مضت ثلاثة أعوام على تولى محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة، تغيرت خلالها الأحوال “رأسا على عقب” وباتت دولة صاحبت سجل جرائم وانتهاكات حقوقية، ومملكة نفطية “مديونة” بمليارات الدولارات.
وتولى بن سلمان، ولاية العهد، في 18 مايو/ أيار 2017م، والآن أتم ثلاثة أعوام، سيطر خلالها على المناصب السيادية في المملكة وأنشأ أجهزة أمنية خاصة لقمع الحريات والمعارضين.
وبرز اسم “الدب الداشر” – حسب وصف أحد المعارضين السعوديين – منذ توليه منصب وزيرا للدفاع، 2015م، حتى تولى ولاية العهد، وشرع عقب توليه منصبه الأخير بحملة اعتقالات واسعة شملت أكثر من 300 شخصية من العائلة المالكة ورجال الأعمال واحتجزهم في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض، 2017م، تحت ذريعة مكافحة الفساد.
وسبق أن أعلن “بن سلمان” في 2016م لاحقا رؤيته للملكة (2030)، والتي تواجه صعوبات وتحديات جسيمة، فمدينة “نيوم” الذكية وحدها تحتاج 500 مليار دولار، ومن المقرّر أن تقام في شمال غرب البلاد لتطلّ على البحر الأحمر، وستضم سيارات تاكسي طائرة ورجالاً آليين، بحسب السلطات السعودية.
كما احتجت قبيلة الحويطات السعودية على مشروع مدينة “نيوم” الضخم الذي سيقام على أراضيهم، وأعلنوا رفضهم للعروض المالية التي تقدمها السلطات إليهم، مؤكدين تمسكهم بأرض أجدادهم.
لكن خبراء ألمانيون، يتوقعون انهيار، “رؤية 2030″، ومن هذه الأسباب: فيروس “كورونا” والانهيار التاريخي لأسعار النفط والحرب في اليمن والاحتقان داخل الأسرة الحاكمة، والصراع مع إيران، وقالوا إنها “تهدد بتبخر هذه الأحلام في سراب الصحراء”.
وفي أكتوبر/ تشرين أول 2018م، هزت جريمة قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل سفارة بلاده بمدينة إسطنبول التركية، الرأي الدولي، ورجحت تقارير صادرة عن المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أن قتل خاشقجي جاء بأوامر من بن سلمان.
وتزامن اغتيال خاشقجي مع حروب ضروس في اليمن، تقودها السعودية والإمارات، ولم تسفر سوى عن أكبر كارثة إنسانية في العالم، وإتمام صفقات عسكرية – أميركية بالمليارات.
وتقدر تكلفة حرب اليمن وحدها على السعودية بحوالي 100 مليار دولار، مما أدى إلى نزيف مالي للمملكة بمعدل 5-6 مليارات دولار شهريًا، في حين يقدر إجمالي تكلفة الصراع أكثر من 200 مليار دولار.
وينتشر الخراب والدمار في “اليمن السعيد”، وتفتك الأمراض والأوبئة سكانه.
ومنذ مطلع عام 2020 يواجه الاقتصاد السعودي أزمة مزدوجة تتمثل في تفشي فيروس كورونا بالتزامن مع هبوط حاد في أسعار النفط.
وهددت الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خضم الحرب بين المملكة وروسيا بقطع الدعم العسكري الأميركي عن السعودية إذا لم تتوقف عن إغراق الأسواق، وذلك في مكالمة أجراها مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2 أبريل/نيسان الماضي.
وقررت وزرارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في وقت سابق من مايو/ أيار الحالي، سحب بطاريات باتريوت ومقاتلات وجنود من الأراضي السعودية، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” التي قالت إن واشنطن تدرس أيضا تخفيض تواجدها البحري في منطقة الخليج.
ودفعت الأزمة الاقتصادية للملكة وزارة المالية السعودية إلى الإعلان عن تجميد عدد من المشاريع الكبرى الخاصة بالتنمية، علاوة عن قرار إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءا من شهر يونيو/حزيران المقبل ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من شهر يوليو/تموز لعام 2020، عدا عن السماح بتخفيض رواتب آلاف الموظفين في القطاع الخاص إلى 40% مع إمكانية إنهاء عقود الموظفين.
وكشفت أرقام وبيانات جديدة نشرها البنك الدولي مؤخراً عن ارتفاع صاروخي في المديونية السعودية خلال السنوات الأخيرة، وذلك بالتزامن مع إعلان وزير المالية محمد الجدعان أن حكومته ستقترض 220 مليار ريال (58 مليار دولار) خلال العام الحالي، وهو ما يعني أن المديونية العامة للمملكة تتجه لتسجيل أرقام قياسية غير مسبوقة.
وبالأرقام، استنزف البنك المركزي السعودي في مارس/آذار الماضي صافي أصوله الأجنبية بمعدل لم يحدث منذ عام 2000.
