باتت مشاهدة قردة البابون بكثرة في قرى وطرق خارجية بالسعودية ظاهرة محببة لزوار هذه المناطق، ومزعجة لسكانها وللجهات الحكومية أيضاً.
بحثها عن الطعام يجبر هذه القرود على الاقتراب من البشر دون أن تبدي أي خوف منهم، بل إنها تعتبر مصدر خطر لكثيرين باقتحامها القرى والشوارع والمدارس أيضاً.
وفي حين تحاول الجهات الرسمية وضع حد لهذه الظاهرة، يأخذ السكان المتضررون من قردة البابون احتياطاتهم أيضاً؛ لمنعها من إلحاق الضرر بهم وبممتلكاتهم.
وبحسب ما ذكرته صحيفة “الوطن” المحلية، لجأ سكان قرية “أم الخشب” على ضفاف وادي يبة بمركز القوز في أبها، جنوب غربي المملكة، إلى نشر الأقمشة والملابس التالفة على الأشجار البرية المنتشرة في القرية؛ لحمايتهم من القرود التي تتسلل وتتلف ممتلكاتهم.
وبحسب سكان القرية، فإن تلك الأقمشة ثبت أنها تخيف القرود وعديداً من الحيوانات البرية؛ لذلك دأبوا على استخدامها منذ سنوات.
وأسباب انتشار البابون طبقاً لهيئة الحياة الفطرية في المملكة، هي الاحتطاب والرعي الجائر، والبحث عن مصادر بديلة للغذاء، ورمي النفايات في غير أماكنها المخصصة، وتخلّص المطاعم من النفايات الغذائية بطرق غير سليمة، وتغذية مرتادي الطريق للقرود.
وبحسب هيئة الحياة الفطرية، فإن انتشار قردة البابون أصبح ظاهرة في جنوب غربي البلاد، تلحق ضرراً بالمزارع والمناطق السكنية.
وأشارت إلى أن الأضرار التي تلحقها هذه القرود، هي ترويع الأهالي ونقل الأمراض ودخول المنازل والعبث بالممتلكات والمنازل.
وينشر مواطنون باستمرارٍ تعرُّضهم لهجمات من قردة البابون، كان من أبرزها تعرض منازل ومزارع المواطنين في محافظة “فيفاء” شرقي منطقة جازان، مطلع العام الجاري، لهجوم من قِبل هذه القردة، التي ألحقت الضرر بالممتلكات.
ووفقاً لصحيفة “تواصل”، قال أحد السكان: “نشعر بالقلق بعد أن هاجمت القرود المنازل وتسببت في تخريب المزارع وتلويث مياه الشرب”.
وأضاف: “القرود بدأت الزحف إلى مواقع عالية وأماكن مأهولة بالسكان، لم تكن تصل إليها في السابق، وهذا ما يدعو إلى تحرك الجهات المعنية والمسؤولة عن مكافحتها قبل انتشارها وصعوبة السيطرة عليها”.
وناشد الأهالي أمانة منطقة جازان والجهات المسؤولة، تفعيل دور مكافحة “قرود البابون” بجبال فيفاء، عقب توسعها في الانتشار.
ونشر موقع صحيفة “سبق” المحلية في نوفمبر 2019، مقطعاً مصوراً تظهر فيه القرود وقد هاجمت سطح مَدرسة بنات بقرية الزيما شرقي مكة المكرمة، وانقضَّت على وجبة إفطار المعلمات بالمدرسة ذاتها، وسط هلع وخوف المعلمات اللاتي وثَّقن الحادثة.
وتداول عدد كبير من مستخدمي مواقع التواصل المقطع المصور، مع تحذيرات من انتشار القرود وتسللها للمنازل والمؤسسات ومنها التعليمية.
وبحسب “سبق”، تلقَّت أمانة مكة المكرمة بلاغات في هذا الشأن بقرى مجاورة، وأكدت أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة حيال ظاهرة سطو القرود على المنازل ونحوها.
وتجد القرود الجائعة ضالتها في الطرقات الخارجية، حيث تقطع الطرق وتهاجم سيارات المسافرين؛ محاوِلةً الحصول على طعام، بل تحولت -وفقاً لصحيفة “الرياض” المحلية- إلى تجمعات خطيرة لسلب ممتلكات المسافرين والسياح وأصحاب البسطات، في عدد من مناطق المملكة.
