توفى الشيخ المحتسب فهد القاضي داخل سجنه شاهدا أخر على ظلم نظام آل سعود وجرائمه بحق الدعاة والعلماء وكل من طالب بالإصلاح في المملكة.
وتوفى الشيخ القاضي نتيجة الإهمال الصحي المتعمد داخل السجن، وقد تم نقله قبل ساعات فقط من وفاته إلى المستشفى رغم احتياجه للعناية الطبية منذ أكثر من أسبوع نتيجة تدهور طارئ على صحته.
والشيخ القاضي الذي توفى عن (64 عاما) تخرج من كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود، قبل أن يعمل في مجال التعليم، وتخلل ذلك عمله في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكانت سلطات آل سعود اعتقلت الشيخ القاضي في أيلول/ سبتمبر من العام 2016، على إثر خطاب نصيحة، توجه به بشكل سرّي إلى الديوان الملكي.
وقد شيّعت حشود كبيرة مساء الأربعاء الماضي، جثمان الشيخ القاضي. وأظهرت مشاهد بثها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، امتلاء مسجد الراجحي في العاصمة الرياض بالمصلين على جثمانه، قبل أن يتوجه المئات إلى تشييع جثمانه لمثواه الأخير في مقبرة النسيم.
وتفاعل ناشطون مع الحضور الكثيف في جنازة الشيخ القاضي، الذي صدر حكم بسجنه ست سنوات قبل أسابيع.
وما جرى مع الشيخ القاضي سبقه العشرات من معتقلي الرأي الذين عانوا الأمرين وقضوا ظلما وتعسفا في سجون نظام آل سعود القمعي.
إذ يتم اعتقال المعارضين في سجون آل سعود بشكل تعسفي ولا تسمع أسرهم عنهم شيئا إلى أن تظهر الجثة دون أن تكلف السلطات نفسها حتى التعقيب حول حقيقة ما جرى لهم.
وتقوم السياسة الرسمية لنظام آل سعود على تعذيب وإهمالي معتقلي الرأي وهو يمتلك سجلا سيئا في معاملة المعتقلين المعارضين للنظام بما في ذلك شبهات تعذيب وإهمال طبي.
وشهدت المملكة خلال العامين الماضيين، اعتقال المئات من النشطاء والحقوقيين على خلفية مواقفهم العلنية ومطالبهم بالإصلاح السياسي والاجتماعي وإطلاق الحريات العامة، وسط مطالبات حقوقية متكررة بالكشف عن مصيرهم وتوفير العدالة لهم.
وطالبت منظمات حقوقية مرارا بتحقيق دولي مستقل في سوء أوضاع اعتقال المعارضين في سجون المملكة وتجاهل سلطات آل سعود المطالب الداعية لتوفير الرعاية الصحية لهم ووقف انتهاكات سوء المعاملة وأشكال التعذيب النفسي والجسدي بحقهم.
وتؤكد المنظمات الحقوقية أن المعاملة السيئة للمعتقلين المعارضين في السعودية قد ترتقي إلى مستوى التعذيب المحظور دوليا بما يتطلب محاسبة أي شخص مسؤول تثبت مسؤوليته عن التعذيب وسوء المعاملة أو منع المعتقلين من الحصول على رعاية طبية.
ومؤخرا قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية إن مزاعم الإصلاحات الاجتماعية المهمة التي نُفذت تحت حكم محمد بن سلمان ترافقت مع تشديد القمع وممارسات مسيئة تهدف إلى إسكات المعارضين والمنتقدين.
وأصدرت المنظمة الدولية تقريرا في 57 صفحة، بعنوان “الثمن الفادح للتغيير: تشديد القمع في عهد محمد بن سلمان يشوّه الإصلاحات”، يوثق الممارسات التعسفية والمسيئة المستمرة التي تستهدف بها سلطات آل سعود المعارضين والنشطاء منذ منتصف 2017، والغياب التام لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
ووجدت هيومن رايتس ووتش أنه رغم الإصلاحات البارزة لصالح المرأة والشباب، تُبين الانتهاكات المستمرة أن سلطة القانون لا تزال ضعيفة وقد تتقوّض متى شاءت القيادة السياسية في المملكة.
وقال مايكل بَيْج نائب مديرة قسم الشرق الأوسط لدى هيومن رايتس ووتش: “أنشأ محمد بن سلمان قطاعا للترفيه وسمح للمرأة بالسفر والقيادة. لكن السلطات السعودية حبست العديد من المفكرين والنشطاء البارزين الإصلاحيين في المملكة خلال ولايته، والذين دعا بعضهم إلى تطبيق هذه الإصلاحات نفسها. إذا كانت السعودية تسعى إلى إصلاحات حقيقية، فعليها ألا تعرّض أبرز نشطائها إلى المضايقة، والاحتجاز، وسوء المعاملة”.
ويرتكز التقرير على مقابلات مع نشطاء ومعارضين سعوديين منذ 2017، وبيانات حكومية ومستندات من المحكمة بالإضافة إلى مراجعات شاملة وتفصيلية لوسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي السعودية.
وفي يونيو/حزيران 2017، عيّن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز نجله محمد بن سلمان وليا للعهد، جاعلا إياه الملك التالي والحاكم الفعلي المعني بالإدارة اليومية بالمملكة.
وروج نظام آل سعود لتغييرات إيجابية في محاولة منه لصقل صورة إيجابية لولي العهد على الساحة السياسية الدولية.
لكن المنظمة الدولية أبرزت وراء المظاهر البرّاقة المستجدة والتقدم الذي أحرزه لنساء المملكة وشبابها، تقبع حقيقة مُظلمة، مع سعي السلطات السعودية إلى إزاحة أي شخص في المملكة يجرؤ على الوقوف في طريق صعود محمد بن سلمان السياسي.
في صيف 2017، في الفترة التي شهدت تعيينه وليا للعهد، أعادت السلطات بهدوء تنظيم أجهزة النيابة العامة والأمن السعودية، أدوات القمع الأساسية في المملكة، ووضعتها تحت إشراف الديوان الملكي مباشرة.
في ظل ممارسات محمد بن سلمان والتي يهدف من خلالها إلى اعتقال النشطاء والدعاة والحقوقيين وكل المعارضين والمنتقدين لنظام آل سعود القمعي.
وشن نظام آل سعود حملات اعتقال تعسفية واسعة النطاق على مدار الأيام الأخيرة على خلفية انتقاد أنشطة هيئة الترفيه الحكومية وما تنشره من إفساد في المملكة وانقلاب على قيمها المحافظة.