رأي كاتب بريطاني، أن ليلية واحدة من الزمن قلبت أحوال المملكة نحو سلسلة عمليات تطهيرية متوحشة، وذلك في إشارة لتولى محمد بن سلمان ولاية العهد في انقلاب ناعم.
ونشر الكاتب دافيد هيرست، مقالا في “ميدل إيست آي”، تحدث فيها عن الليلة التي تخللها إزاحة محمد بن سلمان ابن عمّه محمد بن نايف عن ولاية العهد، قبل أن يشرع في عمليات تطهير غير مسبوقة طالت أبناء عمومته.
واستلم محمد بن سلمان منصب ولي العهد، يوم 21 يونيو/حزيران 2017 بعد إعفاء ابن عمه من ولاية العهد ومن وزارة الداخلية، ودون أن يعين ولي وَلِيّاً للعهد.
ونفذ “بن سلمان” في نوفمبر 2017م، أكبر حملة اعتقالات في المملكة، طالت أفراد العائلة المالكة والمسؤولين وأباطرة الأعمال الذين تم احتجازهم في فندق “ريتز كارلتون” بالعاصمة الرياض كجزء من حملة مزعومة لمكافحة الفساد.
وكان من بين المحتجزين في ذات الفندق، أكثر من 350 من العائلة المالكة والمسؤولين ورجال الأعمال.
وقال هيرست: قبل 3 أعوام، كانت مكة تعج بالعباد، وكانت المملكة في غاية الثراء، تفرض إرادتها على اليمن، وقد بلع العالم بأسره طعم التوهم بأن مصلحا قد أتى ليغير ويبدل، وليجلب الحداثة، ليس فقط إلى هذا البلد المتخلف، بل وإلى المنطقة بأسرها.
وأضاف: “واليوم، ولأول مرة منذ عقود، ها هي مكة خاوية تماما إلا من قلة مختارة من المصلين الذين يفصل الواحد منهم عن الآخر متران. وخلف دائرة الفنادق الفخمة المحيطة بالكعبة، يُحبس آلاف العمال الأجانب داخل أحياء شعبية فقيرة تكاد تنعدم فيها الظروف الصحية الملائمة، وتتناثر القمامة في طرقاتها، ولا سبيل أمامهم للوصول إلى منظومة الرعاية الطبية، بينما تنتشر في أوساطهم أعلى معدلات للإصابة بعدوى كوفيد-19 في البلاد.
وأشار إلى أن مكة نموذج لما آلت إليه الأوضاع في بقية البلد. فخلال خمسة أعوام فقط، ارتفع دين المملكة الخارجي بشكل هائل ومتسارع من 12 مليار دولار في 2014 إلى 183 مليار دولار بنهاية 2019.
وخلال تلك الفترة ذاتها، انخفض احتياطي النقد من 732 مليار دولار إلى 499 مليار دولار –بخسارة قدرها 233 مليار دولار.
وذكر أنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أعلن محمد بن سلمان أن صندوق الثروة الرئيسي للمملكة، الذي يعرف باسم صندوق الاستثمار العام، كانت موجوداته تقترب من 400 مليار دولار، وأنه سيتجاوز 600 مليار دولار بحلول عام 2020. “ولكن قيمته اليوم لا تتجاوز 320 مليار دولار”.
وبحسب الكاتب فإنه ومنذ جريمة اغتيال جمال خاشقجي، فإن محمد بن سلمان بات شخصا غير مرغوب فيه على المستوى الدولي وفي الولايات المتحدة أيضا، ومن غير الممكن أن يعاود نشاطاته الخارجية كما السابق.
واستدرك: صحيح أنه سوف يستضيف قمة مجموعة العشرين في الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني -هذا فيما لو سمح لها بأن تمضي قدما- ولكن مع هبوط سعر النفط، من المحتمل أن يعاد النظر في استمرار انضمام بلده إلى تلك النخبة المختارة من البلدان. في هذه الأثناء، لم يعد ثمة شك في أن ماركة الأمير الشخصية قد نفقت.
