يجمع مراقبون على أن ولي العهد محمد بن سلمان يتخذ من محاربة الفساد شعارا من أجل التوسع في حملات القمع التي يمارسها بلا هوادة طعما في تعزيز حظوظه في تولي العرش والاستفراد بالسلطة.
ويقول المراقبون إن شعار محاربة الفساد يستخدمه بن سلمان كحصان طروادة لتحقيق أهداف ومآرب سياسية لتعزيز نفوذه وسحق أي معارضه.
ويعد استخدام تهم الفساد أسلوب قديم للزج بالمنافسين السياسيين المحتملين في السجن في عدة دول، وفي مقدمتها المملكة.
ويسعى بن سلمان إلى منع ظهور أي حالة مناهضة له داخل الأسرة المالكة أو في مؤسسات صنع القرار الأخرى، ولن يتردد في القضاء عليها طالما أنّها تُهدد ما عمل على تحقيقه منذ تسلّمه منصب ولي ولي العهد ومن ثم ولاية العهد.
وبحسب مراقبين فإن ما يُمكن الجزم به هو أن بن سلمان يسعى من خلال إعلان مثل هذه الاعتقالات يهدف إلى كسب ثقة الشارع والقول للسعوديين إنه لا يسعى للسلطة فقط بل أيضاً لمحاربة الفساد.
لكن الواقع يظهر للجميع أن المملكة تقوم على نظام حكم تتركز فيه سلطات الدولة الثلاث في شخص الملك وولي عهده، لذا فإن أي اتهامات أو محاكمات، وآليات الشفافية والمساءلة والمراجعة، غير موجودة، سواء في هذه الاعتقالات أو في غيرها.
ويرجخ المراقبون أن سلمان يفتقد أي ولاء من الأسرة المالكة ورجال الدين وقطاعات مهمة من المجتمع السعودي له، وربما لن يظل الملك سلمان وقتاً طويلاً بما يكفي ليلقي بظلال الدعم على ابنه وينتزع الولاء من الأمراء الساخطين، وهو ما يبدو من التخبط المستمر في القرارات داخل الأسرة الحاكمة.
كما أن بن سلمان وجد نفسه لا يحظى إلا بدعم والده من أجل تولي الحكم في البلاد، ما دفعه إلى اعتقال أقاربه وأمراء لهم قوتهم في المملكة، مروراً بقيادات أمنية وعسكرية، وصولاً إلى الموظفين في قطاعات حكومية مختلفة.
ولعل استخدام القوة ضد منافسيه مثلما حدث في نوفمبر 2017، عندما شن حملة اعتقالات واسعة ضمت أكثر من 10 أمراء مؤثرين، وكان تبرير تلك الخطوة أنها لمحاربة الفساد وتخليص المملكة من الكسب غير المشروع المتوطن بها، هي نفس الحجة التي استخدمها في حملته الأخيرة.
من جهتها قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية إن الاعتقال الجماعي الجديد من نظام آل سعود بحق 298 موظفا حكوميا للاشتباه في فسادهم يثير مخاوف حقوقية.
وطالبت المنظمة في بيان لها سلطات آل سعود بالكشف فورا عن التهمة والأدلة المتعلقة بكل محتجز، وضمان حصول المحتجزين على حقوقهم القانونية.
وبحسب المنظمة شملت حملة الفساد السابقة التي شنها نظام آل سعود في نوفمبر/تشرين الأول 2017، اعتقال عشرات رجال الأعمال البارزين، وأفراد العائلة المالكة، ومسؤولين حكوميين حاليين وسابقين لثلاثة أشهر في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض.
وذكرت أن سلطات النظام ضغطت على المعتقلين أثناء احتجازهم لتسليم أصولهم إلى الدولة مقابل إطلاق سراحهم بلا أي إجراءات قانونية معترف بها. ولا يزال بعض معتقلي نوفمبر/تشرين الثاني 2017 رهن الاعتقال دون تهمة، مثل نجل الملك الراحل عبد الله وحاكم الرياض السابق تركي بن عبد الله؛ والوزير السابق عادل الفقيه؛ والمقاول بكر بن لادن.
قال مايكل بَيج، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “مكافحة الفساد ليست عذرا للانتهاك الفاضح للإجراءات القانونية ومنع الناس من إقامة دفاع مناسب. ينبغي للسلطات السعودية، نظرا لسجلها الحافل بالانتهاكات، إجراء إصلاحات أساسية للنظام القضائي لضمان عدم تعرض المتهمين لإجراءات قانونية ظالمة”.
