أصبح تراجع الدعم المالي السعودي للسلطة الفلسطينية مثار قلق بالنسبة للقيادة الفلسطينية، وسط تقارير عن خلافات بين الملك سلمان ونجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حول التطبيع مع إسرائيل.
وتظهر مواقف لافتة للملك سلمان في هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية.
فبعد خمسة أشهر من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، انعقدت القمة العربية في مدينة الظهران السعودية في أبريل/نيسان عام 2018.
وكان من المتوقع أن يتجنَّب العاهل السعودي الذي كان يستضيف القمة التطرق إلى موضوع نقل السفارة بدلاً من دعمه أو معارضته في أحسن الأحوال، لكن الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود فاجأ الحضور العرب، واقترح تغيير اسم القمة من قمة الظهران إلى قمة القدس، حسبما ورد في تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.
كما أعلن الملك عن تقديم تبرع سخّي بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الهبات في القدس، و50 مليون دولار لدعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
وشدّد سلمان في خطابه في القمة على أن القضية الفلسطينية هي “قضيتنا الأولى وستظل كذلك”، وأعرب عن إدانته لقرار الإدارة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس.
يقول زياد أبو عمرو، نائب رئيس الوزراء الفلسطيني في رام الله إن علاقة فلسطين بالسعودية إيجابية وتاريخية. وقال: “لقد كانوا وما زالوا ضامناً وداعماً للقضية الفلسطينية. لم نواجه مشكلة مع الحكومة السعودية يوماً، وهم لم يتوقفوا عن دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس.
وأضاف أبو عمرو، العضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أيضاً، أن الفلسطينيين يقدرون الموقف السعودي المتمثل في أن “السعودية ستقبل بكل ما يقبله الفلسطينيون وترفض ما يرفضونه”.
وعبّر عزام الأحمد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمسؤول عن الشؤون العربية، عن موقف مماثل، إذ أكد الأحمد أن العلاقة طبيعية مع السعودية: “علاقتنا بإخواننا في السعودية طبيعية. ولا توجد مشكلات، ونحن سعداء بمواقفهم السياسية من القضية الفلسطينية، والرئيس محمود عباس يتواصل بصفة منتظمة مع كل من الملك سلمان وولي عهده محمد، وليس لدينا أي شكوى من التزامهما تجاه فلسطين”.
غير أن الاختبار الحقيقي للعلاقات يتبدى بالقدر الأكبر في الجانب المالي. ففي حين أن القمة العربية كانت ذات فائدة كبيرة في الآونة الأخيرة من الناحية المالية، توترت الأمور لمدة عام أو نحو ذلك، لكن في فبراير/شباط عام 2019، أعلن السعوديون أنهم سيستأنفون دعمهم، وأنهم سيحولون 60 مليون دولار للسلطة الفلسطينية، وهو مبلغ الدعم لمدة ثلاثة أشهر، بعد تأخرهم أشهراً في إرسال أموال المساعدات السابقة.
ولكن من حينها توانى السعوديون مجدداً في التزاماتهم السابقة تجاه الفلسطينيين.
لم يعلق الأحمد على هذه المشكلة المالية، ولكن عند سؤاله تفسير التراجع المفاجئ في الدعم السعودي لفلسطين، قال الأحمد: “أنا لا أتابع القضايا المالية، عليك أن تسأل وزير المالية”.
غير أن الأحمد قال إنهم قدموا أكثر من التزاماتهم في الماضي: “السعودية كانت تقدم لسنوات مبالغ أكبر بكثير من التي التزمت بها في قمة بيروت عام 200”.
وبحسب قناة العربية الموالية للسعودية “بين عامي 2000 و2018، قدمت السعودية أكثر من 6,473,586,361 دولار مساعدات لدولة فلسطين، منها حوالي 250 مليون دولار لوكالة الأونروا”.
وأوضح أبو عمرو السبب المعلن لخفض التمويل بقوله: “كانوا يقدمون لنا الدعم المالي، لكنه توقف مؤخراً. وقالوا إن السبب هو أزمة النفط، وشكرناهم بالقول إننا نتفهم ظروفهم، ولكننا كنا نأمل أن يستمر الدعم العربي على النحو المنصوص عليه في الالتزامات التي تعهدت بها جامعة الدول العربية، إذ وعدنا العرب بشبكة أمان مالي للمساعدة في ضمان الاستقلال الفلسطيني”.
