طرح الاجتماع الذي دعت إليه وزارة الخارجية في نظام آل سعود واحتضنته الرياض، لاختيار “كتلة المستقلين” داخل الهيئة العليا للمفاوضات السورية، أكثر من تساؤل عن أهداف المملكة خلف هذا التحرك.
وتؤكد مصادر في المعارضة السورية أن نظام آل سعود يقود حراكاً لإدخال تغييرات على تركيبة الهيئة، بهدف تقليص نفوذ تركيا داخلها.
وخرج الرئيس الحالي للهيئة نصر الحريري، بمؤتمر صحافي في إسطنبول لمعاتبة المملكة على قيامها بهذه الخطوة، التي حملت الكثير من الكتل داخل الهيئة على الاعتراض عليها، بحسبه.
وعلى الرغم من أن الحريري أكد “دور السعودية وأهميتها كدولة محورية إقليمية”، مضيفاً أنه “لا يمكن أن ينكر أحد الدعم الذي قدمته المملكة للشعب السوري بكل المجالات”، إلا أنه أشار إلى وصول “اعتراضات من مكونات أساسية في هيئة التفاوض على آلية عقد الاجتماعات”، موضحاً “أن تلك الاعتراضات جاءت وفق مبدأ قانوني، إذ لا يوجد سند قانوني لعقد مثل هذه الاجتماعات، إضافة إلى أنها كانت بحاجة إلى تشاور وتنسيق وانخراط جميع الأطراف السورية، وذلك بهدف ضمان وجود أوسع قاعدة تمثيل، وهو ما سيكون في مصلحة السوريين والقضية السورية”.
وحذّر الحريري من انقسام المعارضة السورية، ورأى أنه يهدد عمل اللجنة الدستورية التي طال انتظارها، ويعطي الحجة للنظام لتعطيل عملها، وهو ما يهدد العملية السياسية برمتها. وطلب من المملكة وقيادتها “النظر في النقاط التي ذُكرَت، وأن يتذكروا مأساة الشعب السوري، وينظروا إلى مخرج بالحوار الدبلوماسي الهادئ الذي يهدف إلى تجاوز هذه المسألة”.
ولمّح إلى أن “حماية المعارضة من الانقسام هي بيد الإخوة في المملكة”، داعيا إلى عدم العودة بالمعارضة السورية إلى سنين خلت من انقسامات وتجاذبات.
إلا أن الهدف الرئيسي من اجتماعات الرياض بانتخاب “كتلة المستقلين” داخل الهيئة حصل فعلاً، خلال الجلسة المخصصة لذلك يوم أمس السبت، فانتخب الحاضرون، البالغ عددهم 66 من أصل 70 من المدعوين بعد تعذّر وصول 4 منهم لأسباب لوجستية، ثمانية أعضاء ليشكلوا “كتلة المستقلين”، وهم: مهند القاطع، وبسام العيسمي، ونبراس الفاضل، وعبد الباسط الطويل، وهند مجلي، ومنى أسعد، وصبيحة خليل، ويسرى الشيخ. واعتُمد مبدأ المناصفة بين الذكور والإناث في آلية الانتخاب والفرز، علماً أن الدعوة الموجّهة من قبل الخارجية السعودية إلى قائمة الحضور، أشارت إلى وجوب تمثيل 30 في المائة من السيدات، وإلى أن نسبة الـ50 في المائة كانت حاضرة لمصلحة “الكوتا” النسائية من الحضور.
يشار إلى أن المرشح سليم بشارة حاز 29 صوتاً ولم ينجح، بينما حصلت المرشحة يسرى الشيخ على 25 صوتاً ونجحت، بعد تطبيق تلك القاعدة.
