تتطابق تحذيرات دولية من مخاطر تفاقم الأزمة المالية للمملكة بعد قرار نظام آل سعود مؤخرا رفع الإنتاج من النفط ما أدى لانهيار مدوي في أسعاره.
وقالت صحيفة “الفايننشال تايمز” إن قرار المملكة بزيادة إنتاجها اليومي من النفط بداية من الشهر المقبل، دفع لتهاوى أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو ما يراه ممثلو منظمة أوبك الذين توسطوا بين الرياض وموسكو على أنه “لعبة استعراض قوى وعض الأصابع بين الطرفين”.
ويوضح التقرير أن المملكة قررت رفع الإنتاج وخفض أسعار النفط بعدما رفضت موسكو التفاهم، مشيراً إلى أن “الرياض نفسها ستعاني من هذا القرار بسبب الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي ستقع على عاتق اقتصادها، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد العالمي مخاطر الكساد بسبب تفشي فيروس كورونا”.
ويضيف التقرير أن المملكة لديها أكثر من 500 مليار دولار احتياطي نقدي ستلجأ إليه بالطبع لسد العجز المالي المتوقع، مشيراً إلى أن “قراراها الأخير يأتي في محاولة للضغط على روسيا للعودة إلى طاولة المفاوضات”، لكن الخبراء لا يتوقعون أن تنجح هذه المحاولة وأن يكون لها عواقب وخيمة على منتجي النفط على مستوى العالم.
ويوضح التقرير أن روسيا في المقابل لديها إمكانيات اقتصادية أكبر من المملكة لمواجهة الأزمة فلديها عملة تم تعويمها بالكامل واقتصاد متنوع، وأن المسؤولين السعوديين كانوا على إدراك بأن موسكو لن تندفع نحو إبرام اتفاق معهم ومع ذلك اتخذوا قرارهم برفع سقف الإنتاج.
ويجمع مراقبون على أن حرب النفط الجارية حالياً ستقود إلى أزمات مالية حادة في بعض الدول النفطية، خاصة تلك التي تعاني من ضائقات مالية مثل المملكة والبحرين، كما ستكون لها تداعيات أخرى على الاقتصادات العربية التي تعتمد على أو تنتظر إعانات مالية من دول الخليج النفطية مثل لبنان ومصر والأردن.
ومن شأن استمرار هذه الحرب النفطية التي هبط فيها سعر خام برنت إلى قرابة 30 دولاراً أمس الاثنين، أن يؤدي إلى أزمة سيولة وضغوط كبرى على العملات والموازنات العربية المعتمدة على النفط، خاصة الريال السعودي، لاسيما إذا صحّت توقعات مصرف “غولدمان ساكس” بانهيار الأسعار إلى 25 دولاراً.
وحتى الآن ظهرت آثار الحرب النفطية في أسواق المال والبورصات التي خسرت مليارات الدولارات في تعاملات أمس، حيث هبط سهم أرامكو إلى 28.35 ريالاً من 32 ريالاً، وخسرت سوق المال السعودية يوم الأحد فقط 739 مليار ريال (أي نحو 197 مليار دولار).
ويتوقع خبراء غربيون أن تظهر الأسابيع المقبلة موجة من هروب الرساميل من المملكة شبيهة بما حدث في العام 2017، حينما هربت من المملكة نحو 170 مليار دولار بسبب ما حدث من اضطراب سياسي بعد اعتقالات الريتز كارلتون التي شملت عددا من الأثرياء والأمراء، وذلك وفقاً لتقرير صدر عن مصرف “غولدمان ساكس”. كذلك من المتوقع أن تتضاعف أزمة مراكز مالية خليجية مثل البحرين ودبي اللتين تعتمدان على تدفقات أثرياء المملكة.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر في 6 فبراير/ شباط الماضي دول الخليج من تداعيات تقلبات أسعار النفط، وكانت وقتها الأسعار فوق 50 دولاراً. ونصح الصندوق دول الخليج التي تعتمد بشدة على إيراداتها النفطية القيام بإصلاحات أعمق وإلا المخاطرة برؤية ثرواتها تتلاشى خلال 15 عاماً مع تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض الأسعار.
وعانت المملكة من عجز مستمر في الموازنة وتراجع النمو الاقتصادي وتدفق الاستثمارات الأجنبية، ما دفعها إلى اللجوء للاقتراض الداخلي والخارجي. ونتيجة لذلك، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي.
بينما قدر صندوق النقد بأن نسبة النمو في دول مجلس التعاون كانت 0,7% العام الماضي مقارنة مع 2% الضئيلة في عام 2018 – بعيدا عن معدلات وصلت إلى أكثر من 4% قبل انهيار النفط.
