يتعمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التضليل وتجاهل الدعوات البرلمانية للكشف عن التقارير الاستخباراتية المتعلقة بجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل سفارة بلاده في إسطنبول مطلع تشرين أول/أكتوبر 2018.
وفي ضوء ذلك، وصفت صحيفة أمريكية سلوك إدارة ترامب بـ”المماطل” خدمة لمصلحة ولي العهد محمد بن سلمان.
وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية: إن أغلبية من الحزبين في الكونغرس سعت إلى مطالبة الإدارة الأميركية بمحاسبة بن سلمان وبقية الأشخاص المتورطين في جريمة اغتيال خاشقجي التي نفذها فريق سعودي وخلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “بثقة متوسطة إلى عالية” إلى أن الأمر بالاغتيال صدر عن بن سلمان.
وأكدت واشنطن بوست أن إدارة ترامب تجاوزت الحدود القانونية مرات عديدة في مقاومة المساءلة أمام الكونغرس، خصوصا فيما يتعلق بمحاكمة ترامب العام الماضي وقضية محاسبة قتلة الصحفي السعودي.
وأوضحت أنه بعد أيام من مقتل خاشقجي، استند 22 عضوا بمجلس الشيوخ إلى قانون (ماغنيتسكي) لمطالبة البيت الأبيض بتحديد المتورطين في عملية القتل خارج نطاق القانون وتقديم تقرير للكونغرس عما إذا كانت ستتم معاقبة الجهة المتورطة بمقتل الصحفي السعودي.
وحدد الكونغرس مهلة قانونية لرد إدارة ترامب هي 8 فبراير/شباط 2019، ولكن البيت الأبيض تجاهل تلك المهلة.
وأفادت الصحيفة بأن عدم امتثال إدارة ترامب لطلب الكونغرس دفع لجنة مشتركة أخرى من الحزبين في الكونغرس لإرفاق تعديل على قانون تفويض الدفاع الوطني للعام الماضي، للمطالبة مجددا بتقرير غير سري بأسماء المسؤولين السعوديين السابقين أو الحاليين المتورطين في قتل خاشقجي ومدى علمهم المسبق بالجريمة ودورهم مع تحديد من “أشراف أو أمر أو تلاعب بالأدلة” في عملية الاغتيال.
وأشارت إلى أنه من المستحيل إعداد التقرير الذي طلبه الكونغرس دون ذكر اسم محمد بن سلمان، الذي يعمل الرئيس ترامب على تلبية احتياجاته منذ أن احتفلت به المملكة ببذخ في وقت مبكر من توليه الرئاسة، وعليه فقد رفضت إدارة ترامب مرة أخرى الامتثال لمطلب قانوني لا غبار عليه، متعللة بأن توفير التقرير المطلوب قد يعرض مصادر الاستخبارات للخطر.
ورأت صحيفة “واشنطن بوست” أن إحجام البيت الأبيض عن الرد على مطالب الكونغرس المتكررة بشأن التقرير العلني يؤكد استعداد ترامب لانتهاك القانون الأميركي بدلاً من تأكيد تورط حاكم سعودي مستبد في اغتيال صحفي بارز يقيم بالولايات المتحدة على حد تعبير الصحيفة.
وقالت إن إحدى منظمات المجتمع المدني بالولايات المتحدة قد أحالت الأمر إلى محكمة فدرالية، حيث رفعت قضية لدى محكمة بنيويورك تطالب بإصدار التقرير المتعلق باغتيال خاشقجي بموجب قانون حرية المعلومات.
وكانت المنظمة قد تقدمت بطلب للحصول على التقرير في شهر يوليو/تموز بموجب قانون حرية المعلومات ولكنها لم تتلقَ أي رد على ذلك الطلب بحلول الموعد القانوني النهائي.
وخلصت الصحيفة الأمريكية إلى أن الدعوى القضائية من شأنها إماطة اللثام عن كذب ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو المتكرر عندما صرحا بأنه من غير المعروف ما إذا كان محمد بن سلمان متورطًا في جريمة اغتيال جمال خاشقجي.
كما خلصت أيضا إلى أن الدعوى القضائية ستؤسس لتغيير طال انتظاره في سياسة الولايات المتحدة تجاه ولي العهد السعودي ونظامه، ربما في الوقت المناسب لإدارة جديدة.