وسيشكل هؤلاء “المستقلون” الثمانية، كتلة داخل الهيئة البالغ عدد أعضائها 36 عضواً، موزعين أو مرشحين أساساً من قبل كتل مختلفة، هي: الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة (8 ممثلين)، و”هيئة التنسيق” (5 ممثلين)، والفصائل المسلحة (7 ممثلين)، و4 ممثلين لكل من منصتي موسكو والقاهرة.
كذلك انتخب المشاركون في اجتماع الرياض، أعضاء للأمانة العامة لـ”كتلة المستقلين”، التي أفضت إلى نجاح كل من عبير كمون، وسناء الكسر، وسناء حويجه، وبديع أبو حلاوة، ورضوان أبو فخر، ومحمد فوزي الكراد، وفاضل الرفاعي، وتامبي قاسم، وأسامة عاشور، وعبد الرحيم خليفة، وبيان الأطرش، وأحمد شلاش، وعماد المصبح.
ومعظم الأسماء، من الحاضرين أو المنتخبين سواء لقائمة المستقلين أو لعضوية الأمانة العامة للاجتماع، لم يكن لهم دور فاعل في تشكيلات المعارضة السورية، ولم يبرز أسمهم بشكل حقيقي ضمن المحطات السياسية التي واكبت الثورة السورية.
وقال العميد فاتح حسون، عضو الهيئة بناءً على اجتماع الرياض 2 عن كتلة المستقلين السابقة، إنّ من “المستغرب كيف قامت اللجنة التحضيرية بدعوة من اعتبرتهم مستقلين ومعظمهم يتبع لأحزاب وتكتلات سياسية، والبعض الآخر تربط أواصر القربى بعضهم ببعض، فيما استثنت من حضر مؤتمر الرياض 2 من المستقلين ذوي التأثير والرأي والمكانة، وكأن هناك تدبيراً مقصوداً لذلك، ناتجاً من تباين المواقف من الأحداث في سورية، واستبعاد مقصود للمنخرطين بشكل فاعل في عمليات محاربة الاٍرهاب، وإدارة المناطق المحررة، ويتمتعون بحنكة سياسية، وتوافق دولي”.
وذكر حسون “لا يعتقدنّ أحد أن الأمور ستنتهي عند هذا الحد، بل للأسف ستكون هناك تداعيات سلبية، وستفقد هيئة التفاوض الجزء الذي كان معها من شعبية وتجاوب الشارع الثوري، إن لم تتدخل قيادة السعودية وتصحح ما حدث، وهذا ما نتمناه منها، وهي الحريصة على وحدة المعارضة السورية، ودعم الشعب السوري ووحدته”.
وتأتي هذه الخطوة السعودية لإعادة هيكلة هيئة التفاوض، بعد جولتين من عمل اللجنة الدستورية، التي انطلقت بعد جهود أممية مكوكية وشاقة من قبل المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، إذ تقود الهيئة قائمة المعارضة فيها.
ويشير أعضاء من الهيئة إلى أن هذه الخطوة ستؤثر بسير عمل اللجنة في الأيام المقبلة، علماً أن الجولة الثانية من عمل اللجنة وصفت بالفاشلة، بعد رفض النظام الدخول إلى أروقة اجتماعاتها من دون الموافقة على شروط وبنود تقدم بها قبيل انطلاق الجولة، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وبعد توارد الأنباء عن دعوة السعودية إلى هذا الاجتماع، صوبت اتهامات نحو الرئيس الحالي لقائمة المعارضة للجنة الدستورية، هادي البحرة، بالوقوف وراء ترتيب الاجتماع، مع الحديث عن نيّته إطاحة الرئيس الحالي لهيئة التفاوض نصر الحريري.
ويحاول نظام آل سعود تقليص نفوذ تركيا داخل هيئة المعارضة التركية، وفتح المجال لضمّ شخصيات جديدة لا تبدي ولاءً لأنقرة، وتسعى كذلك إلى “تشكيل مرجعية للمستقلين، لتكون هي صاحبة الكلمة عليهم، من دون احتسابهم على أحد المكونات”.