دفعت جائحة فيروس كورنا وانهيار أسعار النفط، نظام آل سعود لاتخاذ قرارات “مؤلمة” شملت جميع القطاعات الحكومية والاقتصادية، في مسعى لتجاوز المرحلة الأصعب في تاريخ المملكة.
وتحت ذريعة “إنقاذ موازنة البلاد من العجز”، أعلن الوزير محمد الجدعان، قبل أيام، حزمة جديدة من الإجراءات تشمل إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءا من شهر يونيو/حزيران المقبل وكذلك رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من شهر يوليو/تموز لعام 2020”.
وبعد تراجع عائدات النفط بحوالي الربع، تقلصت عائدات الدولة بحوالي الربع. وسجلت الميزانية الحكومية عجزا بنحو 8.3 مليار يورو. وحتى المدخرات النقدية للبنك المركزي تراجعت: ففي مارس وحده تم تسجيل خسارة بـ 27 مليار دولار ـ أضعف مستوى منذ 2011.
ويعود هذا التطور بالأساس إلى سعر النفط المنخفض. فبعدما تراجع قبل أزمة كورونا بسبب ضعف الطلب، انهار في خضم الركود الذي تسبب فيه الفيروس معركة الأسعار المشتعلة بين المملكة وروسيا. وفي أبريل/ نيسان وصل سعر البرميل الواحد إلى أقل من 20 دولار، لكنه في الأثناء تعافى وصعد إلى 30 دولار للبرميل الواحد.
وفي يناير/ كانون الثاني كان سعر البرميل الواحد يصل إلى 66 دولارا، لكن حتى هذا السعر لم يكن مواتيا بالنسبة إلى المملكة، لأنه لضمان ميزانية متكافئة تحتاج الرياض حسب معطياتها إلى سعر نفط بحدود 60 دولارا ـ وصندوق النقد الدولي ينطلق من 76 دولارا.
وقال مدير معهد دراسات الشرق الأوسط إيكارت فورتس: هناك شرائح واسعة من السكان تعيش إلى حد الآن في ظروف متواضعة وأيضا فقيرة جزئيا، ويوجد الكثير من المواطنين من الطبقة الوسطى الذين يكافحون من أجل حياتهم.
وأضاف: “هناك مواطنون آخرون لهم دخل ضعيف جدا. وسلسلة من الناس تعيش في بيوت يمكن وصفها بمساكن الصفيح. والوضع أسوء بالنسبة إلى العمال المهاجرين الذين ليس لهم مساكن”.
والركود الاقتصادي المتوقع سيكون له تأثير كبير على العقد الاجتماعي بين الحكام والرعية، كما تتوقع سينسيا بيانكو، خبيرة شؤون شبه الجزيرة العربية في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”.
لكن ولي العهد محمد بن سلمان منح قبلها لهذا العقد توجها آخر. وفي برنامجه الإصلاحي أو ما يُسمى “رؤية 2030” قد يصل محمد بن سلمان إلى حدوده، كما يتوقع إيكارت فورتس. “الميزانية الحكومية تقلصت وستزيد في التقلص. وهذا ما سيدفع إلى اقتطاعات إضافية، وهذا في الوقت الذي تتورط فيه المملكة في حرب مكلفة للغاية في اليمن أدت إلى كارثة إنسانية ومثيرة للجدل سياسيا”.
وهناك تأثيرات فورية على استقرار النسيج الاجتماعي في السعودية لا تتوقعها الخبيرة الاقتصادية سينسيا بيانكو للوهلة الأولى. فهذا النسيج يرتكز إلى بناء معقد من عوامل مختلفة. والوباء وكذلك تقلب سوق الطاقة قد يصلحان كذريعة لتبرير الإخفاقات.
لكن بيانكو تتوقع أن تعاني رؤية 2030 من الركود. “لقد تم التخلي عن عدة مشاريع تتطلب استثمارات حكومية كبيرة. لكن هذه الرؤية لها منذ مدة نقطة ضعف: فهي لا تجلب ما يكفي من الاستثمارات الخارجية والداخلية”.
وقالت: المستثمرون يواصلون التركيز على قطاع الطاقة. وسيكون من الصعب أكثر في الأزمة جلب استثمارات بعيدة عن هذا القطاع. “وبعض هذه القطاعات مثل السياحة تتأثر بوجه خاص بالوباء. وضرائب عالية ورسوم تؤثر سلبا على عالم الأعمال وتضغط على السوق الداخلية. وفي الوقت نفسه يتأثر قطاع الطاقة بتراجع الطلب. وهذه عثرة حقيقية تصب الشكوك في نجاح رؤية 2030”.
ومن الصعب تقدير أثر الأزمة على سمعة ولي العهد لدى المواطنين الشباب السعوديين، يقول إيكارت فورتس: “الكثيرون من الشباب السعوديين رحبوا بنهج “الإصلاح” لولي العهد. هم متحمسون للانفتاح الثقافي. وعلى هذا النحو هم يرحبون بالسماح لتنظيم حفلات موسيقية. لكن ما المعمول إذا لم يتوفر لديهم المال لشراء تذكرة الدخول؟”.
وكان خبراء ألمانيون، توقعوا انهيار، “رؤية 2030” الذى يسعى ولى العهد السعودي تطبيقها في المملكة؛ لرسم صورة جديدة لبلاده، واستندوا في ذلك إلى عدة أسباب.
ومن هذه الأسباب، بحسب المراقبين الألمان، فيروس “كورونا” والانهيار التاريخي لأسعار النفط والحرب في اليمن والاحتقان داخل الأسرة الحاكمة، والصراع مع إيران، وقالوا إنها “تهدد بتبخر هذه الأحلام في سراب الصحراء”.
وقال الخبراء الألمان: بعد أربع سنوات على إعلان “بن سلمان” رؤيته وجد الأمير الشاب نفسه أمام “أضغاث أحلام، فقد انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، فبدلا من بناء اقتصاد رقمي كما كان مخططا، وجد نفسه أمام خلل تاريخي في الميزانية العامة”، وذلك في إشارة إلى الانهيار غير المسبوق لأسعار النفط في سياق انتشار جائحة “كورونا”.