وبحسب الصحيفة هناك “بعض المواقف الظريفة والمخيفة والمرعبة في آن واحد، خاصة للأطفال والنساء”، أبطالها وفقاً للصحيفة، “عصابات القرود”، الموجودة على قارعة الطرق.
وتضيف: “عندما يخفض السائق سرعة مركبته ليتجاوز تلك المطبات الصناعية بسلام، يُفاجأ بهجوم القرود عليه والصعود إلى حوض مركبته وسلب ممتلكاته من ملابس وأطعمة وفواكه وغيرها، حيث تشاهدها وهي تقفز بسرعة عالية وتنقضُّ على سيارات المواطنين والمسافرين بشكل بشع”.
وعلى طريق الهجرة الرابط بين المدينة المنورة ومكة، تنتشر أعداد كبيرة من هذه القردة، التي تستغل استئناس ضيوف بيت الله الحرام المُتجهين من المدينة المُنورة نحو بيت الله الحرام بمكة المكرمة؛ إذ اعتادت الوقوف بانتظارهم؛ للحصول على طعامها وقوتها اليومي من المسافرين الذين يرتادون الطريق.
السلطات الرسمية بدورها، وضعت لوحات تحذيرية لمرتادي الطريق بضرورة أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر في أثناء القيادة على الطريق، خاصة بعد تسجيل عدد من حوادث الدعس لهذه القرود.
ويفضّل رواد الطريق، خاصةً من المعتمرين والحجيج، التوقف قليلاً؛ للعب والاستمتاع مع هذه القرود وتقديم الأطعمة لها؛ بل التقاط الصور التذكارية معها.
لكن القرود لطالما سلبت المستأنسين بها فرحتهم بمداعبتها وإطعامها؛ وذلك من خلال سرقة أشيائهم والهرب؛ وعندها لن يستطيعوا إرجاع ممتلكاتهم؛ لصعوبة الوصول إلى القردة حين تهرب.
الهيئة السعودية للحياة الفطرية، وعلى لسان نائب رئيسها، هاني بن محمد تطواني، قال لصحيفة “سبق” المحلية، في وقت سابق، إن أعداد القرود قد زاد بشكل كبير خلال العقود الأربعة الماضية.
وبيَّن أن الهيئة أجرت حول هذا الموضوع دراسات عديدة، وتعاونت مع جامعات ومعاهد عالمية، شملت بحوثاً لمعرفة توزيع القرود الجغرافي، وتقدير أعدادها وسلوكياتها ونظامها الاجتماعي، وشمل ذلك ظاهرة سلوك الاستئناس، وهو دخولها للمدن والمنازل والمزارع.
وأوضح أن من نتائج هذه الدراسات أن هناك مجموعتين من القرود؛ الأولى: مجموعات القرود البرية، وهذه المجموعة تعتمد على البيئة البرية الطبيعية في اقتياتها، ويصعب حتى مشاهدتها، ولكن تسمع أصواتها بالبرية، حيث تهرب مبتعدة عن أماكن وجود الإنسان، وتراقب من بعيد.
أما المجموعة الثانية وهي المستأنسة، فهي مجموعة برية اقتربت من المدن؛ للبحث عن الغذاء.
وبيَّن أن عدة أسباب وراء انتشارها بهذا العدد الكبير، وتشمل تدمير بيئاتها ومصادر غذائها الطبيعي، بسبب التمدد العمراني والزراعي، وكذلك اختفاء المفترسات، إضافة إلى وفرة الغذاء من خلال مرامي النفايات، بالقرب من مناطقها الطبيعية، وهو من أهم أسباب زيادة أعدادها.
ومن أسباب انتشارها أيضاً، بحسب تطواني، تغذية الناس لها، ما أسهم بشكل كبير في زيادة هذا التحول في السلوك لدى هذه القرود، وكذلك زيادة عددها في أوقات كان من المفترض أن تقل أعدادها، خاصة في فترة الجفاف وشح الغذاء، وعليه بدأت بالدخول إلى أطراف المدن والمزارع، وهذا زاد من شكاوى وتذمر المتضررين وأصحاب المزارع.