محمد بن سلمان يورط المملكة إقليميا ويقوض مكانتها
منذ صعوده إلى ولاية العهد تبنى محمد بن سلمان سياسة التشدد إقليميا فعمل على إقامة تحالف عدوانية وانخرط في توترات لا مصلحة لها في المملكة.
وما بين الحرب على اليمن وافتعال الأزمة الخليجية وصولا إلى التوتر الشديد مع إيران، تعرضت المملكة لمخاطر الانهيار الاقتصادي وتضررت سمعتها بشدة.
فضل عن ذلك فإن سياسات بن سلمان الداخلية القائمة على القمع والحكم بالحديد والنار ألقت بتداعيات قاتمة على اقتصاد المملكة خاصة جلب الاستثمارات الأجنبية.
وتشوهت صورة المملكة دوليا عقب جريمة قتل الصحفي البارز جمال خاشقجي مطلع تشرين أول/أكتوبر 2018 داخل قنصلية المملكة في اسطنبول التركية.
وانعكست سياسات التهور التي ميزت بن سلمان في تهاوى خطط جذب الاستثمارات الخارجية وتنشيط اقتصاد المملكة والحد من البطالة والفقر وتضخّم الأسعار.
وأظهرت التطورات الإقليمية الأخيرة كيف أصبح اقتصاد المملكة رهنا لأي حدث ميداني وإمكانية تكبده خسائر باهظة أمام تهديدات إيرانية “نارية” لضرب مصالح الولايات المتحدة وقبلها ضرب منشآت نفطية سعودية رداً على العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على قطاع النفط الإيراني، وتهديدات أميركية في المقابل.
عمليات ثبت فشل رؤية عام 2030 التي أطلقها بن سلمان تحت عنوان “التنوع الاقتصادي”، وعدم الاعتماد فقط على النفط، وزيادة الإيرادات العامة في المنطقة أمام صواريخ أو طائرات مسيرة مجهولة الهوية تضرب عمق القطاع النفطي السعودي وتهدد شركة أرامكو الدجاجة التي تبيض ذهباً للمملكة وتكبد السعودية خسائر بمليارات الدولارات.
لا حديث إذاً عن جذب استثمارات خارجية للمنطقة، في ظل تصاعد مناخ التوتر الذي بات غير مقتصر على منطقة الخليج واليمن والعراق، والخلاف الأميركي الإيراني، والخلاف الخليجي الإيراني، بل بات يمتد لمنطقة شرق البحر المتوسط في ظل حديث عن حرب محتملة بين دول المنطقة حول منابع النفط والغاز في المياه الإقليمية، واشتعال الحرب على الأراضي الليبية مع وصول قوات تركية إلى العاصمة طرابلس.
ولا حديث ملموس في المملكة عن تنمية اقتصادية حقيقية داخل دول المنطقة، تنمية هدفها تحسين الوضع المعيشي للمواطن، وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين، وفتح مصانع جديدة، وزيادة موارد النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات مهمة مثل الاستثمارات الأجنبية والسياحة في ظل صوت الرصاص، كما يقول الإعلام الرسمي.
المجهول أصبح يتهدد المملكة التي أضحت في عهد بن سلمان خيراتها لغيرها وليست لأبنائها، وملياراتها واحتياطياتها من النقد الأجنبي مودعة في البنوك الأميركية والأوروبية، ومستثمرة في عقارات وبورصات لندن وباريس وجنيف وزيورخ.
الواقع أن المملكة ابتليت بحاكم متهور لا يهمه مصالح شعبه بل همه الأول هو التمسك بكرسيه وعرشه وسيطرته على الحكم عبر إرضاء حلفائه في واشنطن على حساب مستقبل بلاده.
فمنذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة وهو يعمل على سحب مئات مليارات الدولارات من خزينة المملكة مستغلا تبعية نظام آل سعود خاصة محمد بن سلمان له.
إذ محمد بن سلمان لم يتردد في كشف كل أوراقه دفعة واحدة أمام فريق الرئيس الأمريكي المنتخب، ولم يبخل عليه بالوعود الاستثمارية والهبات المالية والبشرية. وحوّل مملكته إلى أداة تنفّذ المصالح والمطامع الأميركية في المنطقة.
وتعرض وثائق سرية سعودية تعود إلى العام 2016، يومَ شاحت أنظار الدول والشعوب نحو ذاك الرجل “المتعجرف” الذي سيحكم الولايات المتحدة.
وهناك دول تسعى لفهم ما تريد أميركا في إطار مخاصمتها وأخرى لمجاراتها، أمّا ابن سلمان في حِراكه السياسي والاقتصادي، ومن خلال الوثائق التي تنشرها المصادر الاعلامية بالتزامن والتعاون مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فيظهر كالجاري نحو استعبادِه.
في زمن تخلّصت فيه البشرية، أو تكاد، من الرِق، يهرول رجل قابض على ثروات مهولة يحرم منها شعبَه و”إخوانه العرب والمسلمين”، نحو “سيّد أبيض” ليقول له هذا مالي وشعبي وديني، خذه إنه مُلكك، واعطني كرسياً إلى جوارك.
وكانت زيارة ترامب التاريخية إلى المملكة، مخططاً لها مسبقاً، وهذا يشي بـ “تلاعبٍ” من قبل حكومة أجنبيّة برئيس أميركي.
القانون الأميركي لا يسمح بمناقشة حكومة أجنبيّة في السياسة الخارجيّة من دون تكليف رسمي من قبل السلطة التنفيذيّة.
لكن ولي العهد مستعجل ولا يرى سوى رئيس جديد ليسرع نحو ملاقاته في أول الطريق.
وسعت الرياض مبكراً لفهم ترامب وفريقه, وجنّدت مقابل المال عدداً من النافذين بمن فيهم كينيث دوبرستين (كبير موظفي البيت الأبيض في عهد ريغان).
وتوصّلت مبكراً إلى أهميّة جاريد كوشنر, “صهر الرئيس الامريكي”، في الأشهر الأخيرة، من يتخطى الأعراف الديبلوماسية ليرسم سياسات في المنطقة عبر الرسائل القصيرة مع صديقه وشريكه في رحلات الصيد (ولي العهد).
وفي تشرين الثاني من العام 2016، قدّم فريق ابن سلمان لترامب عرضاً شاملاً، سياسياً وعسكرياً وأمنياً وثقافياً.
وعرض لا يحتمل التفكير فيه مرّتين. ماذا ينقصنا لنكون حليفاً لكم كإسرائيل.
وحتى “الإصلاحات” التي ظهرت في الوثائق كانت موجهة للرأي العام الأميركي (من قيادة المرأة للسيارة إلى “محاربة التطرف” والانفتاح الإعلامي والثقافي) لا للمواطنين السعوديين.