استغل نظام آل سعود قرار السماح مؤخرا للمرآة في المملكة بالسفر لوحدها لأول مرة إعلاميا للتهويل منه رغم أنه حق بدائي وذلك للتغطية على انتهاكاته الممنهجة لحقوق المرأة واعتقاله عشرات ناشطات الرأي والحقوقيات.
وشهدت المطارات الدولية السعودية أحدث “المرات الأولى” من الأمور التي أصبحت السعوديات قادرات على القيام بها في الآونة الأخيرة، إذ بات بمقدورهن الآن مغادرة البلاد دون إذن ولي من أقاربهن مع تخفيف المملكة لقيود نظام ولاية الرجل الذي تعرض لانتقادات حادة.
نشرت وكالة أنباء عالمية مقابلات مع سعوديات وهن في البوابة المؤدية للطائرة يرددن “تشعر بأنك إنسان.. بأنك إنسان كامل… ليس نصف إنسان ولا جزءا، إنسان كامل”.
وتحملت المملكة لفترة طويلة استنكار الغرب لنظام ولاية الرجل الذي يتطلب أن يكون لكل امرأة قريب، الوالد أو الشقيق أو الزوج أو الابن، يوافق على القرارات المهمة طوال حياتها.
وعلى الرغم من أن بعض القيود الكبيرة ما زالت مفروضة، إلا أن السلطات أدخلت بشكل مطرد تعديلات على القواعد التنظيمية مع محاولتها زيادة انفتاح المجتمع في إطار أجندة إصلاحية أوسع نطاقا يقودها محمد بن سلمان الذي يعد الحاكم الفعلي للمملكة.
وسمحت أحدث تعديلات بحصول النساء ممن تخطت أعمارهن 21 عاما على جواز للسفر والخروج من البلاد دون إذن ولي. كما مكنتهن من تسجيل المواليد والزواج والطلاق وإصدار وثائق رسمية لهن خاصة بالأسرة بالإضافة إلى حق الوصاية على الأطفال القصر.
في المقابل شكت نساء على تويتر من أن بوابة الخدمات الإلكترونية الحكومية (أبشر) لم تسمح لهن بعد بالتقدم للحصول على جوازات للسفر عبر الإنترنت. وقالت وسائل إعلام محلية إن النساء بحاجة لتقديم الطلب بشخصهن لحين تفعيل النظام الإلكتروني.
ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش التعديلات الأخيرة بأنها انتصار طال انتظاره وحثت السلطات على ضمان عدم استخدام الأولياء لقرارات قضائية لتهميش تلك التعديلات.
وقالت روثنا بيجوم باحثة حقوق المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة “تلك التغييرات مجتمعة هي من أكبر الإصلاحات المتعلقة بحقوق النساء التي أقرتها السعودية وأول خروج ملموس عن نظام ولاية الرجل في البلاد”.
وأضافت “على السلطات السعودية الآن أن تنهي كل ما تبقى من تفرقة ضد النساء في كل من القانون والممارسة”.
ويبقي نظام آل سعود محل انتقادات دولية دورية مع احتجازها العشرات من النشطاء المدافعين عن حقوق المرأة ممن دعوا لإصلاحات خاصة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول العام الماضي.
وتسببت قضايا حظيت بتغطية واسعة هذا العام لنساء فررن للخارج مما قلن إنها إساءة معاملة من أسرهن في تسليط المزيد من الضوء السلبي على نظام ولاية الرجل الذي يقمع به نظام آل سعود نساء المملكة.
ووضع الولاية بين القانون والعُرف يجعلها قضية شائكة بالنسبة للأمير محمد الذي أشار العام الماضي إلى أنه يفضل إنهاءه لكنه أحجم عن إقرار إلغائه.
خطوات آل سعود كانت محل سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. من ذلك انتشر خبر ساخر معلقا بالشكل التالي:
تحت أنظار العالم أجمع، وبمزيج من مشاعر الفرح والبهجة والترقّب والتخوُّف، أعلنت السعودية نجاح تجربتها بإطلاق أول إمرأة سعودية الجنسية إلى العالم الخارجي، لوحدها، بلا محرمٍ أو حتى ورقةٍ منه تسمح لها بالسفر.
وأشاد جلالة وليِّ العهد بتحقيق بلاده هذا الإنجاز “نشعر جميعاً بالفخر لنجاح هذه المهمَّة، فالآن، يمكننا القول أنَّ السعودية انتصرت في سباق الحريات، وباتت بلادنا رائدةً بمنح النساء حقوقهن. إنَّها خطوة صغيرةٌ للحُرمة، خطوة كبيرةٌ للبشرية”.
من جانبه، قال الناطق باسم وكالة إدارة سفر الأنثى (واسا) إن إتمام المهمَّة لم يكن سهلاً على الإطلاق “تطلَّب إنجاحها تحضيراتٍ وعملياتٍ بغاية الدِّقة، من تدريب رجال الهيئة على رؤية نساءٍ بلا محرم في برامج محاكاةٍ تضمنَّت إطلاقهنَّ في المولات دون أن يسرن خلف رجل، وصولاً لإجراء اختبارات جسديَّة مكثَّفة على الإناث للتأكد من تحكمِّهن بأنفسهنَّ وعدم تراقصهنَّ أو تمايلهنَّ بالحفلات الغنائية، إضافة إلى تجارب تقيس مدى سيطرتهن على المركبات من خلال السماح لهنَّ بقيادة السيارات”.
وحول فشل الناشطات بإطلاق أي امرأة إلى أي مكان العام الماضي، قال الناطق “هؤلاء النسوة تحمّسن بشكل مفرط، مما أدّى إلى وقوعهنّ ومن معهن حتى قبل الانطلاق وكدن يلقين حتفهن، سنبقيهن تحت عنايتنا المكثفة إلى أن تتحسن حالتهن”.