وتابع: بالطبع، لو كنت قبل ثلاث سنين قد قلت لأي شخص إن عواصم الدول حول العالم ستخلو من الناس بسبب فيروس، لما صدقك كثير من الناس. وكذلك ما كان كثيرون ليصدقوا بأن تراجع الثروة السعودية سيكون حادا وسريعا بهذا الشكل.
وتحدث عن تفاصيل انقضاض بن سلمان على ولاية العهد، عبر “هيئة البيعة” التي سيطر عليها، علما أنها “ولدت ميتة” في عهد الملك عبد الله، بحسب قوله.
وقال: عندما ارتقى الملك سلمان إلى العرش، بادر بادئ ذي بدء بتعيين مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد ومحمد بن نايف نائبا له. وبعد ثلاثة شهور استبدل مقرن بمتعب، بينما عين محمد بن سلمان وليا لولي العهد.
وبهذا الشكل، غدت تلك الليلة المصيرية أول اختبار كبير لهيئة البيعة، التي فشلت فشلا ذريعا. وكانت الهيئة قد فقدت رئيسها مشعل بن عبد العزيز، الذي توفي في مايو/ أيار 2017 ولم يخلفه أحد في منصبه.
وتقضي الأحكام المنظمة لأعمال الهيئة بأن نصابها يتحقق بحضور ثلثي عدد أعضائها على الأقل، شريطة أن يكون لها رئيس، وأن يمرر التصويت بأكثر من نصف عدد الأعضاء.
ولم يعقد اجتماع فعلي، ولم يكن للهيئة رئيس، وبذلك لم يتحقق النصاب. وكان قد أذيع فيما بعد بأن 31 من الأعضاء الذين يبلغ عددهم 34 صوتوا لمحمد بن سلمان. ولكن تم ذلك عبر الهاتف.
“ولذلك يغلب الظن على أن خلع محمد بن نايف وارتقاء محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد كان إجراء غير قانوني وغير شرعي”.
كانت تلك مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للأمير الشاب. فقد ألقت بظلال دستورية عليه منذ اليوم الأول لحكمه، ولعلها تفسر حساسيته المفرطة بالذات تجاه اثنين من الأمراء، وكلاهما يقبع حاليا في السجن.
أما الأول، فهو محمد بن نايف، الذي اتهم بداية بالإدمان على المخدرات، وتوجه له الآن تهمة الخيانة وتدبير محاولة انقلابية. وأما الثاني، فهو شقيق الملك، الأمير أحمد بن عبدالعزيز، الذي عاد من لندن وكانت غايته الصريحة من ذلك أن يُنصب رئيسا لهيئة البيعة حتى يتمكن من الحيلولة دون ارتقاء محمد بن سلمان إلى العرش.
لم يخف الأمير أحمد حقيقة أنه لم يصوت لابن أخيه في تلك الليلة قبل ثلاث سنين، كما لم يتوجه إلى مكة ليبايع ولي العهد.
لكن هيرست أوضح أن وجود الأميرين محمد بن نايف، وأحمد بن عبد العزيز (شقيق الملك)، وبرغم إقصائهما، إلا أن ذلك يشكل خطرا على محمد بن سلمان.
وتابع: “كان القصد من البيعة أن تكون آلية لنقل ولاء آل سعود من ملك إلى آخر، لكن ذلك لم يحدث. ونظرا لأنه لم يحدث، فقد نجم عن ذلك انطلاق سلسلة من عمليات التطهير، ما عمق الأزمة السياسية التي يواجهها ولي العهد بينما يستعد لقطف الثمرة التي يراها قد أينعت”.
يحمل محمد بن سلمان في جيبه ورقة خاسرة. ومثله في ذلك مثل أي مقامر آخر، كلما تكبد خسارة ضاعف من رهاناته، وهو يفعل ذلك هنا من خلال الاستيلاء على العرش من والده الذي يخضع لسيطرته.
وختم هيرست: “أنه من غير المحتمل أن تؤدي هذه الحركة إلى جلب الاستقرار للمملكة التي تعيش لحظة من السقوط الحر، بل الأغلب أن يستمر سقوطها، وما زال أمامها مسافة طويلة قبل الوصول إلى القعر، ومع ذلك لا يوجد أحد ممن يعيشون في داخل البلد ومن حوله إلا ويشعر بذلك السقوط”.