يواجه تحالف آل سعود في الحرب الإجرامية على اليمن واقعا من التمزق غير المسبوق في ظل دعم الإمارات العلني لانقلاب الانفصاليين على عدن.
وقالت صحيفة لوموند الفرنسية إن اليمن الغارق منذ نحو خمسة أعوام في حرب أهلية مدمرة، انزلق مرة أخرى إلى الفوضى، مع استيلاء قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، على القصر الرئاسي في مدينة عدن الساحلية، وذلك بعد أربعة أيام من الاشتباكات العنيفة ضد قوات الحكومة المعترف بها دولياً.
وأضافت الصحيفة أنه، إذا كانت هذه السيطرة على عدن تعد رمزيه، بحكم وجود الرئيس عبد ربه منصور هادي في المملكة العربية السعودية، إلا أن هذا التطور الميداني الذي تشهده عدن يشكل نقطة تحول في المشهد السياسي اليميني، ويكشف عن تمزق التحالف الذي تقوده السعودية.
وذكّرت “ لوموند” أن اليمن الجنوبي كان دولة مستقلة حتى عام 1990، موضحة أن استياءً كبيراً لدى الجنوبين ضد مواطنيهم في الشمال، الذين يتهمونهم بفرض توحيد البلاد بالقوة. والآن، يضاف إلى هذا العداء بين الشمال والجنوب، الصراع داخل التحالف غير المتجانس الذي تم تشكيله منذ البداية للدفاع عن الحكومة اليمنية “ الشرعية” المعترف بها دولياً، والتي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة لها.
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن المواجهات الحالية في عدن، تعقد أكثر الوضع في اليمن، الذي قتل عشرات الآلاف من مواطنيه، غالبيتهم من المدنيين بسبب الحرب الأهلية وغارات قوات التحالف بقيادة آل سعود والإمارات.
وعليه تقول “لوموند”، بات اليمن يواجه الآن خطر “حرب أهلية داخل الحرب الأهلية” التي تعصف به منذ نحو خمسة أعوام، وتسبب في تشريد حوالي 3.3 مليون شخص، بينما يحتاج 24.1 مليون شخص – أي أكثر من ثلثي السكان – إلى المساعدة ، وفقًا للأمم المتحدة.
ومن شأن سيطرة الانفصاليين في جنوب اليمن على عدن مقر الحكومة اليمنية المؤقتة أن تضع السعودية في موقف صعب تكابد فيه للحفاظ على تماسك تحالف عسكري يقاتل الحوثيين المتحالفين مع إيران.
كما تهدد هذه السيطرة بتقسيم جنوب اليمن في وقت تسعى فيه الأمم المتحدة جاهدة لإحياء محادثات تهدف لإنهاء الحرب المستمرة منذ أربع سنوات ونصف السنة دفعت ملايين اليمنيين إلى شفا مجاعة.
وقد سيطر الانفصاليون، الذين يريدون الانفصال عن الشمال ويحظون بدعم الإمارات على عدن بشكل فعلي عندما استولوا على قواعد الجيش التابعة للحكومة أمس السبت بعدما اتهموا حزبا متحالفا مع الرئيس عبد ربه منصور هادي بالتواطؤ في هجوم صاروخي للحوثيين على قواتهم.
ورد التحالف الذي تقوده السعودية ويدعم حكومة اليمن اليوم الأحد، قائلا إنه هاجم أحد الأهداف بعد أن هدد بالتحرك ما لم توقف قوات الجنوب إطلاق النار.
والجانبان حليفان اسميا في إطار التحالف الذي يقاتل الحوثيين الذين طردوا حكومة هادي من العاصمة صنعاء في 2014. لكن أهدافهما متعارضة.
ويزيد هذا الوضع من صعوبة المهمة التي تهدف السعودية لتحقيقها وهي إضعاف قبضة الحوثيين على البلاد، إذ يسيطرون حاليا على العاصمة صنعاء وأغلب المراكز الحضرية.
وتدخّل التحالف السني المدعوم من الغرب في اليمن ضد الحوثيين في 2015. ويعتبر الصراع في اليمن على نطاق واسع حربا بالوكالة بين السعودية وإيران.
وليس للحوثيين مناطق نفوذ في الجنوب حيث سلحت الإمارات ودربت نحو 90 ألفا من القوات اليمنية التي جاءت من الأصل من الانفصاليين الجنوبيين ومقاتلين من السهول الساحلية.
لكن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يقود الانفصاليين، قد لا يحظى بالكثير من الدعم خارج عدن. وتهدد الخطوة التي اتخذها بتأجيج الاقتتال في الجنوب وتقوية شوكة جماعات متشددة مثل تنظيم القاعدة.
وأحيت الحرب توترات تعود إلى زمن بعيد بين الشمال والجنوب إذ شكل كل شطر دولة منفصلة ولم يتوحدا إلا في عام 1990.
هذه ليست الانتفاضة الأولى للانفصاليين. فقد سيطروا على عدن في يناير/ كانون الثاني من عام 2018. وساعدت الرياض وأبوظبي في إنهاء تلك الأزمة.
وطلبت الإمارات من مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث ممارسة ضغوط على الجانبين. وقالت الرياض إنها ستستضيف قمة طارئة لطرفي الأزمة لاستعادة النظام.
وقالت إليزابيث كيندال من جامعة أوكسفورد: “الاستعانة بجماعات مسلحة انفصالية من أنحاء الجنوب… كان دوما ضربا من اللعب بالنار. من المثير للدهشة أن تقول الإمارات إن مبعوث الأمم المتحدة الخاص هو الذي يتعين عليه حل المشكلة”.
ولم يتفكك التحالف لكنه تصدع. ويستبعد محللون أن تلزم الإمارات نفسها مجددا بإرسال قوات، لكنها ستدعم الرياض التي تعمل معها لاحتواء إيران.
وقالت الإمارات إنها خفضت وجودها في اليمن مع صمود الهدنة في ميناء الحديدة الرئيسي الذي صار محور الحرب العام الماضي عندما سعى التحالف للسيطرة عليه.
وقال دبلوماسيون إن تقليص مشاركة الإمارات يرجع إلى قبولها فكرة عدم إمكانية الحل العسكري هناك بعد الانتقادات الدولية للضربات الجوية التي شنها التحالف وأسفرت عن مقتل مدنيين، فضلا عن الأزمة الإنسانية في اليمن.
ومما منح قرار الإمارات حافزا إضافيا ضغوط الغرب لإنهاء الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف وصعّدت التوتر بين الولايات المتحدة وإيران لدرجة قد تنذر بحرب في الخليج.
وبعد شائعات كثيرة حول مصيره، بارك وزير الداخلية اليمني، نائب رئيس الحكومة أحمد الميسري، “بالنصر المبين” لدولة الإمارات في عدن.
ووجه الميسري كلمته إلى الجنود الذين “أبلوا بلاء حسنا” في عدن، في مواجهة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
وقال: “نقر بالهزيمة ونبارك للأشقاء في الإمارات العربية المتحدة النصر المبين علينا”، معتبرا أن ما حدث هو محاولة انقلابية للانقضاض على “ما تبقى من سيادة الدولة”.