أظهر الكشف عن تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظام آل سعود بسحب القوات الأمريكية من المملكة على خلفية خفض أسعار النفط مدى تغوله في إهانة المملكة في مقابل خضوع كامل من ولي العهد محمد بن سلمان.
وكشفت وكالة رويترز العالمية للأنباء أن ترامب لجأ إلى إشهار ورقة سحب القوات العسكرية الأمريكية لدفع المملكة إلى وقف حرب أسعار النفط مع روسيا وإملاء قراره على نظام آل سعود.
وذكرت الوكالة نقلا عن أربعة مصادر مطلعة، أن محمد بن سلمان، تلقى اتصالا هاتفيا من ترامب في 2 أبريل/ نيسان الحالي، أخبره خلاله أنه في حال عدم بدء منظمة “أوبك” في خفض مستوى إنتاج النفط، فإنه سيكون عديم الحيلة أمام قيام المشرعين بتمرير قرار بالكونغرس يقضي بسحب القوات العسكرية الأميركية من المملكة.
وأضافت “رويترز” أن التهديد بإنهاء التحالف الاستراتيجي بين البلدين الذي صمد لـ 75 عاما، كان في صلب حملة الضغط الأميركية التي توجت باتفاق تاريخي لتقليص إمدادات النفط في ظل تهاوي الطلب العالمي بسبب تداعيات فيروس كورونا الجديد، موضحة أن البيت الأبيض سجل بذلك انتصاراً دبلوماسياً.
كذلك لفتت الوكالة إلى أن ترامب أوصل رسالته لولي العهد السعودي عشرة أيام قبل الإعلان عن تقليص الإنتاج على مستوى “أوبك”.
وأشار إلى أن بن سلمان تفاجأ بالتهديد لدرجة أنه طلب من مستشاريه مغادرة المكان حتى يواصل المحادثة الهاتفية على انفراد، وذلك بحسب مصدر أميركي اطلع من مسؤول أميركي بارز على فحوى الاتصال.
وتواجه المملكة تحدياً غير مسبوق هذا العام مع تسجيل أسعار النفط مستويات منخفضة تاريخية، فيما من المرجح أن تكبح تدابير لاحتواء انتشار فيروس كورونا وتيرة وحجم الإصلاحات الاقتصادية المتعثرة التي أطلقها بن سلمان منذ أعوام.
وفي يوم 16 آذار/ مارس كان السناتور كريمر واحدا من 13 عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ بعثوا برسالة إلى بن سلمان يذكرونه فيها باعتماد المملكة الاستراتيجي على واشنطن.
وفي 12 نيسان/ أبريل وتحت ضغط من ترامب وافقت أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم خارج الولايات المتحدة على أكبر تخفيض في الإنتاج على الإطلاق. فقد قلصت أوبك وروسيا ومنتجون متحالفون معهما الإنتاج بواقع 9.7 مليون برميل يوميا أي حوالي عشرة في المئة من الإنتاج العالمي.
وقال السناتور الجمهوري كريمر إنه تحدث مع ترامب عن تشريع سحب القوات الأمريكية من المملكة في 30 آذار/ مارس أي قبل ثلاثة أيام من اتصال الرئيس ببن سلمان.
وسُئل وزير الطاقة الأمريكي دان برويليت عما إذا كان ترامب قد قال للمملكة إنها قد تفقد الدعم العسكري الأمريكي فقال إن الرئيس من حقه استخدام كل الأدوات المتاحة لحماية المنتجين الأمريكيين بما في ذلك “دعمنا لاحتياجاتهم الدفاعية”.
وأشاد ترامب بالاتفاق وصور نفسه على أنه من لعب دور الوسيط فيه. وقال في تغريدة عقب الاتفاق “بما أنني كنت طرفا في المفاوضات … الرقم الذي تتطلع أوبك+ لخفضه يبلغ 20 مليون برميل يوميا”.
في هذه الأثناء نشر موقع “نيوز ري” الروسي تقريرا، تحدث فيه عن مواصلة الإدارة الأمريكية، بقيادة دونالد ترامب، النظر في الخيارات المتاحة لمعاقبة المملكة ردا على حرب النفط التي أضرت بصناعة النفط الصخري الأمريكية.
وقال الموقع إنه وفقا لخبراء السوق فإن العودة إلى مشروع قانون نوبك الذي يهدف إلى رفع الحصانة عن الدول المُصدّرة للنفط في منظمة “أوبك”، وإعطاء الحكومة الفيدرالية الفرصة لتطبيق مجموعة من العقوبات، قد يكون أقوى أداة تستخدمها إدارة ترامب ضد الرياض.
