بمجرد أن رشحت لأم قصي الحداد تسريبات تتحدث عن قرار سعودي قريب بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في السعودية، منهم والدها كمال الحداد وأخيها يحيى.
سارعت إلى تجهيز منزلها بمدينة غزة لاستقبالهما كما تستقبل العيدين وشهر رمضان المبارك.
لكن “أم قصي” اكتشفت أن تلك التسريبات كانت متسرعة كثيرًا، فقد أجَّلت محكمة سعودية، الاثنين الماضي.
جلسة النطق بالحكم على أكثر من 60 فلسطينيا وأردنيا موقوفين في سجون السعودية، حتى 21 يونيو/حزيران المقبل، رغم انتهاء جلسات المحاكمة التي استمرت عامًا كاملًا.
قرار أنزل دمعة “أم قصي” ومسحت بها الأمل الذي تعلَّقت به، تعاتب نفسها “ياريتني ما سبَّقت الأمور”، فبدلًا من أن تعانق والدها الأيام المقبلة، ستنتظر أشهرًا أخرى “ويا عالم شو مصيره!”.
وتضيف: “شعرنا ببعض الأمل نتيجة التسريبات بالإفراج عن المعتقلين بعد ما حدث من تأخير بالنطق في الحكم، ثم يأتي الحكم ويؤجَّل خمسة أشهر أخرى. زاد مخاوفنا ترجيح المحامي أن يكون هناك أحكام”.
“ألم تكتفِ المحكمة السعودية بمدة السجن؟”.. سؤال مليء بالقهر ينتفض بصوت أم قصي في حديثها الهاتفي مع صحيفة “فلسطين”.
حظيت أم قصي التي يحترق قلبها شوقًا لمعانقة والدها، بفرصة سماع صوته الأسبوع الماضي ولعلها بردت نيران الخوف المشتعلة بداخلها منذ لحظة اعتقاله.
“أبي قال في الاتصال، إنه صابر ويحتسب أجره عند الله، ودعانا إلى التفاؤل”.
تستذكر ردها عليه: “نقلت له الأخبار المتواترة والتسريبات بأن هناك احتمالية للإفراج عنه”
تعلق بأسى: “للأسف أبعد ما توقعته أن يتم تأجيل المحاكمة، وكذلك نقلوه من سجن (حائر) بالرياض إلى سجن (أبهى) في عسير جنوب السعودية”.
تنقل مشهد وقع الخبر على قلوب أبناء العائلة والذي شابه صاعقة ضربت قلوبهم: “إخوتي اللي أصغر مني صاروا يبكوا، ومرت أخوي يحيى وأولادها”.
كلمات عامية امتزجت بدموع تحشرج صوتها بانكسار ممزوج بالألم، ودموع لا تملك مقدرة على وقفها.
مطلب صحي إنساني “نحن متخوفون على الوضع الصحي لأخي محمد، لكونه مريضًا بالسرطان ويحتاج إلى رعاية ومتابعة طبية وصحية.
فعمره كذلك ناهز 83 عامًا، والعيادات الطبية في السجون السعودية لا تفي بالغرض الطبي المطلوب”.
تخوُّفٌ يملأ قلب عبد الماجد الخضري شقيق المعتقل محمد الخضري وعم المعتقل هاني، ممزوج بصدمة قرار السعودية تأجيل النطق بالحكم ليونيو.
فاجأ القرار القضائي السعودي شقيق الخضري كغيره من أهالي المعتقلين، “القرار غريب وغير قانوني وغير أخلاقي، فوضعه الصحي يستوجب الإفراج عنه وليس استمرار اعتقاله”.
ولم يقتصر الوضع الصحي لشقيقه على ذلك، مضيفًا: “يعاني صعوبة في المشي، حتى أقل شيء تركيب سن له سقط من جسر أسنان، غير أنهم لم يفعلوا، ولا يستطيع تحريك يده اليمنى ويحتاج إلى شخص يطعمه”.
“كما أن الوضع النفسي له سيِّئ، خاصة أنه توقع أن يفرج عنه، لكن للأسف لا مجيب”.
يعلِّق على دعوة منظمة العفو الدولية للسلطات السعودية بالإفراج عن شقيقه، وانتقادها حرمانه العلاج وإهماله.
متهكمًا بلهجة عامية: “ما احنا إلنا سنتين بنروح لمؤسسات حقوق الإنسان لكن فش نتيجة، وهاي الدعوات لا تلقي السعودية لها بالًا ومطلوب قرار من فوق”.
عائلة الخضري واحدة من 68 عائلة، تعاني ظروفًا حياتية سيئة في السعودية.
يقول الخضري وعلى مدخل فمه تتزاحم كل عبارات الانزعاج: “توقعنا أن يتم الإفراج الطبي عنه، فقد قدَّم طلبًا للإفراج وافق عليه القاضي السعودي”.
“إلا أنه تعطل لعدم وجود رئيس للمحكمة، وحتى مع تعيين رئيس جديد لم يُتَّخذ الإجراء بعد، كما أن نجله هاني يعاني آلامًا في الظهر”.
مؤخرًا نُقل الخضري من سجن “ذهبان” السياسي في مدينة جدة إلى سجن بمدينة عسير جنوب السعودية.
ويقتصر التواصل بينه وبين عائلته على الاتصال الهاتفي كل أسبوعين لعدة دقائق، بعدما كانت العائلة تزوره مرة واحدة كل ثلاثة أشهر.
وفي 9 سبتمبر/ أيلول 2019، أعلنت حماس اعتقال القيادي بالحركة محمد الخضري ونجله، وقالت إنه كان مسؤولًا عن إدارة العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، كما تقلَّد مواقع قيادية عليا في الحركة.
عبد الحميد العقاد خال المعتقل في السعودية عصام العقاد وابن عم المعتقلَيْن عمار وبلال، يحتار في اختيار أنسب الكلمات في وصف القرار: “احنا شو ما بدها السعودية بتعمل لا حول لنا ولا قوة على قاعدة اللي حاكمك حاكمك (..). احنا من الآخر سلمنا أمرنا لله وبس”.