تواجه الحكومة السعودية صعوبة في تحمل تكاليف مشاريعها الضخمة وتتجه نحو تقليصها في وقت يتساءل مراقبون إن كان ذلك يمثل إقرارا صريحا بفشل رؤية 2030 التي روج لها طويلا ولي العهد محمد بن سلمان.
وأوردت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أنه رغم سمعة السعودية بقدرتها المالية، إلا أن المملكة لا تستطيع تحمل قائمة المشاريع الضخمة المرتبطة برؤية 2030، خطة ولي محمد بن سلمان لإعادة توجيه الاقتصاد بعيداً عن النفط.
ولم يقدم مجلس إدارة نيوم سبباً واضحاً لاستبدال الرئيس التنفيذي نظمي النصر فجأة خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكن موظفين سابقين قالوا إن النصر كان يتصادم كثيراً مع صندوق الاستثمارات العامة بشأن تضخم الميزانيات. وقد تم إنفاق مليارات الدولارات في تجهيز الرمال الصحراوية للمشروع الضخم البعيد.
وقد انتقد بعض العاملين في نيوم إهدار الأموال على أعمال تمهيدية غير ضرورية.
في مشروع “ذا لاين” — سلسلة من ناطحات السحاب الأفقية تمتد لمسافة أطول من المسافة بين نيويورك وفيلادلفيا — قام المقاولون بحفر 60 ميلًا من الرمال، رغم أن المرحلة الأولى من المشروع كانت تهدف فقط إلى بناء امتداد بطول 10 أميال، تم تقليصه لاحقاً إلى 1.5 ميل.
ونيوم ليست وحدها. مشاريع أخرى في المملكة تواجه ديناميكية مشابهة، حيث يتعين على البناءين تلبية احتياجات تمويلية ضخمة مع الانتقال من الأعمال منخفضة التكلفة إلى بناء الجزء الأكبر من المشاريع.
أعلن ولي العهد عن رؤية 2030 في عام 2016 بهدف إعادة تشكيل الاقتصاد السعودي في 14 عامًا. تم ضخ الأموال في مبادرات تهدف لجعل المملكة رائدة عالميًا في الرياضة، وإنتاج الألعاب الإلكترونية، وتصنيع السيارات الكهربائية.
وقد دفعت المملكة العمال إلى القطاع الخاص الذي يمثل 45% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، مقارنة بـ 40% في 2016.
وتصدرت المشاريع العقارية الضخمة الخطة، وكانت نيوم أكبر جزء فيها، حيث تعهد المسؤولون بإنشاء مدينة رأسية خالية من السيارات في الصحراء تضم مليون شخص بحلول عام 2030، وتستهدف تعداداً سكانياً يبلغ 9 ملايين لاحقاً. التكلفة الأصلية كانت تقدر بـ 500 مليار دولار، لكن مسؤولين سابقين قالوا إنها ستصل إلى تريليونات الدولارات.
في أماكن أخرى، يجري العمل على منطقة ترفيهية ضخمة قرب الرياض، تضم مدن ملاهي، وأكبر مدينة مائية في المنطقة، وأطول أفعوانية في العالم. وهناك مشروع تطوير ضخم في الرياض يحتوي على مكعب عملاق بارتفاع ربع ميل، بالإضافة إلى أكثر من 30 مليار دولار لبناء 50 منتجعاً على البحر الأحمر.
قائمة الإنفاق نمت، وفي الأشهر الـ 12 الماضية، أعلنت السعودية عن مبادرة بـ 100 مليار دولار للإلكترونيات المتقدمة، واستثمارات في الذكاء الاصطناعي، وتعهدت ببناء 11 ملعباً حديثاً لاستضافة كأس العالم، بما في ذلك ملعب على قمة ناطحة سحاب في نيوم.
وتقدر تكلفة جميع هذه الخطط بتريليونات الدولارات إذا بُنيت بالكامل، وهو ما يفوق بكثير موارد صندوق الثروة السيادي للبلاد البالغ تريليون دولار، والذي يتضمن استثمارات يصعب بيعها.
ورغم أن المملكة لديها إيرادات كافية لتغطية الخدمات اليومية وتحافظ على مستويات ديون معتدلة، إلا أن أسعار النفط خلقت فجوة كبيرة في قدرتها على توليد النقد.
إذ تشكل مبيعات النفط نصف ميزانية السعودية، وتبلغ أسعار خام برنت 72 دولارًا للبرميل، وهو أقل بكثير من 96 دولارًا للبرميل التي تتوقعها صندوق النقد الدولي لتوازن الميزانية.
قال المسؤولون السعوديون إن القطاع الخاص سيتحمل تكاليف التحول. لكن الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ فقط 26 مليار دولار العام الماضي، ويظهر علامات محدودة على الوصول إلى هدف المملكة لعام 2030 المتمثل في 100 مليار دولار سنويًا.
ويشير المستثمرون إلى تعقيد المشاريع مثل نيوم، ويخشون من الهياكل القانونية في المملكة، رغم أن الحكومة قامت بتغييرها مؤخرًا لجذب المستثمرين الغربيين.
ولا تزال المملكة تمتلك أكثر من 400 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية لدعم الريال السعودي، لكنها انخفضت في السنوات الأخيرة وتراجعت بنسبة تزيد عن 7% بين أغسطس وأكتوبر.
أشارت كارين يونغ، زميلة بارزة في معهد الشرق الأوسط، إلى أن هناك إدراكاً في الحكومة السعودية بأن القائمة الشاملة للمشاريع المعلنة لن تُبنى بالكامل. وأوضحت أن المسؤولين السعوديين كانوا واضحين منذ البداية بأن نجاح المشروع سيكون في إتمام نصف ما خطط له.
قال وزير المالية محمد الجدعان في مقابلة هذا العام إن الحكومة درست جميع مقترحاتها ووجدت “فجوة” حيث تفوق الطلبات على التمويل المتاح. ومنذ ذلك الحين، أُلغيت مشاريع غير معلنة وتم تقليص أخرى.
لكن السلطات لم تكشف بعد عن العديد من التخفيضات بشكل علني. وقال صندوق النقد الدولي إن إجراء هذه التغييرات علنياً “سيكون مهمًا لتوضيح أولويات الحكومة للمستثمرين والجمهور”.