وتزايدت الآونة الأخيرة تداعيات جريمة قتل وتقطيع خاشقجي على يد “فرقة النمر” سياسيا وقضائيا في عدة دول.
وأقدمت مبادرة The Open Society Justice القانونية لمناصرة الديمقراطية، على دعوى قضائية، الأربعاء 19 أغسطس/آب 2020، ضد مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية للحصول على التقرير الخاص بالتحقيق في جريمة اغتيال الصحفي خاشقجي.
وأشار تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني إلى أن المُشرّعين الأمريكيين يطالبون إدارة ترامب منذ فترة بالكشف عمّا توصلت له أجهزة الاستخبارات من نتائج بشأن واقعة مقتل جمال خاشقجي، بما في ذلك هوية من أصدر الأمر بتنفيذ الاغتيال.
وفي وقت لاحق من عام 2019م، اتخذ الكونغرس الأمريكي خطوات ملموسة نحو تحقيق هذا الهدف حين صادق على تشريع يطالب مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بتقديم تقرير غير مُصنَّف بـ”سري” في غضون 30 يوماً للكونغرس يكشف فيه أسماء المسؤولين السعوديين المتورطين في “إصدار الأوامر بقتل خاشقجي، أو إدارة عملية القتل أو العبث بالأدلة”.
ومرّ أكثر من 8 أشهر منذ المصادقة على هذا القانون، لكن كل ما أفرج عنه مكتب مدير الاستخبارات الوطنية هو تقرير مُصنَّف بالكامل بالسرية، ومعه بيان يقول فيه إنه لن يجعل أية معلومات بهذا الصدد علنية لحماية “مصادره وأدواته”.
وهو ما دفع مبادرة The Open Society Justice القانونية لمناصرة الديمقراطية، لرفع دعوى قضائية، ضد مكتب مدير الاستخبارات الوطنية للحصول على التقرير.
وجاء في الدعوى القضائية: “الإفراج الفوري عن السجلات المطلوبة من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية ضروري للجمهور لكي يُقيَّم رد الإدارة الأمريكية على مقتل خاشقجي تقييماً ملائماً ومثالي التوقيت”.
وقدَّمت مبادرة The Open Society Justice طلباً يستند إلى قانون حرية المعلومات للحصول على تقارير سرية تتعلق بمقتل خاشقجي أُحِيلَت إلى الكونغرس.
وبموجب قانون حرية المعلومات، فإن الحكومة ملزمة بالإفراج عن السجلات غير السرية. وغالباً ما ترفع الصحف والجماعات الحقوقية دعاوى قضائية للطعن في تصنيف مثل هذه الوثائق بالسرية.
هذه هي الخطوة القانونية الثانية التي تتخذها مبادرة The Open Society Justice في شأن قضية خاشقجي، عقب دعوة قضائية رفعتها خلال 2019 ضد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وشكَّل الاغتيال ضربة للعلاقات الأمريكية السعودية؛ إذ أصدر مجلس الشيوخ قراراً يدين بالإجماع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أواخر 2018 وحمَّله مسؤولية عملية القتل.
وخلُصت وكالة الاستخبارات المركزية إلى أنَّ ولي العهد كان وراء جريمة القتل.
لكن على الرغم من الغضب الذي اجتاح الكونغرس، وقف الرئيس دونالد ترامب إلى جانب حلفائه السعوديين طوال الأزمة، مشيراً مراراً إلى نفي الرياض تورط محمد بن سلمان في الاغتيال.
وتضمن الدعوى القضائية المطروحة، ايضا أنه “على الرغم من الدعوات إلى المساءلة عن مقتل خاشقجي، واصل جاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض، الدفاع عن وليّ العهد ووصف المملكة العربية السعودية بأنها حليف جيد جداً. إنَّ استمرار الجدل العام حول مقتل السيد خاشقجي يشير إلى أنها لا تزال مسألة مُلِحة للعامة”.
ودعت أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، واشنطن إلى نشر المعلومات التي جمعتها بشأن جريمة القتل، وقالت إنَّ نتائج وكالات الاستخبارات الأمريكية ضرورية لضمان العدالة.
في تقريرها 2019، وجدت كالامارد أنَّ قتل خاشجقي كان جريمة حدثت بموافقة الرياض.