فساد محمد بن سلمان: “ثروات القابضة” بوابة المليارات تحت حكم العائلة

بينما يُروِّج ولي العهد محمد بن سلمان لصورة الإصلاح والانفتاح، تتكشف يومًا بعد يوم حقائق تُظهر أن الرجل يُحكِم قبضته على ثروات المملكة ومواردها الضخمة عبر شبكات معقدة من الشركات والأشخاص المقربين لحصرها تحت حكم العائلة، دون أي شكل من أشكال الرقابة الشعبية أو البرلمانية.

أحدث تلك الحلقات يتمثل في الدور المتصاعد لشركة «ثروات القابضة» التي يديرها شقيقه الأمير تركي بن سلمان، والتي باتت بمثابة بوابة إلزامية تمر من خلالها كبرى الصفقات الأجنبية الراغبة في الدخول إلى السوق السعودي.

إمبراطورية خفية تحكم المليارات

بحسب تقرير لوكالة «بلومبيرغ»، أصبحت «ثروات القابضة» تمارس نفوذًا هائلًا خلف الستار، متحكمة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية التي يفترض أنها أحد أعمدة مشروع رؤية 2030.

والمثير أن هذه الشركة غير معروفة على نطاق واسع، على الرغم من إشرافها على أصول تقدر قيمتها بأكثر من 250 مليار دولار، وفق مصادر مطلعة تحدثت للوكالة.

في الظاهر، تقود السعودية خطة تنويع اقتصادي طموحة، رصدت لها تريليونات الدولارات لتقليل الاعتماد على النفط. لكن في الواقع، يتبين أن قدرًا هائلًا من تلك الأموال والصفقات يظل تحت سيطرة حلقة ضيقة مرتبطة مباشرة بولي العهد وشقيقه، ما يطرح تساؤلات جوهرية عن طبيعة الفساد وتركيز الثروة والسلطة في أيدي الأسرة الحاكمة.

شركة على مقاس ولي العهد

يقول مسؤولون ورجال أعمال تحدثوا لـ«بلومبيرغ» إن «ثروات» أصبحت تؤدي دورًا مشابهًا لدور صندوق الاستثمارات العامة، لكن على مستوى أكثر سرية. فهي، عمليًا، تُحدِّد من يدخل السوق السعودية وكيف، وأي الشركات تتولى العقود الكبرى، وأي استثمارات تحظى بالأولوية.

ولعل المثال الأوضح على هذا النفوذ ما حدث مع إحدى شركات الإنشاءات الكبرى، التي اضطرت إلى خفض أسعارها في مشروع نيوم بعد أن تدخلت جهة مدعومة من «ثروات» بعرض أقل، وهو ما وفر على الدولة مئات الملايين من الدولارات على الورق.

غير أن مثل هذه التدخلات تثير الريبة بشأن ما إذا كان الهدف هو حماية المال العام فعلًا، أم إعادة توجيه العقود والأموال إلى أطراف محددة ذات صلات وثيقة بالحاشية الحاكمة.

حتى الشركات الأجنبية العملاقة، التي تخطط لإطلاق مشاريع في المملكة، باتت مجبرة على المرور عبر تقييمات صارمة لدى «ثروات» قبل المضي قدمًا في استثماراتها.

وقد وصل الأمر، بحسب التقرير، إلى رفض لقاءات كانت مرتبة بين كبار رجال أعمال عالميين ومسؤولين سعوديين، إلا بشروط صارمة، مفادها أن «فقط القمة لها مقعد على الطاولة – ووفق شروط ثروات».

غياب أي رقابة أو مساءلة

كل هذه التحركات المالية والاستثمارية تتم دون أي شكل من أشكال الرقابة الشعبية أو البرلمانية. فلا برلمان منتخب يراجع العقود أو يُحاسب المسؤولين عن إهدار أو إساءة استخدام المال العام، ولا مؤسسات مجتمع مدني قادرة على مراقبة ما يجري خلف الكواليس.

