بعد تقرب الإمارات من إيران بعد قرار أبو ظبي تقليص قواتها في اليمن بمثابة أكبر دليل على هشاشه تحالف آل سعود مع النظام الإماراتي.
وجاء الزحف الإماراتي نحو طهران بعد أن كشفت وسائل إعلام عربية وغربية مطلع يوليو, عن وجود خلافات نشبت بين المملكة والإمارات حول كيفية الرد على هجمات إيران التخريبية التي استهدفت ناقلات نفط في الخليج في يونيو الماضي.
ويتخذ النظام الحاكم في الإمارات مواقف متناقضة في الأزمة التي تشهدها منطقة الخليج العربي، في ظل تصاعد التوتر الأمريكي مع طهران، حيث بدأ مشاورات مع إيران بعيداً عن المملكة، حليفته الأبرز في حرب اليمن.
ورغم استمرار التوتر في الخليج فإن التحركات الإماراتية الأخيرة تثبت محاولة أبوظبي تجنب الدخول في صراع مباشر مع إيران، وهو ما تلخص فعلياً من خلال إعلانها نهاية يونيو الماضي سحب معظم قواتها الموجودة في اليمن، التي أرسلتها للمشاركة ضمن تحالف عسكري تقوده المملكة لقتال الحوثيين الموالين لطهران.
وخلال يوليو الجاري أيضاً أرسلت الإمارات وفداً أمنياً إلى طهران، لبحث قضايا التعاون الحدودي وتبادل “معلومات أمنية”، سبقها إرسال أبوظبي مندوبين إلى إيران للحديث حول السلام، في سابقة لم تحدث منذ بدء حرب اليمن.
وقد كشفت الحكومة الإيرانية عن وجود خلافات بين الإمارات والسعودية في اليمن، عقب اجتماعات عقدها مسؤولون إيرانيون مع وفد إماراتي يزور طهران، في وقت وجهت رسائل أخرى على السعودية والبحرين.
وقال محمود واعظي مدير مكتب الرئيس إن لدى الإمارات رغبة في التواصل بهدف حفظ أمن الخليج ومضيق هرمز, ولكنه أشار إلى أن أبو ظبي تحاول التمايز عن الرياض وتتخذ موقفا مختلفا بشأن اليمن.
وكشفت زيارة وفد الإمارات العسكري عن تحول واضح في بوصلة السياسة المعلنة تجاه جارتها على الضفة الأخرى من الخليج، وخصوصا بعض الملفات الساخنة مثل الملف اليمني وأمن مياه الخليج.
إن الإمارات وفي أول تعليق رسمي على زيارة وفدها تلك قالت إن الاجتماع “اقتصر حسب جدول الأعمال على ما يتصل بشؤون الصيادين المواطنين ووسائل الصيد المملوكة لهم”.
وقد أعرب المصدر المسؤول بالخارجية الإماراتية عن ارتياحه لنتائج الاجتماع، وأكد أنه “يأتي استكمالا للقاءات الدورية السابقة للجنة المشتركة بين البلدين والتي تم تشكيلها لبحث مسائل تجاوز الصيادين للحدود البحرية للبلدين وحل مسائل الإفراج عن المخالفين لقواعد الصيد ومكافحة عمليات التهريب، وهو ما يأتي في سياق حرص الإمارات على شؤون مواطنيها بمن فيهم الصيادون”.
من جهة أخرى، نقل التلفزيون الإيراني عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قوله اليوم إن بلاده مستعدة للحوار إذا كانت السعودية مستعدة.
وتصاعدت التوترات بين طهران والرياض اللتين تتنافسان على الهيمنة بالشرق الأوسط، منذ أن اتهمت الرياض إيران بتنفيذ هجمات ألحقت أضرارا بست ناقلات نفط بالخليج، وهو اتهام تنفيه طهران.
فقد قال المحلل السياسي اللبناني توفيق شومان إن الإمارات تعمل على فصل نفسها عن السياسة الإقليمية للمملكة بالمنطقة، مستدلا بموقفها الجديد في اليمن الذي وصفه بأنه “إعادة تموضع سياسي وليس ميدانيا فحسب”، بالإضافة إلى انسحابها من موانئ البحر الأحمر.
