تعرض “الاتحاد الدولي لكرة القدم” (الفيفا) إلى هجوم شديد من منظمات حقوقية دولية على خلفية ما وصفته “مكافأة” السعودية على قمعها لحقوق الإنسان عبر اعتماد ترشحها لاستضافة كأس العالم 2034.
وأجمعت المنظمات الحقوقية أن “الفيفا” انتهكت قواعدها الخاصة لحقوق الإنسان من أجل الدول المستضيفة لكأس العالم وينبغي ألا تُكافأ السعودية على قمعها.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن “الفيفا” الهيئة العالمية الناظمة لكرة القدم، انتهكت قواعدها الخاصة بحقوق الإنسان في إعلانها لخطة استضافة بطولتي كأس العالم المقبلتين للرجال، التي تلغي عمليا الترشح التنافسي والعناية الواجبة لحقوق الإنسان.
في 4 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن “الاتحاد الدولي لكرة القدم” (الفيفا) أن “كأس العالم 2030” ستقام في المغرب والبرتغال وإسبانيا، بالإضافة إلى مباريات في الأوروغواي والأرجنتين والباراغواي. لدى كل هذه الدول انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
في سبتمبر/أيلول، أجبِر لويس روبياليس، رئيس “الاتحاد الإسباني لكرة القدم”، على التنحي بعد أن قبّل جيني هيرموسو، لاعبة كرة القدم الإسبانية وبطلة كأس العالم للسيدات 2023، دون موافقتها.
بعد ساعات من نشر الفيفا قراراتها بشأن كأس العالم 2030، أعلنت السعودية نيتها الترشح لاستضافة “كأس العالم 2034”.
قالت مينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية في هيومن رايتس ووتش: “بعد أقل من عام على كوارث حقوق الإنسان في كأس العالم قطر 2022، لم تتعلم الفيفا الدرس في أن منح حق استضافة فعاليات بمليارات الدولارات دون بذل العناية الواجبة ودون شفافية يمكن أن يؤدي إلى الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.
وأضافت أن “احتمال منح الفيفا السعودية حق تنظيم كأس العالم 2034، رغم سجلها الحقوقي المروع، وإغلاق الباب أمام أي رقابة، يكشف أن التزامات الفيفا بحقوق الإنسان مجرد خدعة”.
نشرت هيومن رايتس ووتش ملحقا للمتطلبات القانونية الخاصة بحقوق الإنسان لدى الفيفا، بما فيها العناية الواجبة، والترشح التنافسي لاستضافة الفعاليات، والتشاور مع أصحاب المصلحة، والمراقبة الحقوقية المستقلة، وسبل الانتصاف.
كما نشرت أيضا مراسلات حول عدم إيلاء الفيفا العناية الواجبة فيما يتعلق بالدول ذات السجلات القمعية التي تستضيف فعاليات، بما فيه “كأس العالم للأندية”، الذي يبدأ في جدة بالسعودية، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وفي فبراير/شباط 2023، راسلت هيومن رايتس ووتش الفيفا، لطلب تفاصيل حول العناية الواجبة والتشاور مع أصحاب المصلحة لاختيار الدول المستضيفة لكأس العالم في المستقبل ومنح عقود الرعاية التجارية.
بسبب متطلبات التناوب الإقليمي، يعني كأس العالم 2030 الذي يُقام في ست دول أن الفيفا لن تقبل سوى عروض ترشح من آسيا أو أوقيانوسيا لكأس العالم 2034، مما يفتح الطريق أمام السعودية لاستضافته.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الفيفا بدلا من ذلك إبقاء الترشح لاستضافة كأس العالم 2034 مفتوحا، وتطبيق معايير حقوق الإنسان نفسها على جميع مقدمي العروض قبل الاختيار.
تحدد “سياسة الفيفا لحقوق الإنسان”، التي اعتُمدت عام 2017، مسؤولية الفيفا في تحديد ومعالجة الآثار السلبية لعملياتها على حقوق الإنسان، بما فيه اتخاذ التدابير المناسبة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان وتخفيفها.
وتنص المادة 7 من سياسة الفيفا لحقوق الإنسان على “تعامل الفيفا بشكل بناء مع السلطات المعنية وأصحاب المصلحة الآخرين، وبذل كل جهد ممكن لدعم مسؤولياتها الدولية في حقوق الإنسان”.
