ترجح أوساط سياسية في اليمن إعلان تأجيل تشكيل حكومة جديدة بموجب ما نص عليه اتفاق الرياض الذي رعاه نظام آل سعود وبشر به بوصفه خارطة طريق للحل السياسي في البلاد.
وجرى توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية و”المجلس الانتقالي الجنوبي”، وتبقي ثلاثة أيام فقط على الموعد الأقصى لتشكيل حكومة جديدة من 24 وزيراً.
إلا أن العقبات التي لا تزال تقف في طريق التنفيذ، وخصوصاً في الشق الأمني والعسكري ومجمل الترتيبات في عدن، تجعل الوضع مفتوحاً على مختلف الاحتمالات، بما فيها تأجيل إعلان التشكيل.
ولم يتم تنفيذ بنود الاتفاق باستثناء عودة رئيس الحكومة معين عبد الملك وعدد من أعضاء حكومته إلى عدن، ووصول لجنة عسكرية من قيادات قوات “الحماية الرئاسية”، كأولى الخطوات الأمنية العملية لإيجاد موطئ قدم للحكومة للشرعية في عدن.
ويمثّل الملحقان الأمني والعسكري، والتقدّم في تنفيذهما من عدمه، حجر الزاوية في تهيئة الأجواء لإعلان حكومة جديدة، وليس من مصلحة أي طرف التقليل من أهمية التنفيذ غير المنقوص للإجراءات الأمنية، باعتبارها ستوفر الأرضية المواتية لنجاح أي عمل حكومي.
وبصيغة أخرى، إذا كان تأخر رئيس الحكومة في العودة إلى عدن، لأسبوع، على ما كان محدداً في الاتفاق، فإنها خطوة تمت في كل الأحوال. الشيء نفسه يمكن أن يُطبّق على بقية الخطوات، وهي حتمية التنفيذ، وإن تأخرت أياماً أو أسابيع.
وعلى الأرجح أن إعلان التشكيل الحكومي سينتظر الانتهاء من أبرز الترتيبات في عدن.
وأياً تكن التفاصيل، فإن المهم في السياق، أن على الأطراف المعنية، وفي مقدمتها الحكومة اليمنية، وكذلك السعودية الراعية للاتفاق، الانتباه إلى أهمية التنفيذ، بما يؤدي إلى إحداث تغيير فعلي على الأرض، يصحح مختلف الأخطاء.
في السياق، يمكن استحضار اتفاق استوكهولم الموقّع بشأن الحديدة، في ديسمبر/ كانون الأول 2018 برعاية الأمم المتحدة، الذي انتقل في الشهور اللاحقة إلى تحديات التنفيذ والتفسير المتباين للبنود، بسبب الصيغ المبهمة أو غير الصريحة لبعض البنود، بما ساهم بترحيل محاور الخلاف المعقّدة إلى مرحلة التنفيذ.
في المقابل، جاء اتفاق الرياض واضح المعالم، على صعيد مختلف الخطوات المطلوبة، وتسمية الأطراف والقوات المعنية بتولي ملف الأمن في المدن، وكذلك المسؤوليات الواقعة والانسحابات العسكرية إلى ما قبل أحداث أغسطس/ آب الماضي، وهو ما يعني أن الاتفاق يمتلك من عوامل النجاح في المرحلة المقبلة ما لا يجعله في زاوية واحدة مع اتفاق الحديدة، إلا أن العبرة في نهاية المطاف، بالتنفيذ.
وقد روح نظام آل سعود إلى اتفاق الرياض بكونه حلال للمعضلة السياسية في اليمن غير أن مراقبين يؤكدون أن التفاهمات السياسية المعلنة حيال إعادة صياغة السلطة أفضت إلى اندلاع دورات الصراع المحلية، إذ يكاد يكون ذلك نمطاً واضحاً.
إذ تأتي هذه الاتفاقيات بحلول آنية، صاغتها تفاهمات فوقية لا تعكس إرادة اليمنيين، لذا فشلت في تفكيك الأزمات العميقة التي حكمت منظومة السلطة في اليمن، ومن ثم رحّلت المشكلات الوطنية، في مقابل أنصاف حلول لتوسيع السلطة، بحيث تشمل قوى سياسية تم استبعادها سابقاً.