وفضلاً عن الجوانب المالية ثارت بعض المخاوف من أن تحاول الدولة الإسلامية القيادية، مهد الإسلام، دفع المملكة الهاشمية الأردن إلى التخلي عن دورها في الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، لكن العاهل السعودي أشار في البيان الختامي للقمة إلى اعتبار الأردن “الجهة الوحيدة المسؤولة عن إدارة المسجد الأقصى وصيانته وتنظيم الدخول إليه”.
في الوقت الحالي إذاً، وفيما لا يزال سلمان في السلطة، من المستبعد أن تتغير مواقف السعودية التقليدية المؤيدة للفلسطينيين، رغم الإشارات التي تبعث بها للإسرائيليين وإدارة ترامب.
والفلسطينيون الذين اعتمدوا لسنوات على دعم السعودية لن يتحولوا لانتقادها قريباً، حسب الموقع الأمريكي.
وتتبنّى صحيفة هآرتس الإسرائيلية نفس التفسير، إذ تقول “لا تحبسوا أنفاسكم في انتظار اتفاق تطبيعٍ مع المملكة العربية السعودية، إذ يعزو خبراء العرب والغرب تأخير الاتفاقية إلى خلافٍ بين الملك سلمان ونجله، ولي العهد الأمير محمد، حيال النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي”.
ففي خطابٍ نادر ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، قال سلمان إن السعودية لا تزال ملتزمةً بمبادرة السلام العربية، التي تشترط التطبيع بانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية،
لكن الأمير محمد يرغب في تسريع عملية التطبيع بوصفها جزءاً من رؤيته الاستراتيجية والاقتصادية في المقام الأول.
وسلمان هو ثاني ملوك السعودية الذين خاطبوا الجمعية العامة للأمم المتحدة (بعد الملك سعود عام 1957)، إذ أشار إلى المملكة بصفتها مهد الإسلام وخادمة الحرمين الشريفين، وتعهّد بدعم عملية السلام الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنّه لم يتطرّق إلى اتفاقيات السلام الإسرائيلية مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
ويعتقد أن السعودية وفرت مظلةً لاتفاقيات السلام الأخيرة. وأن خطوة الإمارات والبحرين التطبيعية جاءت بالتنسيق مع ولي العهد، خاصة أن الرياض فتحت مجالها الجوي أمام الرحلات من وإلى إسرائيل.
علاوةً على ذلك، ألقى الشيخ البارز وإمام الحرم المكي عبدالرحمن السديس خطبةً تُشجّع على السياسة الخارجية من خلال الحوار، حتى وإن كان مع اليهود، وبنى حجّته على سياسة النبي محمد تجاه اليهود في شبه الجزيرة العربية.
ولكن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، قالت الجمعة 18 سبتمبر/أيلول 2020، إنَّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أراد أن يوقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين، إلا أن والده الملك سلمان عارض ذلك، كما كشفت عن حدوث خلافات بين بن سلمان والعاهل السعودي بخصوص “تطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
وجاء هذا التقرير، بعد تصريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء 15 سبتمبر/الماضي، خلال توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، قال فيه إن هناك محادثات متقدمة مع الرياض؛ من أجل التحاقها هي الأخرى بالاتفاقية، وهو الأمر الذي لم تؤكده أم تنفيه المملكة.
كمل أنه بعد وقتٍ قصير من إعلان التطبيع الإماراتي، قال صهر ترامب ومستشاره الخاص جاريد كوشنر إن السعودية ستكون الدولة التالية في مشروع السلام مع إسرائيل، وإن ذلك سيتحقّق قريباً جداً.
ومن المفترض أن كوشنر، أقرب المقربين إلى ولي العهد في واشنطن، يعلم ما يُفكّر فيه محمد، ولكن من الواضح أن ولي العهد نفسه لم يتوقّع التأخير.
تقول “وول ستريت جورنال” إن الملك سلمان بن عبدالعزيز لطالما أيد لسنوات عديدة، مقاطعة إسرائيل والمطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، إلا أن بن سلمان يريد إقامة علاقات تجارية مع إسرائيل، وإنشاء جبهة موحدة ضد إيران، وتجاوز الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لأنه نزاع صعب.
الصحيفة نفسها ذكرت أن سبب هذه الصدمة أن ولي العهد السعودي لم يبلغ والده مسبقاً بالاتفاق بين تل أبيب وأبوظبي.