تبرز فعاليات فنية ووثائقية متعددة استمرار واقع انتهاكات حقوق المرأة في المملكة رغم الإصلاحات التي يحاول نظام آل سعود الترويج لها.
وسيعرض فيلم “الهروب من السعودية” في افتتاح الدورة السبعون من مهرجان برلين السينمائي الدولي اليوم لخميس، حيث تتجه معها أنظار محبي ومتابعي السينما العالمية إلى العاصمة الألمانية التي تشهد خلال فترة المهرجان عروضا صحفية وجماهيرية لعشرات الأفلام الجديدة، في واحد من أكثر المهرجانات عراقة وحضورا جماهيريا على مستوى العالم.
أول الأفلام العربية المشاركة هو فيلم “هروب سعودي” (Saudi Runaway) من إخراج الألمانية سوزانا ريجينا ماورز، ولكن يمكن اعتباره فيلما عربيا، أولا لموضوعه وثانيا لطريقة تصويره، فالفيلم يتتبع يوميات فتاة سعودية تحاول الهرب من المملكة السعودية قبل أيام من زواجها دون رضاها، وتسجل هذه الفتاة يومياتها بكاميرتها الخاصة، فنشاهد الحياة معها تحت الحصار ومن وراء حجاب.
الفيلم يأتي ليثير الجدل عن الحقوق والحريات الخاصة بالنساء في المملكة، خاصة بعد تكرر حوادث الهروب خلال العام الماضي، ويُعرض الفيلم في قسم بانوراما، وهو القسم الأهم في المهرجان مباشرة عقب المسابقة الرسمية.
في هذه الأثناء سلط برنامج “بكسر التاء” الوثائقي الضوء على قصص واقعية لنساء خرجن من المملكة وقررن عدم العودة إليها إلى أن يتحقق “حلم السعودية” الذي يراود أذهانهن ويسعين إليه بالنضال المتواصل.
وروت الناشطة سحر الفيفي أنها ولدت وتربت في المملكة إلا أنها هاجرت إلى بريطانيا وانقطعت عن الأهل والأصدقاء، وهي تعتبر أن العودة إلى المملكة أمر مستحيل إلا عندما تكون حرة أبية ينتشر فيها العدل والمساواة بين الجميع.
واسترسلت بأن سلطات آل سعود تخشى أن يحصل الشعب على حقه في تقرير مصيره من خلال مجالس منتخبة وبرلمانات وتمثيلات شعبية تتبع فصلا في السلطات بدل تكتل كل السلطات في يد ولي العهد محمد بن سلمان.
واعتبرت الفيفي أن المرأة تستغل من أجل تجميل الصورة القبيحة للمملكة لدى الغرب، كما أن فتح السينما و”حانات حلال” ليس إصلاحا بل هي أمور سطحية تخدر الشعب فقط، بل كان من الأجدر إعطاء الشعب حقوقه المدنية والسياسية، ولكنهم يخشون ذلك تخوفا من المحاسبة، وكذلك استحداث آليات تمنع المتسلط من استغلال سلطته.
من جهتها تحكي حصة الماضي قصة خروجها من السعودية، فبعد مشاركتها في المطالبة بحقوق الإنسان من خلال صفحتها على فيسبوك للدفاع عن المعتقلين وصلتها العديد من التهديدات وتم اختراق حساباتها، إلى أن وصلها تهديد قالوا إنه الأخير، فتوقفت لفترة عن الكتابة حتى تستطيع الاستمرار مرة أخرى.
وقالت الماضي إنه لا أحد يتمنى العودة إلى “السجن الكبير” رغم ما يروج له من إصلاحات هي ظاهرية فقط، فبعد السماح للمرأة السعودية بالقيادة تم اعتقال الناشطات اللواتي طالبن بذلك، كما أن كل التغييرات تركز على الترفيه لإلهاء الشباب عن حقوقهم السياسية.
