تتطابق تقارير المؤسسات الحقوقية الدولية على إدانة ما يرتكبه نظام آل سعود من جرائم حرب مروعة بحق المدنيين في اليمن ضمن الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية إن النزاع المسلح والأزمة الإنسانية في اليمن تتسبب بمعاناة لا توصف للملايين من المدنيين رغم تزايد الاهتمام العالمي بالانتهاكات التي تشهدها البلاد.
وفي تقريرها السنوي، حملت المنظمة الدولية تحالف آل سعود وجماعة الحوثي المسلحة الذين يتقاتلان منذ مارس/آذار 2015 مسؤولية انتهاكات قوانين الحرب وحقوق الإنسان.
وجاء في التقرير أن الحرب في اليمن تسببت بمقتل وإصابة آلاف المدنيين، فيما أن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد سلطات آل سعود في أواخر 2018، دفع المجتمع الدولي إلى التدقيق في انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان في اليمن وتواطؤها المحتمل فيها عبر مبيعات الأسلحة.
وأشار التقرير إلى أن “أطراف النزاع في اليمن مسؤولة عن مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني. من المحتمل أن تصل بعض هذه الانتهاكات إلى مستوى جرائم حرب”، وهو ما خلُص تقرير أممي صادر في أيلول/أيلول 2019، وفقا لمنظمة رايتس ووتش.
ونقل التقرير عن سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش قولها “ثبت أن التحالف بقيادة السعودية وقوات الحوثي، تهاجم عشوائيا، وتُخفي قسريا المدنيين اليمنيين وتمنع وصول الغذاء والدواء إليهم”.
وتابعت: “يتعين على المجتمع الدولي، لا سيما الدول المتحالفة مع أطراف النزاع، أن تستغل نفوذها للضغط على الأطراف المتناحرة لوقف انتهاكاتها وضمان خضوعها للمساءلة”.
وذكرت منظمة هيومن رايتس في تقريرها أنه منذ مارس 2015، شنّ التحالف عشرات الغارات الجوية العشوائية وغير المتناسبة التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وضربت أهداف مدنية في انتهاك لقوانين الحرب، باستخدام ذخائر باعتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وآخرين.
ولفتت إلى واحدة من تلك الغارات بالقول: الغارة الجوية على مركز احتجاز في آب/ أغسطس 2019، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة 200 شخص على الأقل، كانت الأكثر دموية منذ بدء الحرب.
وخلص التقرير إلى أن النزاع كان له أثرا مدمرا على حياة اليمنيين العاديين وعرّض ملايين الناس إلى خطر المجاعة. الاقتصاد اليمني، الذي كان ضعيفا قبل النزاع، تأثّر بشدة، موضحا أنه لم يعُد هناك دخل ثابت لمئات الآلاف من الأسر ولم يتلق أغلبية الموظفين الحكوميين رواتبهم بانتظام منذ سنوات عدة.
وين تقرير هيومن رايتس ووتش أن قوات الحوثي، والحكومة اليمنية، والإمارات، والسعودية، والجماعات المسلحة اليمنية المدعومة من الدولتين الخليجتين اعتقلت أشخاص تعسفيا، من بينهم أطفال، وأخفت قسرا العديد منهم.
وأضاف “احتجزت قوات الحوثي الناس كرهائن، بينما مارس المسؤولون اليمنيون في عدن الضرب والاغتصاب والتعذيب ضدّ المهاجرين المحتجزين وطالبي اللجوء من القرن الأفريقي، بمن فيهم النساء والأطفال”.
ووفقا للتقرير فإنه لم يقرّ أي من الأطراف المتناحرة بمسؤوليته عن الانتهاكات ما أدى إلى نقص في المساءلة وتحقيق العدالة.
وحسب المنظمة الدولية فإن المجتمع المدني اليمني واجه انتهاكات أمنية وسياسية، حيث هاجمت الأطراف المتحاربة نشطاء، وصحفيين، ومحامين، وأكاديميين ومدافعين حقوقيين، بما في ذلك أتباع الديانة البهائية، وضايقتهم، واعتقلتهم، واخفتهم قسرا. وقالت: تعرضت الناشطات السياسيات اللواتي لعبن دورا بارزا في حملات حقوق الإنسان وبناء السلام، للتهديد ولحملات تشهير واستُبعِدْن من محادثات السلام في السويد في كانون الأول/ ديسمبر 2018.
واختتم التقرير “بدلا من السكوت عن المعاناة الإنسانية في اليمن، يتعيّن على الحكومات المقرّبة من السعودية والإمارات والحوثيين الضغط على حلفائها لإنهاء انتهاكاتهم الحقوقية الجسيمة ولوضع تدابير للمساءلة”.
والشهر الماضي طالبت منظمة العفو الدولية مدعي العام المحكمة الجنائية الدولية، بالتحقيق في دور المديرين التنفيذيين لشركات الأسلحة الأوروبية، ومسؤولي إصدار التراخيص، بتهمة “انتهاك القانون الإنساني الدولي الذي قد يصل إلى حد ارتكاب جرائم حرب في اليمن” عبر استمرار هذه الشركات في تزويد التحالف السعودي الإماراتي بالأسلحة.
وقدمت “أمنستي” بالتعاون مع المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان مذكرة من 300 صحفة إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، قالت إنها “مدعومة بالأدلة” حول هذا الاتهام.
