على غرار #معصيتي_راحتي: بث تشريعات وقيم معدلة لترويض المجتمع السعودي

منذ تصدر محمد بن سلمان المشهد في السعودية، اتخذ نهج واضح في إدارة الشأن الداخلي عبر تزيين المظهر الخارجي للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، مع تكثيف السيطرة على المؤسسات الدينية، وخلق مناخ تشريعي ومجتمعي يسهل التعايش مع ما كان يعد “حرامًا” يومًا، بل دعمه ببث تشريعات وقيم معدلة لترويض المجتمع السعودي.

وبحسب مراقبين فإن هذه الحملة الإعلامية الجارية يراد منها احتلال وعي المجتمع، تمتد إلى بث مقاطع فيديو معدلة بالذكاء الاصطناعي تحمل شعارًا مستوحى من هاشتاق مثل #معصيتي_راحتي، تهدف إلى دفع المجتمع لتقبل المحظورات، وتجميل التسلط على القيم، وتحويل القبول المجتمعي للتغير إلى عملية مدارة ومدروسة.

إصلاحات الواجهة.. وتسلط الخلفية

في ظاهر الأمر، قاد محمد بن سلمان إصلاحات اجتماعية كان يحتفى بها: المرأة تقود السيارة، السينما تفتح أبوابها، والأماكن الترفيهية تعد تحت “رؤية 2030”.

غير أن هذه الوجهة تحمل في خلفيتها تكلفة شديدة للمجتمع السعودي: فقد دأب النظام على ملاحقة الأصوات الدينية النقدية، واعتقال كبار العلماء، وقمع أي صوت مستقل.

وأشار تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية إلى أن “إصلاحات محمد بن سلمان رفقتها ملاحقة تعسفية لمنتقديه، واستمرار غياب مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات”.

كما تعمل مقالات تحليلية على إبراز أن ما يجري هو “غسيل صورة” لأمير سعودي يريد أن يربط بلده بإصلاح استثماري واجتماعي، لكن في الحقيقة يزيد قمعه.

تهميش المؤسسة الدينية وتحويل القيم

منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، أطلقت حملة لإعادة صياغة دور المؤسسة الدينية التقليدية.

ووفق مركز تحليل، فإن ابن سلمان تصدى لـ “هاوية الوهابية” بدلًا من الشراكة السابقة، معلنًا أن لا معصوم بين المفتين، وأن الفتاوى يجب أن تتغير وفق الزمان والمكان، مما شكل انقلابًا على مكانة العلماء التقليدية.

وفي سياق علاقة الدولة بالعلماء، يلاحظ حملة اعتقالات واسعة لمعارضين دينياً؛ فمسؤولون سعوديون أشاروا إلى أن من لا يرفض “التطرف” يعد تهديدًا، وهو ما انتقل إلى تصفية المعارضين القدماء أو إدراجهم ضمن “الإرهاب”.

إلى جانب ذلك، الترفيه صار جزءًا من الآلة الحكومية لتخفيف تأثير القيم الدينية التقليدية؛ تحولات في قطاع الثقافة والفنون والموسيقى تظهِر رغبة في خلق مجتمع “مستهلك وملهى” بدل مجتمع رباني تأسسي.

الإعلام المحرف: مقاطع الذكاء الاصطناعي وبث القبول

في زمن تتسارع فيه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يشاهد سعوديون مقاطع فيديو معدلة تروج لفكرة أن “المعصية” أو ما سبق أن كان من المحرمات باتت مقبولة، وأحيانًا ملفتة تحمل خطابًا بليغًا مثل “معصيتي راحتـي”.

ويتردد على نطاق واسع أن هذه الحملات مدعومة من شبكة ترويج تابعة للنظام، تستخدم لنشر إشاعات أو تبريرات اجتماعية لنشاطات الترفيه، والممارسات التي كان ينظر إليها سالفًا على أنها “خارج إطار القيم”.

ويعد هذا الأسلوب تطورًا في المعادلة الاجتماعية: بدلاً من فرض القيود بالبندقية الدينية فحسب، يصبح “التقبل الذاتي” أداة أكثر فعالية للتغير السلوكي، ما يجعل الفعل “محبذًا شعبيًا” بدلًا من كونه رد فعل على سلطوية مفروضة. النتيجة: مجتمع يعاش فيه التحول كأنه طبيعي، ما يقلل من الجرأة على الاقتراب من نقده أو إعادة التفكير فيه.

ما بين القوة والفساد: واقع الحكم السعودي

في الوقت الذي تروج فيه السعودية لنمط حياة “ترفيهي” حديث، تواصل المكتب الدولي لحقوق الإنسان والعديد من هيئات المراقبة القول بأن م.ب.س يعزز “استبدادًا محترفًا”. في موازاة حفلات الغناء والعروض، تخصص الدولة جزءًا كبيرًا من سلطتها الأمنية للقمع، وفق تحليلات أن “الإصلاح” تحدث على الواجهة، بينما تتعزز الآلة الأمنية في الخلفية.

كما أن بعض المؤسسات التي كانت تعتمد عليها الدولة لشرعنة نفسها دينيًا تعرضت لتغييرات جذرية تحت إشراف السلطات، بما في ذلك تغيير المناهج وملامح الخطاب الديني، ما يعني أن الإصلاح لا يهدف فقط إلى تحديث المجتمع، بل إلى توجيهه.

وفي نهاية المطاف، ما يحدث تحت قيادة محمد بن سلمان ليس مجرد تحديث اجتماعي أو فتح اقتصادي، بل هو مشروع لإعادة صياغة المجتمع السعودي من الداخل: تغيير القيم، تقويض المؤسسة الدينية التقليدية، فرض نمط استهلاكي بديل، واستخدام الإعلام والتكنولوجيا لتشذيب القبول الشعبي بهذه الرؤية. الإصلاح المعلن أصبح منصة للدعايات، بينما الواقع يعاني تأخرًا في الحريات ومضاعفة للقمع.

فبدل أن يطرح السؤال: “كيف نصبح أكثر إنسانية وعدالة؟” يطرح الآن: “هل تغيرنا هو لقاء لمستقبل أفضل، أم استبدال مخفي لحرياتنا القديمة؟”

ما يشهده السعوديون — وليس فقط من يعبر عن النقد في المنفى أو الإعلام — هو أن ما كان يطرح كتحرر، صار يقابل بإغلاق نقد أو سجن أو فقدان تأثير. وإن كانت الدولة تروج لنية “عودتنا” إلى اسلامٍ معتدل، فإنها في الوقت ذاته تعقم دور أولئك الذين حملوا القول والفتوى والفكر في السابق، وتحيله إلى موظفين تابعين.

وها هي مقاطع الـ AI تعلمنا أن “المعصية” أصبحت “تسلية”، والامتناع عنها أصبح عبئًا. وإن كانت التجربة تروج بعبارات مثل “معصيتي راحتي”، فإن الأهم أن نقرأ: من الذي قالها؟ ولماذا؟ ومن يستفيد منها؟ ومن يدفع ثمنها؟ في مجتمع يعيد إسماع صوته، ربما الأجدر أن يطرح السؤال: هل تغيرنا بارادتنا، أم بأننا تغيرنا لأننا لم نعد نسأل؟.