وأنتج ذلك نظاماً سياسياً مختلاً لصالح طرف سياسي ضد آخر، أو أطراف سياسية متحالفة فرضت، في النهاية، غلبةً من نوع آخر. بالتالي، كانت بنود هذه الاتفاقيات أو النتائج السياسية المترتبة عليها سبباً في اندلاع الحروب مجدّداً.
فقد وقع فرقاء السلطة في جنوب اليمن في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي على “اتفاقية الرياض”، والتي هدفت إلى إعادة تشكيل السلطة الشرعية لتضم المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، إلى قوامها، حيث تضمّنت ملحقاً سياسياً واقتصادياً يقضي بتقاسم الحكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، مع بقاء رئيس الوزراء الحالي في منصبه، وترحيل موارد الدولة إلى البنك المركزي في عدن، بحيث يتولى دفع رواتب موظفي الدولة في المناطق المحرّرة.
كما تضمنت الاتفاقية ملحقاً أمنياً وعسكرياً قضى بانسحاب القوات العسكرية والأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي من مدينة عدن، وكذلك القوات التابعة للشرعية التي أتت من خارج المدن إلى معسكراتها، وتسليم حماية مدينة عدن لشرطة المدينة التي ستتم إعادة تشكيلها من قوات الطرفين، مع بقاء قوات الحماية الرئاسية لحماية الرئيس هادي.
في مقابل تكفل قوات سعودية بحماية قادة المجلس الانتقالي في عدن، مع تطبيع الوضع نفسه في المحافظات الجنوبية الأخرى، فيما تشرف لجنة منبثقة عن اتفاق الرياض برئاسة السعودية على إعادة توزيع القوات العسكرية والأمنية، بما في ذلك مراقبة استيعاب القوات التابعة للانتقالي في قوام المؤسسة العسكرية اليمنية ووزارة الداخلية.
كما نصّت الاتفاقية على أن يكون المجلس الانتقالي طرفاً ثالثاً في المفاوضات السياسية القادمة بين السلطة الشرعية وجماعة الحوثي لتسوية الأزمة اليمنية.
وبعيداً عن حماسة الرعاة الإقليميين في تثمينهم اتفاق الرياض، والولاء العجيب لوكلائهم المحليين في قبولهم أي تفاهماتٍ سياسيةٍ تفرضها هذه الأطراف، حتى لو كانت تنقص من صلاحيات بعضهم، فإن تقييم اتفاق الرياض يأتي من أسباب فشله التي لا تكمن فقط في صعوبة تنفيذ بنوده على الواقع، ولا في أن الاتفاق أملته قوة السلاح وتفاهمات القوى المتدخلة، لا أرضية تفاهمية يمنية – يمنية، وإنما في النتائج التي سيترتب عليها في الواقع.
إذ إن نجاح أي اتفاقية ينهض من خلخلتها الأوضاع السياسية والعسكرية، لا في تكريسها أسباب الصراع، بينما عكس اتفاق الرياض اختلال موازين القوى السياسية والعسكرية لصالح المجلس الانتقالي على حساب السلطة الشرعية، حيث فرض غلبته العسكرية واستقواءه بوكيله الإقليمي في صياغة شكل السلطة الشرعية وقوامها، وتمظهر ذلك في المكاسب السياسية التي استقطعها الانتقالي من الشرعية.
فقد بدت سلطة الرئيس هادي مقيدة وشبه منزوعة، بحيث استجابت لإملاءات وكيلها السعودي الذي ساوى بينها والمجلس الانتقالي كطرفي نزاع.
ومن جهة أخرى، انتزع المجلس الانتقالي الجنوبي اعترافا رسميا من سلطة هادي به قوة عسكرية وسياسية وحيدة في جنوب اليمن، قادرة إن أرادت، ومتى أرادت، ليس فقط على تجريده من سلطته في جنوب اليمن، وإنما في صياغته مطالب الشارع الجنوبي في المفاوضات النهائية.