وقالت في بيان لها “ندعو إلى التحقيق فيما إن كان المسؤولون رفيعو المستوى، من كل من الشركات الأوروبية والحكومات، قد يتحملون المسؤولية الجنائية عن التزويد بأسلحة استخدمها أعضاء التحالف، الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة، في ارتكاب جرائم حرب محتملة في اليمن”.
وفي السياق ذاته كشفت منظمة سام للحقوق والحريات عن انتهاكات جديدة مارستها قوات آل سعود والإمارات في محافظة المهرة اليمنية (المحاذية لسلطنة عمان).
وأفادت المنظمة -ومقرها في جنيف- بأنها رصدت 33 موقعا ونقطة عسكرية أنشأتها القوات السعودية في الأماكن الحيوية بالمهرة، كما تدخلت الإمارات بعد أشهر من بدء “عاصفة الحزم” في المحافظة من خلال أنشطة الهلال الأحمر الإماراتي واستمالة الشخصيات والتجنيد غير القانوني لشباب من أبناء القبائل.
ومما كشفه تقرير منظمة سام: إصدار قيادة قوات آل سعود حزمة من القرارات اشتملت على منع الصيادين من الاقتراب من المواقع العسكرية التابعة لها على سواحل بعض المديريات، ومنع الصيد بشكل كامل في فترة ما بعد العصر.
ومن أهم ما أورده تقرير منظمة سام هو عمليات الاغتيالات التي قالت إنها وثقتها، ومن بينها أول عملية قتل في المدينة عقب وصول القوات السعودية إلى مدينة الغيضة، والتي كان ضحيتها الشيخ مصطفى عبد الله الطيب، بعد أن أطلق مسلحون النار عليه في سوق الغيضة، وكان الرجل إمام مسجد في محافظة شبوة قبل أن ينتقل إلى محافظة المهرة للعمل فيها.
وأعقبت هذه الحادثة عمليات اغتيال أخرى بحسب تقرير المنظمة، منها حادثة قتل صالح محمد صالح حسن الميسري عام 2018، وهو مرافق شخصي لمحافظ المدينة الحالي راجح باكريت، إذ تؤكد روايات وثقتها المنظمة أنه قتل بعد ملاسنة بينه وبين ضابط سعودي أثناء زيارة المحافظ لمطار الغيضة بعد تحويله لقاعدة عسكرية سعودية.
أيضا في عام 2018، يشير تقرير سام إلى تعرض معتصمين لإطلاق نار من قبل القوات السعودية مما تسبب في مقتل مواطنين اثنين هما: علي أحمد عرعرة الجدحي، وناصر سعيد أحمد نشوان، كما أصيب مواطنون آخرون بجروح بالغة، وفقا لتقرير المنظمة.
ووثق تقرير منظمة سام خلال العام الماضي 2019 مقتل الجنديين زيد محمد القميحة وعمار محمد مفرح، وهما من جنود القوات الخاصة (الأمن المركزي سابقا)، وهناك اتهامات لنجل شيخ موال للسعودية بقتلهما.
وبحسب تقرير المنظمة، عمدت قوات آل سعود في المهرة -بالتواطؤ مع السلطة المحلية- إلى محاولة العبث بالنسيج الاجتماعي، من خلال استقدام مجموعات دينية سلفية متشددة إلى المحافظة، وتوزيعها على بعض المساجد لفرض خطاب ديني يتماشى مع السياسات السعودية الهادفة إلى تقويض السلم الاجتماعي وإشاعة خطاب ديني متطرف يمارس التحريض على أي مظاهر مدنية في المحافظة، ويتبنى التكفير ضد أي مطالب سياسية أو اجتماعية.
ومن أبرز المظاهر التي حاول آل سعود من خلالها تدمير النسيج الاجتماعي في المحافظة، هو إنشاؤها مراكز دينية للجماعات السلفية في المهرة كخطوة لتعزيز وجودها العسكري.
ويؤكد تقرير سام أن بعض سكان المهرة تعرضوا للإخفاء القسري والسجن والتعذيب طوال الفترات الماضية، ووفقا لتقرير المنظمة فإن هناك الكثير من الجرائم التي ارتُكبت من قبل القوات السعودية بحق المواطنين، من اعتقالهم والتحقيق معهم خارج إطار القانون والاعتداء عليهم بالضرب والتعذيب والتهديد والابتزاز أو إخفائهم قسريا بشكل نهائي.
وأورد التقرير نماذج لحالات من الذين جرى التعامل معهم بشكل تعسفي عقب اعتقالهم، وبعضهم تم اخفاؤه لفترات طويلة والبعض فترات متوسطة، ومنهم أيضا من اعتقل وسجن في سجن القوات السعودية بمطار الغيضة، ومنهم من نُقل إلى سجون في السعودية، وأُطلق سراح البعض، ومنهم من لا يزال في غياهب تلك السجون وفقا للمنظمة.
ولم تقتصر ممارسات قوات آل سعود على الانتهاكات الانسانية بحق أبناء المهرة، بل شملت أيضا التعدي على حرية الرأي، ووصلت بعض الأحيان إلى الاعتداء على الممتلكات الخاصة وتجريف الوظائف العامة.
وطالبت منظمة سام سلطات آل سعود بمحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وجبر ضرر الضحايا ماديا ومعنويا، والكف عن سياسات القمع وفرض الوصاية على القرار الوطني، واحترام السيادة الوطنية للجمهورية اليمنية التزاما بالمواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة.