أتمّ الرئيس عبدربه منصور هادي عامه الثامن على هرم السلطة في اليمن في وقت يجمع مراقبون أنه تحول إلى رئيس ظل في اليمن بفعل مؤامرات نظام آل سعود.
ومع مطلع عام تاسع، يقف الرجل، الذي تشهد بلاده حرباً دامية منذ سنوات، كحالة فريدة في تاريخ قادة دول العالم، بعد أن تجاوزت فترة حكمه في المنفى، تلك التي مارس فيها مهامه من داخل قصر رئاسي على أراض يمنية.
ففي 21 فبراير/شباط 2012، تقلّد هادي رئاسة اليمن خلفاً للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بعد انتخابات رئاسية صورية كانت أشبه بالاستفتاء لم ينافسه فيها أحد.
ووعد بأنه سيسلم السلطة لرئيس جديد بعد عامين، هي فترة انتقالية حددتها المبادرة الخليجية. لكن الرئيس الثاني للجمهورية اليمنية، يستميت اليوم من أجل البقاء في سدة حكم بلاد تمزقها الحرب وتتشرذم إلى دويلات تديرها جماعات وفصائل مسلحة.
ويقدّم هادي مسألة استمراره في رئاسة اليمن كشرط جوهري للدخول في أي مفاوضات سياسية ترعاها الأمم المتحدة، ويتمسك بأنه الرئيس الشرعي بموجب القرار الأممي 2216، الذي أعلن دعمه للحكومة الشرعية في مواجهة الانقلاب الحوثي.
وكان هادي هدفاً لعدد من الأصوات السياسية ونشطاء المجتمع المدني، الذين يقولون إن طريقة إدارته للحكم كانت السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع في اليمن منذ الانقلاب الحوثي على السلطة أواخر عام 2014 وحتى الآن، وأنه فَقَد شرعيته وبات مجرد واجهة لتدخل نظام آل سعود.
ويُتهم هادي، الذي أفلت من إقامة جبرية فرضها الحوثيون عليه في صنعاء، في فبراير 2015، بأنه غائب عن المشهد، في واحدة من أصعب مراحل اليمن. فيما يقول ناشطون إن السعودية التي يقيم فيها منذ 5 سنوات، هي من قامت بتحييده من أجل التحكّم في البلاد، سياسياً واقتصادياً، كما تفعل منذ انطلاق عمليتها “عاصفة الحزم” قبل نحو 5 سنوات.
وبعد مرور 8 سنوات على حكمه، لم يمارس هادي مهامه من داخل القصر الجمهوري في صنعاء سوى 3 سنوات، وشهر واحد من عدن بعد إفلاته من الإقامة الجبرية الحوثية، فيما أتم 5 سنوات في منفاه في العاصمة السعودية الرياض، حيث يستقبل الوفود الغربية والسفراء في مقر إقامته المؤقت.
ويذهب مراقبون يمنيون، إلى أن فترة حكم هادي تكشف بشكل مباشر عن واحدة من أسوأ مراحل اليمن. ويقولون إنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً سوى رعاية مصالحه هو وأفراد أسرته ومجموعة المنتفعين به.
وعلى مدار 5 سنوات من “عاصفة الحزم”، لم ينجح نظام آل سعود في استعادة الشرعية وإعادتها إلى صنعاء الخاضعة للحوثيين، بل إن العاصمة المؤقتة عدن باتت على ما يبدو بعيدة المنال هي الأخرى على هادي، بعد أن أصبح “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم من الإمارات يتحكم في كل مفاصلها العسكرية والأمنية.
وتؤكد مصادر محلية أن السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، هو المتحكّم الفعلي في القرارات السيادية، وهو من يرسم السياسة الخارجية للبلاد.
وإضافة إلى فرض رئيس الحكومة الحالي معين عبدالملك، يمتلك آل جابر حصة داخل الحكومة أكثر من الأحزاب اليمنية، إذ عجز الرئيس اليمني عن الإطاحة بوزير الإعلام معمر الإرياني، المقرب من السفير السعودي، على الرغم من إخفاق الإعلام الرسمي اليمني خلال فترة عهده في قيادة دفة المعركة ومجابهة الآلة الإعلامية الحوثية.
وقالت مصادر يمنية إن كل البيانات التي تصدر باسم الخارجية اليمنية، أو مصدر مسؤول في الحكومة، تأتي عبر مكتب السفير آل جابر، وكافة المواقف الحادة للشرعية، التي هاجمت الإمارات في أعقاب أحداث أغسطس/آب الماضي في مدينة عدن، كانت بضوء أخضر من آل جابر، الذي طالب الحكومة بعدها بالتوقف عن وصف ما جرى في عدن بأنه “انقلاب” والحديث عن “أزمة” فقط.
وأكدت المصادر أن آل جابر هو من هندس اتفاق الرياض، الموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لإنهاء انقلاب عدن، بالتشاور مع نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، وتم إخطار هادي به بعد الانتهاء من كافة التفاصيل. كما أنه من وقّع اتفاق استوكهولم مع الحوثيين بشأن الحديدة وتبادل الأسرى.
ويقود السفير آل جابر المفاوضات التي ترعاها “القناة الخلفية” مع الحوثيين في مسقط. ووفقاً للمصادر، فإن السعودية تباحثت مع الحوثيين على تشكيل حكومة شاملة يشاركون فيها، من دون علم حكومة هادي. وبعد خروج القوات الإماراتية من عدن، توسع نفوذ آل جابر إلى كافة المدن الجنوبية التي بات يتحكّم فيها. كما وقف خلف الهجوم السعودي الأخير على قبائل المهرة وسيطرته على منافذها قبالة الحدود العمانية.
وتم إطلاق توجيهات على لسان هادي بضرب قبائل المهرة، نشرها الوزير المقرب منه معمر الإرياني، لكنها لم ترد في وكالة “سبأ” الرسمية أو موقع الجيش الوطني اليمني.
وكان زعم نظام آل سعود أن حربه العدوانية على اليمن تستهدف دعم الشرعية في البلاد في مواجهة انقلاب جماعة أنصار الله “الحوثيين”.
غير أن تطورات الأمور على الأرض منذ بدء حرب تحالف آل سعود وحتى اليوم تثبت عكس هذه المزاعم وتظهر بوضوح حدة التقليص في صلاحيات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ومنذ فراره إلى العاصمة الرياض ومكوثه فيها منذ 25 مارس/آذار 2015 إلى اليوم، فإن نظام آل سعود يدير فعليا أمور اليمن ويتحكم بقرار الشرعية في البلاد.
ويبقي الرئيس اليمني مقيم خارج بلاده وممنوع من العودة إليها إلا بإذن من نظام آل سعود الذي أجبره مؤخرا على توقيع “اتفاق الرياض” الذي أعاد “الجماعة الانقلابية” بحسب ما كان هادي يُطلق عليها، وهي الممثلة بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتياً، وأدخلها في سياق “الشرعية”.
والاتفاق الذي يتضح من خلاله، ولو على نحو ظاهري، بأنّ جميع القوات العسكرية المنتشرة في الجنوب ستكون تحت إمرة المملكة أيّ أنها ستنتقل من يد قوات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إلى يد قوات محمد بن سلمان.
بالتالي فإنه لا مكان لسلطة هادي في اليمن أو على الأقل، تقلّصت بقدر إضافي عمّا كانت عليه قبل التوقيع على الاتفاق بأوامر من بن سلمان.
إضافة إلى ذلك، لقد أتت جماعة “المجلس الانتقالي” لتكون شريكة في كل شيء من الآن وصاعداً، وعلى وجه الخصوص في أي مسألة تفاوض مقبلة حول مستقبل اليمن بكامل أقاليمه، بما في ذلك مفاوضات سلام منتظرة مع جماعة “أنصار الله”.
فاتفاق الرياض ينصّ على “تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراً يعيّن الرئيس (أي هادي) أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية (بما في ذلك المجلس الانتقالي) على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية”. وحتى تعيين محافظ عدن، أي العاصمة المؤقتة، لا يمكن لهادي القيام به من دون مسألة “التشاور”.
ويقول مراقبون إن هادي لا يحكم اليمن وهو مسيّر لا مخيّر، فهو غير قادر على اتخاذ اَي قرار بمفرده وبمعزل عن تحالف آل سعود.