وذكر الموقع أن البيت الأبيض لا يزال يعمل على وضع خطة للرد على الخطوة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية المتمثلة في إغراق السوق بالنفط الرخيص، وذلك حسب ما أفادت به مصادر مقربة من إدارة ترامب لموقع “أويل برايس” الأمريكي.
نتيجة لذلك، انخفضت أسعار المحروقات بسبب وفرة الإنتاج في السوق العالمية ووصول طاقة التخزين في مرافق النفط الأمريكية إلى طاقتها القصوى.
وتجدر الإشارة إلى إمكانية وصول حوالي 20 ناقلة نفط من المملكة العربية السعودية إلى ساحل الولايات المتحدة. وفي الواقع، يشكل هذا العبء ضربة كبيرة للاقتصاد الأمريكي وفرصة ليستأنف منتقدو الرياض في واشنطن المناقشات حول الإجراءات التقييدية.
وأورد الموقع أنه في هذه الظروف بات ممكنا للدوائر المحيطة بترامب التلاعب بمشروع قانون نوبك، الذي يعدون بتمريره منذ زمن.
ففي سنة 2007، مرر نص الوثيقة من خلال مجلس الشيوخ ومجلس النواب، غير أنه لم يرسل إلى البيت الأبيض، لأن جورج بوش توعد باستخدام حق النقض.
وقد استؤنف الحديث عن مشروع قانون نوبك منذ حوالي سنة، عندما ظهرت خطط داخل أوبك بلس لإنشاء كارتل جديد على أساس هذه المنظمة، التي يقع مقرها في فيينا. ردا على ذلك، توعدت السعودية برفض التعامل بالدولار فيما يتعلق بتجارة الهيدروكربونات.
وأفاد الموقع بأن الخبراء فسروا رد فعل الرياض على أنه خوف من احتمال التورط في دعاوى مكافحة الاحتكار في المحاكم الأمريكية.
ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن المحادثات بشأن نوبك أتت ثمارها، حيث دفعت مجموعة أوبك بلس إلى التخلي عن فكرة تأسيس كارتل خاص.
وأوضح الموقع أن الهدف الرئيسي من مشروع القانون هو تمكين المحاكم الأمريكية من النظر في دعاوى مكافحة الاحتكار ضد أعضاء أوبك والأطراف التي يعتقد في تورطها في مؤامرات سوق النفط.
وبشكل عام، ينص مشروع قانون نوبك على اعتبار أي إجراءات مشتركة من قبل سلطات دول أخرى تهدف إلى تقييد إنتاج النفط وتحديد الأسعار غير قانونية. كما أن قانون نوبك يعدل قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار لسنة 1890.
ونقل الموقع عن الكاتب والخبير سايمون واتكينز أن اعتماد مشروع قانون نوبك سيرفع الحصانة الموجودة حاليًا في المحاكم الأمريكية ضد منظمة أوبك وجميع أعضائها، وهذا من شأنه أن يجعل السعودية عرضة للملاحقة القضائية بموجب قانون شيرمان.
وسيكون لإدارة ترامب الحق في تجميد جميع الحسابات المصرفية للمملكة، ومصادرة أصولها الموجودة تحت السلطة القضائية الأمريكية، وإيقاف معاملاتها بالدولار في جميع أنحاء العالم. كما سيكون لدى الأمريكيين أداة ضغط على أصول شركة أرامكو السعودية.
ولكن يتساءل الخبراء عن مدى استعداد ترامب للرد على خطوات الرياض من أجل تلبية مطالب منتجي النفط الصخري الأمريكيين الغاضبين.
وفي حال اعتُمد مشروع قانون نوبك، فإن المملكة تخاطر بفقدان الدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي.
وسبق أن صرح ترامب مطلع العام الجاري أن نظام آل سعود دفع مبلغ مليار دولار حديثا لنشر المزيد من الجنود الأمريكيين في المملكة.
وفي مقابلة تلفزيونية، ذكر ترامب أن دولا مثل المملكة تدفع ملايين الدولارات مقابل انتشار جنود أميركيين هناك. وأضاف أنه أبلغ المملكة على سبيل المثال بأن عليها دفع الأموال مقابل نشر مزيد من الجنود، وأنها وضعت بالفعل مليار دولار في حساب مصرفي.
وتضمنت تصريحات ترامب إعلانه أنه لا مشكلة لديه في الانسحاب من العراق ولكن على العراقيين أن يدفعوا مقابل انسحابها، مشيرا إلى أن دولا مثل السعودية وكوريا الجنوبية تدفع لنشر المزيد من قواته.
ونتهج الولايات المتحدة الأمريكية سياسة سحب الأموال “الحلب” تجاه نظام آل سعود مقابل توفير الحماية لاستمراره في حكم المملكة كما أعلن أكثر من مرة ترامب في إهانة بالغة للمملكة.