في 15 مارس/آذار 2020، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية (واس) عن الاعتقالات الجديدة، مشيرة إلى أن “هيئة مراقبة الفساد” في الدولة السعودية حقّقت جنائيا بشأن 674 من موظفي الدولة وأمرت باحتجاز 298 منهم بتهم “فساد مالي وإداري تمثلت في جرائم الرشوة، واختلاس وتبديد المال العام، واستغلال النفوذ الوظيفي، وسوء الاستعمال الإداري”.
ومن بين المعتقلين ضباط جيش حاليون ومتقاعدون، ومسؤولو صحة، وضباط أمن تابعون لوزارة الداخلية، وقضاة. قال البيان إن إجمالي المبالغ التي أقروا بها بلغ 379 مليون ريال (101 مليون دولار).
وقالت المنظمة الدولية إنه خلال جولة اعتقالات الفساد السابقة، انتهك نظام آل سعود بشدة حقوق رجال أعمال سعوديين بارزين وأفراد من العائلة المالكة ومسؤولين حكوميين احتجزوا في ريتز كارلتون بين نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وفبراير/شباط 2018.
وأضافت “ضغطت السلطات على المعتقلين لتسليم أصولهم مقابل إطلاق سراحهم، وأفادت وسائل الإعلام بأن العديد من المعتقلين أبرموا صفقات مقابل إطلاق سراحهم”.
وفي مارس/آذار 2018، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” أن سلطات آل سعود استخدمت الاعتداء الجسدي لإجبار المعتقلين على تسليم الأصول، مشيرة إلى أن 17 محتجزا على الأقل احتاجوا إلى دخول المستشفى.
في 31 يناير/كانون الثاني، نشرت “وكالة الأنباء الرسمية (واس) بيانا للديوان الملكي، جاء فيه أن لجنة مكافحة الفساد، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، “أنهت أعمالها” بعد استدعاء 381 شخصا لتقديم أدلة. وقال البيان إنه أُفرج عن الأشخاص الذين لم توجه إليهم تهم بالفساد، في حين وافق 87 على التسوية، ولم يُمنح 56 آخرون تسوية “لأنهم قيد التحقيقات”.
وقال البيان إن السلطات أحالت ثمانية آخرين إلى النيابة العامة بعد رفضهم التسوية. وخلص البيان إلى أنه نتجت عن الحملة “استعادة أموال للخزينة العامة للدولة تجاوزت في مجموعها ( 400 ) مليار ريال [107 مليار دولار] متمثلة في عدة أصول من عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك”. ولم ينشر المسؤولون السعوديون أي معلومات إضافية حول محاكمات الفساد الناجمة عن هذه الاعتقالات أو أولئك الذين ما زالوا معتقلين مثل تركي بن عبد الله.
قال مصدر مطلع قريب من ستة من محتجزي ريتز كارلتون لـ هيومن رايتس ووتش إنه رغم توصل معظم المعتقلين إلى تسوية وإطلاق سراحهم، لا يزالون يخضعون لمراقبة السلطات الصارمة، حتى أولئك الذين عادوا إلى مناصبهم السابقة في شركاتهم أو في إدارة أصولهم المالية.
وأضاف أن السلطات أجبرت، في بعض الحالات، معتقلين سابقين على العودة قسرا إلى شركاتهم أو مناصبهم السابقة أو أجبرتهم على قبول مناصب جديدة.
يحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان الحقوق الأساسية، بما فيها الحق في عدم الاحتجاز التعسفي. يجب أن تكون أي اتهامات توجهها السلطات متعلقة بجرائم مُعترف بها. يجب على الأقل إبلاغ المحتجزين بالأسباب المحددة لاعتقالهم، وأن يكونوا قادرين على الاعتراض على اعتقالهم بشكل عادل أمام قاض مستقل ومحايد، والوصول إلى محام وأفراد العائلة، ومراجعة قضاياهم بشكل دوري.
قال بَيج: “تريد السلطات السعودية الإعلان أنها تريد استئصال آفة الفساد، لكن الطريقة الصحيحة هي التحقيقات القضائية الجادة والعادلة في المخالفات الفعلية، وليس الاستعراض باعتقالات جماعية غير قانونية”.