أما هناء الخمري فخرجت من المملكة ونشرت مقالات في صحف أوروبية، فتم تهديدها بشكل مباشر وأخبروها أنهم يتابعون أعمالها، وأشارت إلى أن النظام يخاف من النساء لأنه يعلم أن تحرر المرأة يعني تحرر مجتمع بأكمله.
وقالت إنه لا يمكن وصف تلك التغييرات بإصلاحات لكونها لا تمس الجانب السياسي في البلاد، مضيفة أنه من المضحك اعتبار الترفيه جزءا من عملية الإصلاح، وكذلك توظيف النظام بعض النساء للترويج لوجهه الناعم.
أما المدونة أميمة النجار فأوضحت أن التضامن مع الحركة النسوية ونشرها بعض التدوينات المتعلقة بالسلطة الدينية كانا سببا في حظر مدونتها، مشددة على أن الحراك الحاصل في السعودية ناتج عن حراك نسوي استمر لعقود، ولم يتم حصول بعض التغيرات إلا بعد مجهودات متواصلة للمرأة السعودية.
ويسعى نظم آل سعود إلى تبييض صورته الملطخة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عبر ادعاء إصلاحات شكلية لوضع المراة وحقوقها في المملكة.
إذ صدر مؤخراً مرسوم ملكي سُمح بموجبه للنساء البالغات من العمر 21 عاماً وما فوق بتقديم طلبات للحصول على جوازات سفر والسفر خارج السعودية بدون الحاجة إلى ولي.
جاءت هذه الخطوة بعد عام تقريباً على السماح للنساء بقيادة السيارة في السعودية. في خطوة ثانية ولو متأخرة كثيراً، نحو السعي لتكريس بعض من حقوق النساء في السعودية،
لا يمكننا سوى النظر إلى خلفياتها وأوجه القصور المحيطة بها، والتي لا تزال تحول دون تحقيق كامل للمساواة، وتالياً، الاحتفاء به كإنجاز.
في حيثيات القرار، فإنه لا يزال قاصراً عن منح النساء الحق بالشعور بالحرية الشخصية والكرامة الإنسانية.
تماماً كما في موضوع إقرار حق النساء بقيادة السيارة. لا يزال موضوع سفر النساء خاضعاً لمفهوم ولاية الرجال على النساء، حتى بعد إقراره،
إذ يمكن، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية، أن يمنع الرجل سفر بناته أو زوجته إذا تقدم للمحكمة بسبب يبرر هذا المنع، من مثل الخشية عليهن.
الإصلاح شكلي إذاً، ولم يتطرق إلى الأسباب الهيكلية وتلك الجذرية التي تميّز بحق النساء وتضعهن في مراتب ودرجات مواطنة ثانية، أو حتى في مصاف “الأطفال” الذين يحتاجون إلى هذا النوع من الوصاية والولاية.
ولتأكيد شكلية القرار، فإنه لوجستياً، بحسب “هيومن رايتس ووتش”، لا تزال المواقع الإلكترونية الرسمية مثل موقع “أبشر” مثلاً، غير محدّثة، ولم يصبح بإمكان النساء بعد التقدم بتجديد طلبات الحصول على جوازات سفر عبرها. وفي قراءة لخلفية هذا القرار، وإلحاقه بنظرائه من قرارات منح الحق بقيادة السيارة، أو بقانون مكافحة التحرش الجنسي، وربطاً بكون الناشطات السعوديات اللواتي ناضلن لانتزاع هذه الحقوق لا يزلن خلف القضبان، فإنه من المشروع التساؤل ما إذا كانت السعودية مُكملة في سياق استغلال قضايا وحقوق النساء كورقة مساومة أو كسياسة تأمين في سياق مصالحها مع حلفائها في الغرب، لا سيما حيال أنظار الرأي العام العالمي التي باتت تتجه نحو المملكة بعد هروب العديد من النساء والشابات، وبسبب الممارسات القمعية في سجن وتعذيب النساء اللواتي نشطن أو كم الأفواه وحتى ارتكاب المجازر بحق كل من يخالفونها الرأي.