يمارس نظام آل سعود ضغوطا شديدة منذ أيام لمنع بث فيلم وثائقي عن اغتيال الصحفي البارز جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة مطلع تشرين أول/أكتوبر 2018 تحت اسم “المنشق” (The Dissident).
وأصبح الفيلم يواجه مصيرا غامضا، وقد لا يجد طريقه نحو الجماهير في ظل شعور الموزعين بالقلق من إثارة غضب سلطات آل سعود وما تمارسه من ضغوط.
ونشرت صحيفة غارديان البريطانية تقريرا عن العرض الأول للفيلم في مهرجان “صندانس الأميركي”، حيث أثار المخرج الأميركي برايان فوغل إعجاب النقاد بالفيلم المثير الذي سلط الضوء على الفساد وأساليب التستر وتداعيات التحلي بالشجاعة والجرأة في العالم الحقيقي.
ووصفت الصحيفة عملية اغتيال الصحفي خاشقجي بالمأساوية، وهو ما أثار اهتمام الكثيرين حول الفيلم، بالإضافة إلى السجل الحافل للمخرج الأميركي الذي صنع فيلما بدا مستقبله واعدا.
وصرح فوغل بعد العرض الأول للفيلم بأنه يأمل ألا تؤثر آلة الضغط القوية التي تسخرها الرياض في كامل أرجاء العالم على انتشاره، مشيرا إلى أنه يحلم أن يصمد الموزعون في وجه نفوذ المملكة العربية السعودية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد شهر من العرض في مهرجان صندانس السينمائي، ليس من الواضح ما إذا سيتمكن الموزعون من الوقوف في وجه رياح نفوذ لوبي الضغط السعودي.
فحتى اللحظة الراهنة، لا يزال صناع الفيلم “يناقشون الخيارات” لإبرام الصفقة المناسبة لعرض الفيلم، وسط تخوفات من مشجعي الفيلم من أن يلقى مصير حلقة من برنامج “باتريوت آكت” الذي يقدمه الممثل الكوميدي حسن منهاج عبر منصة نتفليكس، فبعد شكوى سعودية حذفت تلك الحلقة التي تطرقت لاغتيال خاشقجي من على المنصة الرقمية.
من جهتها صرحت مديرة مكتب المملكة المتحدة لمنظمة مراسلون بلا حدود ريبيكا فنسنت “من المهم للغاية لفت الانتباه إلى الغياب المستمر للعدالة فيما يتعلق بقضية اغتيال جمال خاشقجي، فرغم الاحتجاجات الدولية الأولى في أعقاب مقتله، فإنه لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة حتى الآن لفرض عقوبات ملموسة على المملكة العربية السعودية على هذه الجريمة المروعة، أو على المناخ الأوسع نطاقًا لحرية الصحافة في البلاد، التي يتم فيها احتجار ما لا يقل عن 33 صحفيا”.
وتأمل فنسنت “ألا تتردد الحكومات المتقاعسة في اتخاذ مواقف صارمة أكثر بشأن هذه الانتهاكات المزعجة، حيث تستحق قصة جمال أن تنشر، فبعد مرور عام ونصف العام على مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، ما زالت الأحداث الدقيقة التي أدت إلى وفاته تشكل لغزًا”.
وأفادت الصحيفة بأن اغتيال خاشقجي كان بمثابة ردة فعل على الانتقادات التي كان يوجهها كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست للنظام، ويزعم الكثير من الأطراف بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لا يمكن أن يكون جاهلا بخطط إسكات صوت خاشقجي.
ووجّه فوغل تركيزه في الفيلم على الجهود السعودية للسيطرة وفرض رقابة على الأصوات المعارضة لنظامه على المستوى الدولي بقدر تركيزه على كشف الذين أمروا بالقتل.
ونقلت الصحيفة ما ورد على لسان فوغل، الذي أوضح للجمهور بعد العرض الأول، أنه “يأمل أن يجعل فيلم “المنشق” بلدانًا أخرى وحكوماتها ورجال الأعمال يعيدون تقييم العلاقة التي تربطهم مع السعودية إلى حين اتخاذها تدابير لإصلاح نظامها”.
وتعرف المملكة تحت حكم نظام آل سعود بأنها واحد من أسوأ البلدان في العالم لعمل الصحافيين. إذ أن معظم الصحفيين في المملكة هم في السجن أو في المنفى، وقد قُتل بعضهم داخل المملكة، أو خارجها بشكل صادم.
ولا توجد في المملكة وسائل إعلام مستقلة في البلاد، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إسكات المعارضة، بما في ذلك الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وحتى أولئك الذين يعملون في وسائل الإعلام الحكومية معرضون للخطر.
كما تعرض المدافعون عن حقوق المرأة الذين يكتبون أو يدونون أو يغردون على تويتر حول حقوق المرأة للسجن كجزء من حملة بدأت في عام 2018.
كان خاشقجي (59 عاماً) صحفياً وكاتباً مرموقاً في المملكة، ومديراً عاماً سابقاً ورئيساً لتحرير قناة العرب. كما شغل منصب محرر لصحيفة “الوطن” فحولها إلى منصة للتقدميين السعوديين. كما كتب لقسم الرأي العام العالمي في جريدة واشنطن بوست.
وقد قُتل خاشقجي داخل قنصلية المملكة في اسطنبول، بعد أن دخل القنصلية للحصول عن الأوراق الخاصة بزواجه المرتقب. رفضت سلطات آل سعود التعليق على مكان وجوده لأكثر من أسبوعين، وأدلت بتصريحات متناقضة حول ما حدث له.
وفي عام 2017، اختلف خاشقجي مع الحكومة حول تكتيكات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المثيرة للجدل، حيث عمل ولي العهد على تعزيز سلطته ، بما في ذلك اعتقال رجال الأعمال الأقوياء وأعضاء العائلة المالكة.
كما منعت العائلة المالكة السعودية خاشقجي من الكتابة بعد أن انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما دفع خاشقجي إلى مغادرة السعودية إلى الولايات المتحدة في صيف عام 2017. وفي الآونة الأخيرة، كان خاشقجي ينتقد اعتقال العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان. بما في ذلك نشطاء حقوق المرأة.
بعد تحقيق دام ستة أشهر، نشرت الدكتورة أجنيس كالامارد، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بعمليات القتل خارج نطاق القضاء والإعدام التعسفي، تقريراً في 19 يونيو/حزيران 2019 توصل إلى أن “مقتل خاشقجي يعتبر جريمة قتل خارج نطاق القضاء تتحمل دولة المملكة العربية السعودية المسؤولية عنها”.
وخلص المقرر الخاص إلى أن “هناك أدلة موثوق بها تستدعي المزيد من التحقيق في المسئولية الفردية للمسؤولين السعوديين رفيعي المستوى، بما في ذلك ولي العهد”، لكنه نفى أية معرفة مسبقة بالجريمة، وبدلاً من ذلك أمر باعتقال 19 شخصاً من المملكة قال إنهم مسؤولون عن الحادث، واتهم 11 شخصاً وحُكم بعقوبة الإعدام على خمسة أشخاص مسؤولين بشكل مباشر عن مقتل خاشقجي. ولا تزال المحاكمات جارية.