يسلط إعلان جماعة أنصار الله “الحوثيون” إسقاط مقاتلة عسكرية سعودية الضوء على ترسانة أسلحة الحوثيين التي تزداد قوة، ما يثير القلق في نظام آل سعود مع تصاعد القتال وسط جهود متعثرة لإنهاء الصراع المستمر منذ خمس سنوات.
وأعلن الحوثيون إسقاط طائرة تورنيدو الجمعة فوق محافظة الجوف المضطربة في شمال اليمن، في انتكاسة للتحالف العسكري الذي تقوده الرياض والذي كان يتمتع دوما بالتفوق الجوي في الحرب.
ولا يزال مصير الطيارين السعوديين اللذين قفزا من الطائرة مجهولاً. وذكر الحوثيون أنهم أصابوا الطائرة “بصاروخ أرض جو متطور”.
ويأتي ذلك في أعقاب تقارير للأمم المتحدة أفادت بأن الحوثيين تلّقوا أسلحة تحمل بصمات إيران. لكن طهران نفت مرارا تسليحهم.
وبعد الحادث، قال متحدث باسم الحوثيين إن “سماء اليمن ليست للنزهة وعلى العدو أن يحسب ألف حساب لذلك”، منوها “بالإنجاز الكبير” بعد إسقاط المقاتلة.
وقالت بيكا فاسر المحللة في مؤسسة “راند كوروبوريشن” إن “هذا بالتأكيد سبّب للقلق بالنسبة للتحالف” العسكري الذي يقوده نظام آل سعود في اليمن.
وتابعت أنّ التحالف بات “بحاجة إلى التخطيط كما لو كان هذا هو الوضع الطبيعي الجديد وأن الحوثيين لديهم القدرة على إسقاط المزيد من الطائرات ما سيؤثر على عملياتهم وكيفية تخطيطهم لمهماتهم الجوية”.
ويسيطر نظام آل سعود منذ فترة طويلة على المجال الجوي اليمنيّ. وواجهت المملكة انتقادات دولية متكررة بسبب غاراتها الجوية في اليمن والتي أسفرت في كثير من الأحيان عن مقتل مدنيين.
لكن الحوثيين يقاومون هذا التهديد من خلال تعزيز قدراتهم الدفاعية الجوية، لا سيما مع ما يسمونه بصواريخ أرض جو محليّة الصنع.
وقالت فاسر “فيما يزعم الحوثيون أن صاروخا أنتج ذاتيًا أسقط طائرة تورنيدو السعودية، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا هو الوضع حقًا لأن هذا مجال يتلقون فيه مساعدة إيرانية”.
والعام الماضي، أعلن الحوثيون أنهم أسقطوا طائرة أميركية مسيّرة بصاروخ من صنع المتمردين. وأعلن الجيش الأميركي حينها أنه يحقق في تقارير عن الحادث الذي وقع وسط توترات متصاعدة بين واشنطن وإيران.
وذكر تقرير للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر إن الحوثيين حصلوا على أسلحة جديدة العام الماضي “بخصائص تقنية مشابهة للأسلحة المصنعة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
ولم يذكر التقرير الذي أعدته لجنة من خبراء الأمم المتحدة ما إذا كانت الأسلحة الإيرانية سُلّمت مباشرة للحوثيين من قبل الحكومة الإيرانية.
والأربعاء، افاد تقرير لمركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات إن بعض المكونات الموجودة في طائرات دون طيار تابعة للحوثيين تشبه تلك الموجودة في الطائرات الإيرانية.
وبحسب التقرير فإن اداة صغيرة- وهي الجيروسكوب- داخل الطائرة التي استخدمت العام الماضي لشن هجوم على منشأة نفط سعودية بدت مماثلة لأداة عثر عليها في طائرة ايرانية تم إسقاطها في العراق.
لكن في وقت سابق من هذا الشهر، قالت وسائل إعلام سعودية إنّ الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف قتلت أربعة نشطاء من حزب الله الشيعي اللبناني، قرب صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون منذ ايلول/سبتمبر 2014.