وأكدت المنظمة الدولية أنه ينبغي أن يشمل ذلك استشارة مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، بما فيه الفئات المتضررة المحتملة، ومراقبي حقوق الإنسان المحليين، والرياضيين، والمشجعين، والعمال الوافدين، والنقابات، قبل اتخاذ قرارات الاستضافة الرئيسية.
بموجب سياسة الفيفا لحقوق الإنسان، يتعين على الدول التي تتقدم لاستضافة المباريات الالتزام بمعايير صارمة لحقوق الإنسان والعمل.
في مقدمة “المبادئ الأساسية لعملية تقديم العطاءات المعدلة” التي وضعتها الفيفا، يقول رئيس الفيفا جياني إنفانتينو: “يتعين على كل من يستضيف نهائيات كأس العالم فيفا… الالتزام رسميا بإجراء أنشطته على أساس مبادئ الإدارة المستدامة للفعاليات واحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والعمل وفقا لـ’المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة‘”.
ولم تطبق الفيفا حتى الآن هذه المبادئ في منح حق تنظيم كأس العالم 2030 و2034.
تدهور سجل السعودية المروع في مجال حقوق الإنسان تحت حكم ولي العهد محمد بن سلمان، بما فيه عمليات الإعدام الجماعي، واستمرار قمع حقوق المرأة في ظل نظام ولاية الرجل، وقتل مئات المهاجرين على الحدود السعودية اليمنية.
يستمر تعذيب وسجن المنتقدين السلميين للحكومة، وفرضت المحاكم عقوبة السجن لعشرات السنين على نساء سعوديات بسبب تغريدات.
يُسجن مراقبو حقوق الإنسان المستقلون، والصحفيون، وناشطات حقوق المرأة، وغيرهم من المنتقدين السلميين، ويوضعون تحت الإقامة الجبرية، ولا يمكنهم العمل بأمان في السعودية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن السعودية تفرض قيودا صارمة على الصحفيين وحرية التعبير، وهو مطلب أساسي لاستضافة كأس العالم.
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، قام موظفون سعوديون عملية بقتل وتقطيع جسد الكاتب في “واشنطن بوست” جمال خاشقجي الذي كان ينتقد الحكومة السعودية، وهي عملية اغتيال وافق عليها ولي العهد نفسه على ما يبدو.
قالت ووردن: “في السعودية، لا يمكن إجراء مراقبة مستقلة لحقوق الإنسان بسبب القمع الحكومي. هذا يجعل من المستحيل فعليا على الفيفا أن تُجري المراقبة والتفتيش المستمرين بشأن الحقوق وفقا لسياسة حقوق الإنسان الخاصة بها”.
رغم ترحيب الفيفا بترشح السعودية لاستضافة كأس العالم 2034، إلا أنها لم تقل أي شيء عن الطريقة التي تقترحها لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في السعودية.
توثّق هيومن رايتس ووتش انتهاكات حقوق العمال الوافدين في السعودية منذ 25 عاما. رغم بعض الإصلاحات التي أدخِلت على قوانين العمل ونظام الكفالة في السعودية عام 2021، لا يزال العمال الوافدون يواجهون انتهاكات خطيرة، بما فيها رسوم التوظيف الباهظة، وسرقة الأجور، وعدم كفاية الحماية من الحرارة المرتفعة.
يُعتبر الفرار، أو ترك العمل دون تصريح، جريمة حتى عندما يكون العمال يحاولون الهروب من الانتهاكات، مما يفتح الطريق أمام إساءة استخدام هذا الشرط من قبل أصحاب العمل. لم تكن الإصلاحات العمالية كافية ولم تُطبّق بصرامة، مما يهدد بوقوع انتهاكات جسيمة.
قالت ووردن: “مع وجود نحو 13.4 مليون عامل وافد في السعودية، ومع عدم كفاية تدابير الحماية المتعلقة بالعمل وبالحرارة المرتفعة، وعدم وجود نقابات، وعدم وجود مراقبين مستقلين لحقوق الإنسان، وانعدام حرية الصحافة، هناك كل الأسباب للخوف على حياة الذين يبنون ويعملون في الملاعب ووسائل النقل والفنادق وغيرها من البنية التحتية لاستضاف البطولة في السعودية”.