وبحسب بيانات صندوق النقد، فإن الإرث الناجم عن ارتفاع الإنفاق الحاد في الفترة بين 2007-2014، والتي أعقبها انخفاض حاد في إيرادات النفط والغاز أدى إلى إضعاف المراكز المالية في المنطقة. وأدى العجز الناجم عن ذلك إلى تخفيض صافي الثروات المالية في الفترة بين 2014-2018، بقرابة 300 مليار دولار لتصبح ترليوني دولار، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
وحسب الأرقام خسرت أسعار النفط ما يصل إلى ثلث قيمتها أمس الاثنين في أكبر خسائرها اليومية منذ حرب الخليج عام 1991، بعد أن أشارت المملكة إلى أنها سترفع الإنتاج لزيادة الحصة السوقية، كما ستخفض الأسعار، فيما يتسبب تفشي فيروس كورونا بالفعل في حدوث فائض في الإمدادات النفطية في السوق.
وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 22% عند 37.05 دولار للبرميل بعد أن نزلت في وقت سابق 31% إلى 31.02 دولار للبرميل وهو أدنى مستوى منذ 12 فبراير/ شباط 2016.
وتراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي أكثر من 24% إلى 33.20 دولار للبرميل بعد أن هوى في البداية 33% إلى 27.34 دولار، وهو أيضا أدنى مستوى منذ 12 فبراير/ شباط 2016. وكان أكبر تراجع يسجله الخام القياسي الأميركي على الإطلاق في عام 1991 عندما انخفض بمقدار الثلث أيضا.
ما يحدث اليوم من زلزال وتهاوٍ في أسواق النفط، الذي خسرت فيه الأسعار حتى يوم أمس 30% من قيمتها لا يقل عن زلزال عام 1982. ومن المتوقع أن تكون له تداعيات اقتصادية وسياسية في كل دول العالم.
وربما تكون التداعيات هذه المرة على الاقتصاديات العالمية والنفوذ الجيوسياسي أكبر من تلك التي حدثت في دورات الانهيارات السابقة في الثمانينيات وعامي 2015 و2016، لأنها تتصاحب مع تداعيات تفشي فيروس كورونا.
وكانت حرب النفط في الثمانينات قد أنتهت إلى انهيار المعسكر الاشتراكي، ومن غير المعروف ماهي التداعيات التي ستتركها هذه الحرب.
وحتى الآن تضررت أسواق الأسهم العالمية وسندات الخزانة الأميركية من انهيارات أسعار النفط وقد تمتد التأثيرات قريباً إلى أسواق الائتمان والصرف والمصارف الاستثمارية، وربما تمس الاستقرار السياسي في بعض الدول النفطية.
في هذا الصدد يرى خبير الطاقة بشركة ” أكسي كورب” الأميركية، ستيفنز إنز، في تعليقات لصحيفة ” فاينانشيال تايمز”، أن “المخاطر الحقيقية للحرب النفطية الحالية ربما ستمتد إلى أبعد من قضية انهيار الأسعار وتصل المخاطر إلى أسواق الائتمان، وهذا ما يقلق أسواق المال”.
وحسب تقرير لوكالة “ستاندرد آند بورز” الشهر الماضي تبلغ قيمة الديون السيادية العالمية نحو 53 ترليون دولار. وفي حال توقف بعض هذه الدول عن خدمة هذه الديون فستحدث موجة من الانهيارات في أسواق المال العالمية.
على صعيد تداعيات الانهيار الجاري في الأسعار على الصناعة النفطية، يتوقع، إنز، حدوث إفلاسات في صناعة النفط، خاصة النفط الصخري والنفوط المكلفة، في حال تواصل تدهور الأسعار.
لكن المخاطر التي يتحدث عنها إنز لن تقف على الإفلاسات المتوقعة في صناعة النفط الصخري والمياه العميقة والنفط المكلف وإنما ستطاول الدول النفطية التي تعاني من أزمات مالية، وستطاول كذلك بنوك الاستثمار العالمية التي كانت تستفيد من توظيف فوائض النفط العربية.
كما أن سندات الخزانة الأميركية ربما ستكون من الخاسرين بسبب حاجة العديد من الدول النفطية لتسييل جزء من حيازتها بها حتى تتمكن من تلبية احتياجات الإنفاق.
وقلصت بنوك كبرى توقعاتها لنمو الطلب النفطي. وتوقع بنك مورغان ستانلي أن يسجل نمو الطلب في الصين صفرا في 2020، كما توقع مصرف غولدمان ساكس انكماشا قدره 150 ألف برميل يوميا في الطلب العالمي.
وخفض المصرف الأميركي أيضا توقعاته لخام برنت إلى 30 دولارا في الربعين الثاني والثالث من عام 2020، لكن محللون آخرون لا يستبعدون هبوط الأسعار إلى 20 دولاراً.
وعادة ما تؤثر أسعار النفط ومشتقاته وتجارته التي يفوق حجمها 1.71 تريليون دولار، على مؤشرات أسواق المال، بسبب حجم الشركات الطاقة الكبرى وشركات الوقود والمصافي.
ويلاحظ أن هنالك هروباً كبيراً من أسهم شركات الطاقة في البورصات العالمية والعربية، إذ خسر سهم أرامكو السعودي أكثر من 5 ريالات في تعاملات الأحد. كما سجلت أسهم شركات الطاقة في كل من أوروبا وأميركا تراجعاً كبيراً.