ففي هذا الشهر وحده، انخفض احتياطي المملكة من العملات الأجنبية بما يفوق 100 مليار ريال سعودي (27 مليار دولار)، أي ما يعادل 5% مقارنة بشهر فبراير/شباط.
وخالفت الأسهم السعودية الاتجاه الصعودي لمعظم بورصات الخليج خلال جلسة تداول، مؤخرا، بعدما كشفت مصادر عن أن شركة (أرامكو) السعودية على وشك إتمام قرض بقيمة عشرة مليارات دولار.
وقالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، إن أحلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في عام 2020، قضي عليها بفعل الانفجار المفاجئ لفيروس كورونا.
ويتداول نشطاء سعوديون في المملكة مقطع فيديو من مقابلة مع ولي العهد محمد بن سلمان أجريت عام 2016 إبان إطلاق “رؤية 2030″ يقول فيها إنه بحلول عام 2020 ستكون السعودية قادرة على العيش بدون نفط.
ورغم الأزمة المالية الحادة، يذهب ولى العهد محمد بن سلمان بـ”مليارات المملكة” ليقدمها على “طبق من ذهب” للإدارة الأميركية.
وأفادت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بأن شركة بوينغ الأميركية ستزود المملكة بأكثر من ألف صاروخ بواقع 650 صاروخا من طراز (SLAM ER) – صواريخ جوية، و402 من طراز (Harpoon) المضادة للسفن.
وبحسب البيان الصادر عن (البنتاغون) فإن نظام آل سعود وقع عقدا مع الشركة بـ1.971 مليار دولار لتطوير ونقل 650 صاروخا (SLAM ER) إلى المملكة، ومن المتوقع أن تتم الصفقة حتى ديسمبر عام 2028.
وحقوقيا، لا زالت المملكة تعتقل عشرات المعتقلين السياسيين والدعاة والأئمة في سجونها، دون محاكمات عادلة.
وأقدمت الأجهزة الأمنية خلال مارس/ آذار المنصرم، على اعتقال 674 موظف دولة، وأمرت باحتجاز 298 منهم بسبب ما قالت إنها تهم فساد مالي وإداري.
وفي الشهر ذاته، اعتقلت ذات الأجهزة ثلاثة أمراء كبار منهم الأمير الأمير فيصل بن عبد الله والأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، إلى جانب ولي العهد السابق ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، الذي عزله الملك سلمان ومحمد بن سلمان في حزيران/يونيو 2017، وبعد ذلك وُضِع تحت الإقامة الجبرية الطويلة، و ومحمد بن نايف بن عبد العزيز
ووثقت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان اعتقال السلطات الأمنية 87 امرأة منذ ولاية سلمان وابنه حكم المملكة (2015-2020).
ولا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها ضد ناشطي حقوق الإنسان، لكنها الأكثر قسوة من بينهم والأوسع نطاقا، حيث كانت هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها السلطات الناشطات استهدافا جماعيا.
وتوفيت المعتقلة حنان الذبياني داخل سجن “ذهبان” في 10 أكتوبر 2016م، الأمر الذى قوبل بتنديد حقوقي دولي واسع ومطالبات بالإفراج عن معتقلات الرأي.
وتكشف المملكة بانتهاكاتها الممنهجة لحقوق الإنسان عن الوجه الحقيقي للنظام الحاكم فيها الذي يلاحق من يعبر عن آرائه ومواقفه المخالفة بل حتى الصامتين.
وعربيا، لا زالت المملكة تدعم “الثورات المضادة” والأنظمة القمعية وتروج للتطبيع مع (إسرائيل)، بتوجيهات ولى العهد.
ومنذ تولي بن سلمان أصبح التطبيع يستند إلى خطط سياسية وإعلامية مدروسة، وقطعت الرياض شوطاً كبيراً في تهيئة الأجواء العربية للتعايش مع مرحلة جديدة عنوانها الأبرز سيكون “التطبيع الكامل مع إسرائيل”.
ولعل بداية مؤشرات التطبيع انطلقت في يونيو 2017، عندما أُطلق وسم “سعوديون مع التطبيع”، بعد أيام من زيارة قام بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للرياض في 21 مايو من نفس العام.
وقبل وصول ترامب إلى الرياض جرى الحديث عن بعد في الزيارة يتعلق بمفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لا سيما أن محطته الثانية كانت فلسطين المحتلة، من أجل لقاء رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وذهبت بعض الأصوات السعودية للمناداة بضرورة أن تبادر البلدان العربية بخطوات تطبيعية تجاه إسرائيل من أجل كسب ود الإدارة الأمريكية.
ولعل آخر مؤشرات التطبيع تمت إعلاميا في 26 يناير 2020، مع إعلان إسرائيل السماح لمواطنيها بزيارة السعودية، لأول مرة في التاريخ.
ولم تنفِ السعودية أو تصدر تصريحات على تلك التقارير، وعلى الرغم من أنه رسمياً لا توجد علاقات دبلوماسية بين السعودية و(إسرائيل) فإن السنوات الأخيرة شهدت تقارباً كبيراً بينهما، وزادت العلاقات بشكل أكبر.