تستعد السلطات السعودية لاستضافة منتدى الأمم المتحدة لحوكمة الإنترنت في الرياض نهاية هذا العام، وسط إجماع حقوقي على إدانة النّفاق الرقمي في المملكة.
وكان تم إنشاء قسم الأمم المتحدة كمنصة متعددة الأطراف لتسهيل مناقشة قضايا السياسة العامة المتعلقة بالإنترنت.
وخلال القمة المقررة في ديسمبر المقبل سيتم تشكيل البرنامج وفق أربعة موضوعات رئيسية:
– تسخير الابتكار وموازنة المخاطر في العصر الرقمي.
– تعزيز المساهمة الرقمية في السلام والتنمية والاستدامة.
– تعزيز حقوق الإنسان ومواكبة العصر الرقمي.
– تحسين الحوكمة الرقمية للإنترنت.
وقالت أوساط حقوقية إن هنالك نفاقا واضحا في استضافة هذا الحدث من قبل السعودية، إذ تشتهر البلاد بعدم احترامها لمعايير حقوق الإنسان الدولية، حيث حصلت على 8 من أصل 100 في تقرير فريدوم هاوس لعام 2023 – وتم تصنيفها كدولة “غير حرة”.
وفي الواقع، تقيد الملكية المطلقة في السعودية جميع الحقوق السياسية والحريات المدنية تقريبًا. علاوة على ذلك، تهدف رؤية السعودية 2030 إلى زيادة استدامة البلاد والمبادرات الخضراء، إلى جانب زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية، من بين أهداف أخرى كثيرة.
وقد تعرضت هذه المبادرات لانتقادات شديدة، حيث تم التدقيق في مشاريع مثل نيوم لتحسين البيئة، ولكن أيضًا ينظر إليها على أنها “واهمة”.
لذلك، فإن اثنين على الأقل من الموضوعات الرئيسية الأربعة لمنتدى حوكمة الإنترنت يتعارضان مع واقع السعودية، كونها دولة لا تعزز حقوق الإنسان، ولا تساهم في السلام والاستدامة؛ مما يشكل مثالًا حقيقيًا على التبييض من خلال استضافة المنتدى.
بالتركيز أكثر على الحقوق الرقمية، هناك أدلة ملموسة على أن الدولة تستخدم منصات التواصل الاجتماعي لمراقبة الخطاب السياسي، ومهاجمة المعارضين، وقمع الأصوات المؤثرة.
تحتفظ السلطات السعودية بأنظمة رقابة ومراقبة شاملة، تدعمها شبكات عبر الإنترنت من الروبوتات والحسابات التي تنشر رسائل مؤيدة للحكومة وتستهدف المعارضين المحتملين، خاصة من خلال اختراق منصة X، المعروفة سابقًا باسم تويتر، لنشر الدعاية لدعم السعودية.
والهدف من هذه العمليات التلاعبية الداخلية هو خلق مظهر من الدعم الواسع للدولة وقادتها بينما يتم إسكات الأصوات المعارضة، مما يقوض الحق في المعلومات ويخالف مبادئ الديمقراطية.
وتعد السعودية ثاني دولة بعد الصين في عدد الحسابات التي تمت إزالتها من منصة X.
يبلغ الناشطون والصحفيون وموظفو الحكومة وغيرهم من المهنيين عن مناخ من الخوف، مما يجبر الكثيرين على الرقابة الذاتية أو المشاركة في الخطاب المؤيد للحكومة عبر الإنترنت.
يواجه أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم يعبرون عن المعارضة عبر الإنترنت، بما في ذلك النقاد والنشطاء، عواقب وخيمة مثل الانتهاكات والاعتقال.
إن النقص العام في الحقوق الرقمية يجعل المملكة غير مناسبة لاستضافة منتدى حوكمة الإنترنت، الذي يعتمد على الحوار المفتوح وحرية التعبير لمعالجة قضايا حوكمة الإنترنت العالمية بفعالية.
مما يزيد الطين بِلة، أن استثمارات السعودية في المشاريع التكنولوجية تزيد فقط من فرصتها في إساءة استخدام الرقابة والمراقبة البيانات بشكل أكبر.
ويثير مشروع نيوم في السعودية مخاوف كبيرة بشأن انتهاك الحقوق الرقمية والخصوصية بسبب بنيته التحتية الواسعة للمراقبة، التي تتضمن المراقبة الشاملة من خلال الكاميرات وأجهزة الاستشعار وجمع البيانات البيومترية، مما يؤدي إلى تتبع مستمر للمقيمين والزوار دون موافقتهم.
يهدف المشروع إلى جمع كميات هائلة من البيانات الشخصية والمالية والصحية، ولكنه يفتقر إلى قوانين حماية البيانات القوية واللوائح الواضحة حول إدارة البيانات، مما يشكل مخاطر إساءة الاستخدام والوصول غير المصرح به.
بالإضافة إلى ذلك، قامت شركة جوجل العملاقة للتكنولوجيا بتركيب منطقة سحابية جديدة في المملكة، حيث تسهل خدمات جوجل السحابية عمليات الشركات الصغيرة إلى المتوسطة، حتى لا تضطر إلى امتلاك مراكز بياناتها وخوادمها الخاصة.
وهذا المشروع هو مشروع مشترك مع شركة أرامكو، وهي شركة نفط سعودية مملوكة للدولة، مما يثير القلق لأنه يسمح للدولة بالوصول إلى كميات كبيرة من البيانات الشخصية.
وعليه فإن التعاون بين شركات التكنولوجيا القوية والأنظمة الاستبدادية مثل السعودية يسهل فرصة لمزيد من القمع الرقمي الوطني.
إن استضافة منتدى حوكمة الإنترنت هو مثال حقيقي على التبييض، مما يوضح النفاق البحت في تجاهل البلاد الصارخ للحقوق الرقمية، ناهيك عن حقوق الإنسان الأساسية، إلى جانب الواجهة الخادعة لحماية حقوق الإنسان والحقوق الرقمية وتعزيز السلام.