وأضاف أن أبو ظبي سعت لفتح قنوات اتصال مع طهران بهدف استمالتها وتوصيل رسالة مبطنة مفادها أنها لا ترغب في تحويل منطقة الخليج إلى منطقة اضطراب وتوتر.
أما الكاتب والمحلل السياسي جيري ماهر فأشار إلى تأكيد وزير الدولة للشؤون الخارجية بالإمارات أنور قرقاش أنه لا يمكن لأي طرف أن يفصم العلاقة الوطيدة بين السعودية والإمارات من بوابة اليمن أو إيران.
وعبّر ماهر عن قناعته بأن التحالف الإستراتيجي بين أبو ظبي والرياض له دور كبير في حماية أمن منطقة الخليج وشعوبها من الشرق إلى الغرب، مضيفا أن ذلك التحالف هو الذي حمى الدول العربية من المشروع الإيراني.
ونفى القول بأن الإمارات غيرت موقفها من إيران، معتبرا أن اللقاء العسكري الأخير الذي جمع وفدا إماراتيا بمسؤول إيراني هو لقاء اعتيادي يعقد كل عام، ولا يحمل أي وجه لوجود علاقة تحالف بين أبو ظبي وطهران.
وفيما يتعلق بالانعكاسات المحتملة على المنطقة؛ توقع مكي أن تقدم السعودية على تنازلات كبيرة في حربها باليمن، وتنازلات أكبر أمام إيران في أي تسوية مقبلة، مضيفا أنها ستضطر “مجبرة” لاتخاذ ذات الخطوات التي قامت بها أبوظبي في علاقتها مع إيران.
وبحسب الكاتب والأكاديمي العراقي لقاء مكي فإن الإمارات تخشى من القصف الإيراني، وترغب في الخروج من الأزمة الإستراتيجية بطريقة مريحة، موضحا أن عدم دخول المنطقة في حرب يعني وصول طهران وواشنطن لاتفاق تكسب فيه إيران على حساب العرب بالمنطقة.
وتحدث مكي عن العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية التي تربط أبو ظبي وطهران، وهو الأمر الذي يوطد العلاقات بينهما ويدفع أبو ظبي إلى فك ارتباطها بالشراكة الإستراتيجية مع السعودية.
وأكد أن الإمارات تحاول اللعب على الحبلين بحيث لا تخسر السعودية بسبب موقفها الجديد مع إيران، موضحا أن جهات “غير رسمية” إماراتية هي التي تسعى لامتصاص الغضب السعودي بادعاء وجود علاقة ممتازة مع الرياض.
وبحسب مكي؛ فإن السعودية والإمارات خسرتا دولا كثيرة بالمنطقة مثل اليمن والشام والعراق، وهو الأمر الذي يضعف موقفهما أمام إيران التي تحيط بهما من كل جانب، معتبرا أنهما لم تعودا تملكان أدوات كثيرة لربح أي حرب مع طهران.
ولا تذيع أبوظبي علاقاتها مع إيران، لكن على المستوى الاقتصادي تشير الأرقام إلى أن التزام الإمارات الصمت في الآونة الأخيرة تجاه التمادي الإيراني، بسبب العلاقات الاقتصادية بين البلدين والتي تعود إلى فترة استقلال دولة الإمارات عام 1971.
ومع مطلع العقد الجديد شهد التبادل التجاري بين إيران والإمارات ازدهاراً كبيراً ووصل حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار عام 2010، ليسجّل أعلى معدل له خلال هذا العقد في العام 2011 ويتجاوز الـ23 مليار دولار.
وخلال العام الفائت بلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران والإمارات 16.83 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 20 مارس 2018، بارتفاع بلغ 21.18% مقارنة بالعام السابق، وفقاً لإحصائيات إدارة الجمارك الإيرانية.
ووفق تقديرات صادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية، يعيش في الإمارات من 400 إلى 500 ألف إيراني، نسبة كبيرة منهم من التجار ورجال الأعمال، في حين نقلت وكالة أنباء فارس عن إحصاءات صادرة عن دائرة الأحوال الإيرانية أن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات يبلغ 800 ألف نسمة.