وقالت الباحثة في معهد الشرق الأوسط فاطمة أبو العصار لفرانس برس إنّ وجود عناصر تدعمها إيران في اليمن يعزّز على الأرجح “جهوزية الحوثيين على مواجهة النشاط الجوي السعودي”.
وأضافت أنّ الحوثيين “لم يكن لديهم هذه القدرة منذ خمس سنوات”.
وتأتي تطورات الجمعة الماضية في أعقاب اشتباكات جديدة في شمال اليمن بعد هدوء نسبي استمر اشهرا، حيث أبدت الأطراف المتحاربة اهتماما واضحا بوقف تصعيد النزاع.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، قال مسؤول سعودي إن الرياض لديها “قناة مفتوحة” مع المتمردين، بهدف إنهاء الحرب.
وكانت الرياض تأمل في تحقيق انتصار سريع عندما أطلقت تدخلا عسكريا في اليمن في آذار/مارس 2015، لكنها دخلت مستنقعا كلّفها مليارات الدولارات ودمر اليمن أحد أفقر بلد في العالم العربي.
وعرض الحوثيون أيضا وقف جميع الهجمات على السعودية كجزء من مبادرة سلام أوسع نطاقا.
لكن يبدو أن تلك الجهود تنهار، حيث يقول بعض المراقبين إن المتمردين استخدموا فترات الهدوء مرارا لتعزيز قدراتهم العسكرية.
وفي الوقت نفسه، تتطلع السعودية، التي تعتبر الحوثيين وكلاء لإيران، لإخراج نفسها من هذا النزاع الدامي.
وتسبّب إسقاط المقاتلة السعودية الجمعة في غارات جوية للتحالف في المنطقة التي سقطت فيها، تم اعتبارها بمثابة رد سعودي.
وأعلنت الأمم المتحدة السبت مقتل 31 مدنيا وإصابة 12 اخرين. لكن بعض المحللين يقولون إن الضربات ربما كان لها دافع آخر.
وقالت فاسر إنّ “قرار ضرب موقع التحطم كان على الأرجح لضمان عدم سقوط هذه التكنولوجيا البارزة في أيدي الحوثيين ما يؤدي الى زيادة قدرتهم على استهداف طائرات التحالف في شكل أفضل”.
يأتي ذلك فيما شهد العام 2019 تأجج العديد من الصراعات في العالم العربي. فبجانب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في ليبيا واليمن وسوريا، خرجت احتجاجات شعبية واسعة في لبنان والعراق والجزائر. والعامل المشترك في كل أشكال عدم الاستقرار هذه هو سعي الحكومات للتسليح لمحاولة فرض السيطرة.
وأصدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية تقريره السنوي بشأن الميزانيات العسكرية، والذي كشف زيادة عالمية في نفقات الدفاع بحوالي أربعة في المئة خلال العام 2019. وهي أكبر زيادة سنوية خلال العقد الماضي.
ولم تكن منطقة الشرق الأوسط استثناء لهذه الزيادة، إذ كشف التقرير أن الإنفاق العسكري ظل أولوية لدى الدول العربية رغم تباطؤ معدلات النمو.
وخص التقرير دول منظمة التعاون الخليجي، التي استمرت في دعم الإنفاق العسكري “بدافع المخاوف الأمنية في المنطقة، والنفقات المرتبطة بعملياتها العسكرية، خاصة في ليبيا واليمن.”
وتصدرت المملكة معدلات الإنفاق الخليجي على التسليح، إذ خصصت 10.1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق العسكري خلال العام 2019، وهو ما يقدر بحوالي 78.4 مليار دولار.
وتراجع إنفاق المملكة على الدفاع مقارنة بعام 2018، إذ أنفقت المملكة آنذاك 86.4 مليار دولار على الدفاع، وهو ما قُدّر بـ 11 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في العام ذاته.