انطلاق “المجلس الوطني للإنقاذ” لمواجهة استبداد محمد بن سلمان
تسارع وتيرة توحيد المعارضة السعودية في المنفى

في تطور لافت يعكس تنامي حالة التململ السياسي في أوساط الشتات السعودي، أعلنت مجموعة من النشطاء والمعارضين السعوديين في الخارج، رسميًا، عن تأسيس “المجلس الوطني للإنقاذ”، ككيان جامع يسعى إلى توحيد جهود المعارضة في مواجهة “الاستبداد المطلق” لنظام ولي العهد محمد بن سلمان، وفشل سياساته على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
جاء الإعلان عبر بيان مؤسس مطوّل حدد فيه المجلس رؤيته السياسية ومبادئه الأساسية وأهدافه العامة، في وقت تشهد فيه المملكة تصعيدًا غير مسبوق في القمع السياسي، وتزايد حملات الاعتقال، وتراجعًا حادًا في الحريات العامة، إلى جانب تفاقم الأزمات الاقتصادية الناتجة عن سوء إدارة الموارد والإنفاق المفرط على مشاريع دعائية.
وحدة متأخرة ولكن ضرورية
يمثّل تشكيل “المجلس الوطني للإنقاذ” أول محاولة منظمة لتوحيد أصوات المعارضة السعودية تحت مظلة سياسية واحدة منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة فعليًا عام 2017.
وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الجهود الفردية والبيانات المتفرقة والمبادرات المحدودة، والتي فشلت في صياغة رؤية موحدة أو استراتيجية مشتركة لمواجهة نظام الحكم الفردي القائم.
ويرى مراقبون أن هذا الإعلان يشير إلى انتقال المعارضة من مرحلة “رد الفعل” إلى مرحلة “تنظيم الفعل”، من خلال كيان له خطاب سياسي واضح يربط بين التدهور الشامل الذي تعيشه المملكة، والخلل الجذري في بنية السلطة.
بيان التأسيس: تشخيص شامل للنظام
وصف البيان التأسيسي للمجلس النظام السعودي الحالي بأنه “سلطة مستبدة أهدرت الموارد بالفساد، وأغرقت المجتمع في الانحطاط، وكرّست الظلم والقمع”، مضيفًا أنه “تنكّر لمسؤولياته تجاه قضايا الأمة وخان واجباته الإسلامية والعربية”.
وتكمن أهمية هذا البيان في أنه لا يكتفي بإدانة القمع أو المطالبة بالإصلاح الجزئي، بل يطرح تصورًا جذريًا لمشكلة الحكم، معتبرًا أن “الخلل الأساسي هو في النظام السياسي القائم على الاستبداد المطلق، وتغوّل السلطة على الأمن والقضاء والدين والمؤسسات المدنية”.
رؤية سياسية مكتملة
ينطلق المجلس من رؤية تعتبر أن أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي مستحيل دون تغيير سياسي شامل يعيد السيادة للشعب، ويضمن الشورى والعدالة واستقلال القضاء.
ويضع في صلب مشروعه السياسي هدف “إعادة هيكلة المؤسسات الرسمية والأهلية على أساس العدل والشورى”، مؤكدًا أن الموارد البشرية والمادية للمملكة كافية لبناء دولة مزدهرة، لكنها “مُعطّلة بسبب استبداد السلطة وتبعيتها المطلقة”.
كما يُبرز البيان أن موقع المملكة الروحي والجغرافي يجعل من مسؤوليتها تجاه العالم الإسلامي مسؤولية عظيمة، “أهدرها النظام الحالي بخياراته السياسية المدمّرة وهرولته للتطبيع وتخليه عن قضايا الأمة”، في إشارة غير مباشرة إلى موقف الرياض من القضية الفلسطينية والحرب في غزة.
أهداف واضحة ومحددات أخلاقية
تحدد الوثيقة التأسيسية للمجلس مجموعة من الأهداف التي تشمل:
إقامة العدل والشورى وإنهاء الاستبداد والفساد.
حماية مقدرات البلاد وتوجيهها نحو تنمية مستدامة.
معالجة الأزمات الناتجة عن الظلم وسوء الإدارة.
استعادة الهوية الإسلامية والعربية للمملكة.
ويؤكد المجلس التزامه التام بالقيم الإسلامية والاجتماعية، مع توضيح أنه كيان مستقل لا يرتبط بأي دولة أو تنظيم حزبي، ويقتصر نشاطه على الشأن السعودي.
لحظة مفصلية في الشتات
يشير محللون إلى أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام مزيد من التنسيق بين الشخصيات المعارضة، التي تفرّقت جهودها في السنوات الماضية بين منظمات حقوقية وتيارات فكرية متباينة. كما قد تضع السلطات السعودية أمام واقع جديد يتمثل في كيان سياسي ناضج، يمتلك خطابًا جامعًا، وقدرة على تمثيل مطالب قطاع من السعوديين داخل وخارج المملكة.
ويأتي الإعلان وسط تصاعد القلق الدولي من القمع في السعودية، خاصة مع ما كشفته تقارير حقوقية عن اعتقال المئات بسبب تغريدات، ومحاكمات سرّية، وأحكام بالسجن لعقود طويلة على خلفيات سياسية.
تحديات كبرى في الطريق
ورغم الترحيب الحذر من أطراف في المعارضة بهذه الخطوة، إلا أن التحديات أمام “المجلس الوطني للإنقاذ” تبقى جسيمة، أبرزها القدرة على تجميع أكبر طيف من المعارضين، ووضع آليات عملية للتحرك، وكسب ثقة الداخل السعودي، في ظل ما تبذله السلطات من جهود ممنهجة لعزل المواطنين عن أي أصوات معارضة في الخارج.
كما أن نجاح المجلس سيعتمد إلى حد كبير على استقلاليته، وقدرته على العمل بعيدًا عن التجاذبات السياسية الإقليمية، وعلى تقديم نموذج بديل يستند إلى رؤية متماسكة لا تكرر إخفاقات النخب التقليدية، ولا تترك فراغًا قد تملأه أجندات خارجية أو تيارات غير وطنية.
وفي وقت تتزايد فيه مؤشرات الاحتقان داخل المملكة، وتشهد فيه السياسات الاقتصادية والاجتماعية تصدعات خطيرة، يأتي إعلان تأسيس “المجلس الوطني للإنقاذ” كمؤشر على دخول المعارضة السعودية في الشتات مرحلة جديدة من التنظيم والعمل الجماعي.
وإذا نجح هذا الكيان في تجاوز تحدياته الداخلية، والتواصل مع الداخل السعودي بطريقة مسؤولة وواقعية، فقد يشكل بداية مسار سياسي طويل لاستعادة حقوق الشعب وبناء دولة تقوم على العدل والمحاسبة، بعد عقود من الاستبداد المطلق.



