مثل شخصين يجلسان على طاولة مستديرة، يلعبان لعبة “بوكر” عصيبة، يخوض ولى العهد محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، لعبة أسعار النفط في العالم.
وحذرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في تقرير لها من خطوة تدنى أسعار النفط على المملكة، وقالت إن لعبة أسعار النفط خطيرة لنظام آل سعود.
وأصبح ولي العهد وترامب صديقين بسرعة عندما اختار الأخير، السعودية، كأول محطة لرحلته الخارجية عام 2017م، واستقبله السعوديون بحفاوة باذخة ومبالغ فيها.
ووقف الرئيس مع “بن سلمان” في البداية عندما قطع علاقاته مع قطر ومرة ثانية عندما اتهم بإصدار أمر قتل الصحافي جمال خاشقجي، “لكن الأمير الآن يهدد صناعة النفط الأمريكية، الأمن القومي الأمريكي، ومنظور إعادة انتخاب ترامب مرة ثانية”.
وأشارت إليوت هاوس إلى قرار محمد بن سلمان في آذار/مارس غمر أسواق النفط في محاولة منه لاستفزاز روسيا كي توافق على تخفيض معدلات إنتاج نفطها ودعم أسعاره.
وتزامن قراره مع وباء كوفيد-19 والذي حرف اقتصاديات الدول باتجاه الكساد، وانخفضت أسعار النفط إلى مستويات متدنية.
وعمل ترامب سريعا على إقناع السعودية وروسيا الموافقة على خفض إنتاج النفط في نيسان/إبريل. ولم ينفع الاتفاق في إنقاذ أسعار النفط حيث كانت المحاولة قليلة ومتأخرة.
وقالت إليوت هاوس إن الرهانات اليوم عالية بالنسبة للرئيس والأمير. فموقع أمريكا كمصدر أول للنفط يتراجع ومعه حالة الاكتفاء الذاتي الضرورية لأمنها.
وتواجه السعودية بأسعار 30 دولارا للبرميل أسوأ أزمة اقتصادية وإمكانية خسارة الحامي الأمريكي.
ورأت الكاتبة أن الأزمة تمنح فرصة للعمل معا لتقوية أسعار النفط ومعها، وهذا يعني تحركا سريعا من ولي العهد وتعاونا حكيما من الرئيس ترامب قبل قمة النفط في 10 حزيران/يونيو.
لكن لو واصل كل منها اللعبة الخطيرة فهناك إمكانية خسارة كل منهما. ولعب الرئيس ترامب ورقته القوية عندما أعلن خلال مايو/ أيار الحالي أن إدارته ستسحب منظومة صواريخ باتريوت التي أرسلها لحماية المنشآت النفطية السعودية التي تعرضت لهجوم اتهمت إيران بتدبيره.
وبعد أيام تعهد ولي العهد وبهدوء بخفض معدلات إنتاج النفط بحلول الأول من حزيران/يونيو، وهذا لا يكفي لموازنة العرض والطلب في اقتصاد عالمي مدمر.
ورأت الكاتبة التي ألفت كتابا عن السعودية، أن ازدهار الإنتاج النفطي يعتبر بالنسبة لترامب تاج إنجازات رئاسته.
ففي العام الماضي وصلت نسبة النفط المستورد من مجمل الاستهلاك إلى 3% وهي الأدنى منذ عام 1954.
وفي شباط/فبراير وصل إنتاج النفط إلى رقم قياسي. لكن المحللين يتوقعون أن تؤدي الإفلاسان إلى خفض الإنتاج بنسبة 20% بحلول كانون الأول/ديسمبر.
وتحتاج صناعة النفط الصخري إلى سعر 40 دولارا للبرميل كي تحافظ على معدلات الإنتاج.
وبالنسبة للسعوديين فالرهانات أعلى. ويواجه ولي العهد عجزا ماليا وسط زيادة التوقعات من المواطنين. وهو يحتاج إلى 80 دولارا للبرميل لكي يكون قادرا على تمويل النفقات الحكومية العالية.
وتسير رؤية 2030 الهادفة إلى وقف اعتماد المملكة على النفط نحو التوقف، وقد أعلنت وزارة المالية في المملكة إجراءات تقشف “مؤلمة” وأعلنت عن تخفيض الدعم لموظفي الدولة وزادت من ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف في وقت لا تزال المملكة تعتمد فيه على الحماية الأمريكية.
وحتى الآن يلعب ترامب لعبة ماهرة، فسحب منظومة باتريوت لا يعني تلاشي الخطر الإيراني، ولكن الدعم وسط أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين هو الذي تلاشى. وكما قال السناتور عن تكساس تيد كروز محذرا الرياض: “لو أردتم التصرف كعدو فسنعاملكم كعدو”.
ورأت إليوت هاوس أن هناك ثلاثة أسباب تدعو السعودية للتخلي عن محاولتها الحفاظ على حصتها في مبيعات النفط المتضائلة وهي أن العرض العالمي الواسع للنفط سيجبر السعوديين على تخفيض الإنتاج نظرا لعدم وجود مكان للبيع.
كما أن تراجع الدعم الأمريكي للسعودية سيجعل إيران أكثر جرأة. بالإضافة إلى مشاكل ترامب السياسية التي قد تؤدي إلى فوز الديمقراطيين الذين يريدون معاقبة السعودية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتحسين العلاقات مع طهران.
وبالنسبة لمحمد بن سلمان فلا حلول براقة وهو يواجه مخاطر التهديد الإيراني وهزة في الميزانية.
ويبلغ عجز الموازنة السعودية المتوقع لعام 2020 نحو 61 مليار دولار.
وتثير تلك الأرقام الحيرة فمع تعرض السعوديين العاديين لضغوط مستمرة للتنازل عن مزايا الرفاهية من أجل الصالح العام للمملكة، يتساءل المرء ما إذا كان أفراد المجتمع، أو مجلس “آل سعود”، قد يبدأون في طلب تحجيم ميزانية “بن سلمان” التي لا يرى لها سقف.
ولإنهاء كل تلك التشابكات الخارجية المعقدة تجد السعودية نفسها واقعة في حالة متناقضة لا تستطيع الفرار منها بسبب شروطها المتناقضة أو حالة “كاتش-22″، كما تراها الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد وغيرها من الباحثين، فمنذ الانتفاضات العربية في عام 2011، استمد نظام الحكم في المملكة شرعيته في الداخل من مزاعم حمايته للسعوديين من أعدائها الداخليين المدعومين من الخارج أو الـ “الطابور الخامس”.