تواجه المملكة عدة تحديات بفعل فشل آل سعود وفساد رموزه وتخبط سياساته على كافة المستويات، لكن أصبح أحدثها وربما أبرزها الأزمة الاقتصادية المتفاقمة خلال السنوات الأخيرة.
وتعد أبرز شواهد تحديات الأزمة الاقتصادية للملكة ما يعانيها اقتصادها من عجز متفاقم بالموازنة السنوية من جهة وهروب الاستثمار الأجنبي من جهة أخرى.
يدعم ذلك حقيقة أن رأس المال الأجنبي لن يستثمر في مشاريع طويلة الأجل في بلد لا يعاني فقط من غياب الحريات السياسية والاقتصادية فقط، بل والاجتماعية كذلك وذلك بفعل سياسات نظام آل سعود.
وأضحت موازنة المملكة منذ سنوات تصدر بعجز متزايد بعد عقود من الفوائض النفطية الضخمة. موازنة السنة القادمة 2020 صدرت بنفقات متوقعة تصل إلى 272 مليار دولار منها عجز متوقع بحدود 50 مليارا مقابل 35 مليارا في ميزانية العام الجاري 2019. ومع العجز الجديد يتوقع وصول مجموع العجز في موازنات المملكة منذ عام 2014 إلى نحو 435 مليار دولار.
ومع بقاء سعر برميل النفط بحدود 60 دولارا وضعف معدل النمو الاقتصادي وتكاليف التسلح والأمن والحرب في اليمن، فإن على المملكة الاعتماد على مزيد من القروض وزيادة الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات؛ إضافة إلى خصخصة شركات قطاع الدولة لسد العجز المتزايد في الموازنة وتمويل مشاريع البنية التحتية الطموحة.
في هذا الإطار جرت أول عملية خصخصة شملت بيع 1,5 بالمائة من شركة أرامكو النفطية على شكل أسهم بعوائد تجاوزت 25 مليار دولار لكنها اقتصرت على الاستثمارات المحلية فقط دون أي مشاركة أجنبية.
كما أن هذه العوائد على أهميتها لا تشكل سوى جزء يسير من الأموال اللازمة لصندوق الثروة السيادي الذي تتم من خلاله أيضا تمويل مشاريع الخطة الطموحة “رؤية 2030”.
وقد أطلق هذه الرؤية بقيمة 2000 مليار دولار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2016 بدعوى تحديث المملكة ونقل اقتصادها من الإدمان في الاعتماد على النفط، إلى عصر الاعتماد على مصادر دخل متعددة كالسياحة والصناعات التحويلية.
حتى الآن تمكن نظام آل سعود من سد قسم كبير من عجز موازنات المملكة عن طريق فرض وسائل متعددة أبرزها فرض ضرائب ورسوم جديدة إضافة إلى الاقتراض ومصادرة أموال أمراء وأثرياء متهمين بالفساد.
غير أن السؤال المطروح هو كيف السبيل إلى تمويل مشاريع “رؤية 2030” بتكاليفها الضخمة رغم أن غالبية أموال الخصخصة من نصيبها؟ ويُخص بالذكر من هذه المشاريع مدينة “نيوم” للعلوم والتكنولوجيا على البحر الأحمر التي ستصل تكلفتها لوحدها إلى نحو 500 مليار دولار؟.
ويكتسب هذا السؤال مشروعية أكثر إذا أخذنا بعين الاعتبار أن خصخصة شركات قطاع الدولة بالكامل غير وارد، لأنه يشكل الأرضية الاقتصادية التي يقف ويستند عليها حكم العائلة السعودية التي تحكم بشكل مطلق.
في مجال التحديث شهدت المملكة منذ الإعلان عن الرؤية خطوات انفتاح اجتماعي وثقافي أعطت للمرأة مشاركة أكبر في سوق العمل وسمحت بأنشطة ثقافية متنوعة. كما شهدت فرض ضرائب ورسوم جديدة بينها ضريبة للقيمة المضافة بنسبة 5 بالمائة.
غير أن عوائد هذه الخطوات لا تكفي لتغطية نفقات الدولة المتزايدة وخاصة في مجالي التسلح والأمن. وقد انفقت الرياض عليهما خلال العامين الماضيين نحو أكثر من 120 مليار دولار لتحتل بذلك المرتبة الرابعة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا.
ومما يعنيه ذلك مستقبلا فرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن خدمات وسلع أبرزها مصادر الطاقة. كما يعني خصخصة أجزاء إضافية من أرامكو ومؤسسات حكومية أخرى.
وفيما يتعلق بمشاريع “رؤية 2030” تظهر خبرات السنوات القليلة الماضية تقدما بطيئا في تنفيذ مشاريعها.
ولا يعود ذلك إلى تراجع إيرادات الدولة مع استمرار انخفاض أسعار النفط وحسب، بل أيضا إلى عزوف الاستثمارات الأجنبية عن الاستثمار المباشر في المملكة. وتكمن المشكلة في أن تنفيذ مشاريع الرؤية يحتاج إلى رؤوس أموال وخبرات أجنبية لا توفر السوق السعودية عناصر الجذب الكافية لها.
ويعكس الأداء الضعيف والفشل في تنفيذ مشاريع الرؤية والإنفاق العام تراجع معدل النمو الاقتصادي الفعلي إلى ما دون 1 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية واستمرار ارتفاع معدل البطالة الرسمي إلى أكثر من 12 بالمائة، في حين أن المعدل الفعلي أكثر من ذلك بكثير وخاصة في صفوف الشباب.
وعلى ضوء النتائج غير المرضية ذكرت وكالة “بلومبيرغ” للأنباء أن بن سلمان غير راض عن سير عملية تنفيذ مشاريع الرؤية وأن هناك حاجة لإعادة النظر فيها.
ويدل على عدم الرضى قول وزير المالية السعودي محمد الجدعان في تصريح للوكالة بأن مراجعة الخطة تجري كل عام بناء على المعطيات المستجدة.
ومن تبعات ذلك خفض البرامج والمشاريع ودمجها أو تعديلها إضافة إلى استبدال مجالس إدارتها. وهذا ما حصل مؤخرا في “شركة القدية للاستثمار” حيث تأخر إنجاز مشاريعها السياحية غرب العاصمة الرياض. وهو الأمر الذي دفع بن سلمان إلى التدخل شخصيا من أجل “تصحيح الوضع” حسب مصادر إعلامية مقربة من الحكومة السعودية بينها صحيفة “سبق”.
وقد تلقت المملكة منذ إطلاق الرؤية ضربات قوية زعزعت الثقة بمستقبل الاستثمار فيها. وتمثل أبرزها مؤخرا في الهجمات التي تعرضت لها شركة أرامكو النفطية في سبتمبر/ أيلول 2019، والتي أدت خلال دقائق إلى تعطيل نصف الانتاج النفطي السعودي.
وقبل ذلك أدت جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بطريقة مروعة في القنصلية السعودية بمدينة اسطنبول إلى جعل صورة السعودية أكثر سوداوية وقتامة، لاسيما في عالمي السياسة والاقتصاد.
وبما أن تنفيذ مشاريع الرؤية الطموحة يعتمد على الاستثمارات والخبرات الاجنبية بشكل كبير، فقد أصبح من غير الواقعي المراهنة على “رؤية 2030” بالشكل الذي تم فيه الإعلان عنها. وقد يكون من الأفضل التخلي عنها والتركيز على تحديث البنية التحتية في المدن والأرياف بدلا من بناء مدن ومجمعات جديدة معزولة عن المجتمع السعودي.