في ظل هذه الظروف، يتحول مشروع رؤية 2030، بكل شعاراته، إلى غطاء لتكريس ثروات البلاد في أيدي نخبة محدودة، تحكم قبضتها على الاقتصاد والسياسة والإعلام.

فولي العهد الذي رفع شعار الشفافية ومحاربة الفساد، لم يجد غضاضة في وضع شقيقه غير المعروف جماهيريًا، على رأس شركة تتعامل بمليارات الدولارات.

والأخطر أن «ثروات» باتت كيانًا موازيًا لصندوق الاستثمارات العامة، ما يجعل الاقتصاد السعودي عمليًا رهينة قرارات عدد قليل من الأشخاص المرتبطين بالقصر الملكي.

نيوم… حلم باهظ وثغرة للفساد

يتزامن هذا النفوذ المتعاظم مع أزمات مالية تواجه مشاريع ابن سلمان الضخمة، وعلى رأسها مشروع «نيوم». فالمشروع، الذي أُعلن عنه لأول مرة في 2017 بتكلفة مبدئية 500 مليار دولار، يُرجَّح أن تتجاوز تكلفته النهائية 1.5 تريليون دولار.

في خضم هذه التكاليف الفلكية، تتحول كيانات مثل «ثروات» إلى قنوات خفية تُمرر عبرها العقود والمناقصات والصفقات، ما يفتح أبوابًا واسعة لاحتمالات الفساد والتربح الشخصي.

وحتى عندما تُحقق «وفورات» للدولة – مثل خفض أسعار عقود الإنشاءات – يظل السؤال مطروحًا: هل تُستخدم هذه الوفورات لتخفيف العبء عن المواطن السعودي، أم لإعادة توزيع الثروة داخل الدائرة الضيقة للنظام الحاكم؟

تشابه إماراتي – سعودي

ليست السعودية وحدها في هذه اللعبة. إذ يشير التقرير إلى كيانات شبيهة في الإمارات مثل «رويال غروب» التابعة لشيخ طحنون بن زايد، وغيرها من الشركات التي تحكمها العائلات الحاكمة.

لكن خصوصية الوضع السعودي أن محمد بن سلمان يقدّم نفسه للعالم كوجه التغيير والتحديث والانفتاح، بينما يُدار الاقتصاد في الحقيقة بأسلوب احتكاري يُعيد إنتاج الدولة الريعية التي يتحكم فيها قصر الحكم وحده.

تركي بن سلمان… وجه غير معروف لإمبراطورية المال

الأمير تركي بن سلمان، شقيق ولي العهد، لا يُعرف عنه الكثير إعلاميًا. إلا أنه يقف اليوم على رأس شبكة مالية ضخمة. كان في السابق يرأس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، لينتقل لاحقًا إلى قيادة «ثروات» منذ أكثر من عقد.

وتضم الشركة اليوم حوالي 100 موظف فقط، في حين يديرها عامر السلهام، وهو مسؤول سابق بهيئة السوق المالية. ويكفي أن يُقال إن أي صفقة – مهما كان حجمها أو مجالها – لا تُبرم نهائيًا إلا بموافقة شخصية من الأمير تركي بن سلمان.

السعودية رهينة حفنة من المسئولين

كل هذه الحقائق ترسم مشهدًا مقلقًا في السعودية. فهي دولة غنية للغاية، لكنها رهينة حفنة من الرجال يقررون وحدهم مصير ثروات شعب كامل.

ومع غياب أي مساءلة حقيقية، يتحول اقتصاد المملكة إلى ملعب خاص للعائلة الحاكمة، يُدار بمعزل عن مصالح المواطنين الذين يُفترض أنهم أصحاب الحق الأول في ثروات بلادهم.

ويؤكد مراقبون أن حديث محمد بن سلمان عن التنمية والانفتاح قد يُبهر الغرب، لكن الحقيقة أن ثروات السعودية باتت تحت قبضة عائلية محضة، تُدار بسرية كاملة، دون أن يكون للشعب أو أي برلمان منتخب حق السؤال: أين تذهب مئات المليارات؟.