيارته إلى إعادة المياه إلى مجاريها وإعادة تفعيل مجلس التنسيق السعودي التركي المشترك”.
ويتعارض البيان السعودي مع تأكيد الرئاسة التركية أن زيارة أردوغان جاءت بدعوة من الجانب السعودي.
وصرح أردوغان على تويتر “قمنا بزيارة المملكة العربية السعودية بدعوة من خادم الحرمين الشريفين. وباعتبارنا دولتين شقيقتين تربطهما علاقات تاريخية وثقافية وإنسانية، فإننا نبذل جهودًا حثيثة لتعزيز العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بكافة أنواعها. لتبدأ حقبة جديدة بيننا”.
وبعد أشهر من الجهود الدبلوماسية لإصلاح العلاقات، لبت تركيا أحد المطالب السعودية الرئيسية في إصلاح العلاقات في وقت سابق من هذا الشهر من خلال اتخاذ قرار بتسليم محاكمة خاشقجي إلى السعودية ، وهي قضية تشمل 26 من المشتبه بهم على صلة بقتله.
وقُتل كاتب العمود في واشنطن بوست وميدل إيست آي البالغ من العمر 59 عامًا وتم تقطيع جثته داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 أكتوبر 2018 ، في جريمة قتل مروعة صدمت العالم.
وكان أردوغان قد اتهم “أعلى المستويات” في الحكومة السعودية بإصدار الأوامر ، لكن أنقرة خففت إلى حد كبير منذ ذلك الحين من نبرتها مع سعيها إلى إصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية كجزء من سياسة إقليمية جديدة لتعزيز الاقتصاد التركي.
وغادر أردوغان السعودية يوم الجمعة بعد رحلة استغرقت يومين التقى خلالها الملك سلمان وولي العهد وأدى مناسك العمرة في مكة.
ومنذ أكتوبر 2020 مارست الحكومة السعودية ضغوطًا منهجية على الشركات المحلية لعدم التجارة مع الشركات التركية وإزالة البضائع التركية من أرففها، مما وجه ضربة للصادرات التركية إلى المملكة.
وكانت اللقاءات التي أجراها أردوغان مع الملك سلمان بن عبد العزيز ومحمد بن سلمان في جدّة بمثابة تتويج جهود شهور من المفاوضات واللقاءات المُعلنة وغير المُعلنة بين مسؤولي البلدين، وتبادل الرسائل السياسية الإيجابية من أجل وضع حد للتوتر الذي ساد علاقات البلدين.
وقبل بضعة أيام من الزيارة، بدا أنّ أنقرة تُلبي شرطاً سعودياً رئيسياً لإصلاح العلاقات، وهو إغلاق القضاء التركي المحاكمة الغيابية التي يُجريها بحق 26 مواطناً سعودياً يُشبته بضلوعهم في جريمة قتل خاشقجي، وتسليم الملف إلى القضاء السعودي.
سُرعان ما استجاب السعوديون لهذه الخطوة التي كانت منتظرة عبر توجيه دعوة رسمية إلى أردوغان لزيارة المملكة، وتدشين مرحلة جديدة في العلاقات.
منذ اندلاع أزمة خاشقجي في 2018، والدور الذي لعبه أردوغان في تفعيل هذه القضية من خلال كشف المعلومات في حوزة السلطات التركية عن تحرّك الفريق السعودي الذي نفذ العملية، فضلاً عن إطلاع الاستخبارات الأميركية عليها، لم تتوقف جهود أنقرة لإصلاح العلاقات مع الرياض.
كانت العلاقة الوثيقة التي أقامها أردوغان مع الملك سلمان عقب توليه الحكم في 2015 بمثابة الخيط الرفيع الوحيد الذي لم ينقطع في التواصل رفيع المستوى بين قادة البلدين.
مع ذلك، فإنّ حقيقة أنّ الأزمة السعودية التركية كانت تكمن في مُعضلتين رئيسيتين، هما العداوة الشخصية التي تسبّبت بها أزمة خاشقجي بين أردوغان وولي العهد السعودي، وتزامنها مع الاستقطاب الإقليمي الحاد الذي كان سائداً، شكّلت عُقدة رئيسية أمام مساعي ترميم العلاقة بين أنقرة والرياض.
غير أنّ هذه العقدة بدأت بالتفكّك تدريجياً مطلع العام الماضي (2021)، مع إنهاء الأزمة الخليجية التي كان التحالف التركي القطري أحد أسبابها الرئيسية، ثم دخول أنقرة في مفاوضات لإنهاء القطيعة مع مصر في مايو/ أيار من العام الماضي.
وما أعقبها من إبرام مصالحة مع الإمارات توّجت بزيارة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، أنقرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وقد مهّدت هذه التطورات الطريق للوصول إلى هذه المرحلة بين السعودية وتركيا.
على غرار الأرضية التي استندت إليها تركيا والإمارات في عملية إصلاح العلاقات بينهما، وهي التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية، فإنّ عملية المصالحة التركية السعودية تتبع النهج نفسه الذي تكمن أهميته في أنه سيعمل على إعادة ترميم الثقة السياسية على مستوى القادة.
تعتزم المملكة، في الوقت الراهن، إنهاء الحظر السعودي غير الرسمي، المفروض على الصادرات التركية، وإعادة تكثيف مشترياتها من السلع التركية، بعدما تراجعت بشكل حادّ خلال السنوات الماضية.
فضلاً عن إعادة الزخم للاستثمارات السعودية في تركيا، وهو أمر يكتسب أهمية على وجه الخصوص للرئيس أردوغان الذي يسعى إلى دفع اقتصاده بلاده المتعثر، مع اقترابه من انتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة العام المقبل.
في المقابل، سيُتيح هذا النهج للسعودية استكشاف مدى عمق التحوّل الخارجي الذي تسلكه أنقرة في علاقاتها الإقليمية، والمستوى الذي يُمكن أن يصل إليه التقارب مع تركيا في الفترة المقبلة، لا سيما على صعيد التعاون الإقليمي.
وهو حاجة ملحّة للرياض وأبوظبي اللتين تبحثان عن تنويع خياراتهما الخارجية، وسيلة تحوّط لمواجهة التداعيات التي يُحدثها تراجع العلاقات الخليجية الأميركية، واتجاه واشنطن إلى تقليص التزاماتها الأمنية تجاه منطقة الخليج، فضلاً عن تقدّم المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية.