دفعت الإساءة الفرنسية الرسمية وغير الرسمية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، للتساؤل حول دور المملكة السعودية في التصدي لهجمة باريس الممنهجة.
لكن سياسات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بتقويض زعامة بلاد الحرمين للعالم الإسلامي، تجزم بلا شك تراجع هذا الدور منذ توليه الحكم وأخر ذلك الصمت على الإساية الفرنسية .
وترجم بن سلمان سياساته الممنهجة بإقصاء دور المملكة لقيادة العالم الإسلامي خلال 3 سنوات من حكمه 2017-2020م، حينما تخلى عن دور الدفاع عن المسلمين ونصرتهم في جميع أماكن تواجدهم.
ويأتي تراجع دور السعودية في العالم الإسلامي ضمن حملة قطيعة دبلوماسية أحدثها “الأمير الطائش” مع أكثر من 16 دولة عربية وأوروبية ما يجعل موقفه من الإساءة الفرنسية غير مفاجئ.
وبرزت عدة قضايا إسلامية خلال السنوات الماضية، وأظهرت مدى تخلى المملكة السعودية عن قضايا المسلمين.
القضية الأولى: (كشمير) وبعد قرار الحكومة الهندية إلغاء المادة 370 عام 2019م من الدستور التي تمنح إقليم كشمير المتنازع عليه وضعا خاصا، عبرت باكستان في مناسبات عدة عن احباطها بشأن موقف منظمة التعاون الإسلامي ومقرها جدة حيال القضية.
وشن وزير الخارجية الباكستاني “شاه محمود قريشي” هجوما حادا على المنظمة التي تتخذ مدينة جدة مقرا لها، منتقدا ما سماه “عدم اكتراث” المنظمة وتأجيلها الدائم لعقد اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء من أجل دعم الكشميريين.
وقال قريشي إن بلاده قد تلجأ للبحث عن حل لقضية كشمير بعيدا عن المنظمة.
وسارعت المملكة إلى عداوة باكستان وتجميد تسهيل ائتمان نفطي بقيمة 3.2 مليار دولار كانت قد منحته سابقًا لإسلام أباد، والإصرار على أن تسدد الدولة أجزاء من قرض بقيمة 3 مليارات دولار في وقت مبكر، وهو ما حدث فعليا بمساعدة الصين التي أقرضت باكستان.
وليس هذا فحسب، بل تشهد الروابط بين المملكة والهند، الخصم التقليدي لباكستان الإسلامية، نشاطا ملحوظا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى نيودلهي في فبراير/شباط 2019، والتي سعى خلالها إلى توسيع التجارة غير النفطية بين البلدين، معربا عن أمله في زيادة الاستثمارات بالهند إلى 100 مليار دولار خلال عامين.
القضية الثانية: (الإيغور) وهم جماعة ينتمون إلى إقليم تركستان الشرقية (حالياً شينجيانغ)، وتفاقم الخطر المحدق بهم جراء ما يعانونه من اضطهاد وقتل من السلطات الصينية التي تطمع بمستقبل الموارد الطبيعية من نفط وغاز داخل الإقليم.
ويضاعف مخاوف هذه الأقلية الصينية المسلمة هو الصمت الواضح للدول الكبيرة المسلمة، مثل السعودية، بخصوص معاملة الصين للإيغور لأنها يتجنبون إغضاب بكين، القوة الاقتصادية الكبيرة.
لكنّ ما يثير قلقهم في شكل خاص هو التحسن الكبير في العلاقات بين الصين ونظام آل سعود الذي يتغاضى عن سياسة الصين تجاه الإيغور إذ أن بكين أكبر مستورد للنفط السعودي.
وبرر بن سلمان الممارسات الصينية ضد مسلمي الإيغور واعتبرها حقا أصيلا لبكين من أجل الدفاع عن أمنها القومي ضد الإرهاب.
وفي 8 أكتوبر وقعت دول عربية وإسلامية في مقدمتها المملكة العربية السعودية على مقترحا كوبيا يدعم الإجراءات القمعية ومجازر السلطات الصينية ضد المسلمين الإيغور الأقلية في البلاد.
وكشف المدير التنفيذي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” كينيث روث، النقاب عن توقيع 45 دولة من بينها دول ذات أغلبية مسلمة كالسعودية ومصر والإمارات، لمقترح كوبيا لدعم الصين في اعتقال أكثر من مليون مسلم إيغوري.
وأكد “روث” أن المقترح الكوبي يجبر المسلمين الإيغور على ترك دينهم وثقافتهم.
وقال المحام الدولي: “حقا .. يجب على هذه الدول أن تخجل”.
ويهاجم الذباب الإلكتروني السعودي اللاجئين الروهينغيا داخل المملكة.
وتحت وسم #رحيل_البرماويه_مطلب هاجم مغردون من الذباب الالكتروني الروهينغيا في المملكة، وسط دعوات لقتلهم وترحيلهم.
القضية الثالثة: (فلسطين) وهي القضية المركزية للعرب والمسلمين، لكن السعودية أول من تخلت عنها وسمحت للصهاينة باستباحة المقدسات.
وبدأت السعودية التخلي عن القضية الفلسطينية منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الرياض، مايو 2017م، ثم عقد القمة العربية في مدينة الظهران السعودية في أبريل/نيسان عام 2018.
ودعمت الرياض “صفقة القرن” الأمريكية التي بدأت بنقل السفارة الإسرائيلية إلى مدينة القدس المحتلة، ثم دعمت اتفاقيات التطبيع العربية مع (إسرائيل) بدء من الإمارات ثم البحرين ثم السودان.
وفي 14 أكتوبر 2019 احتج عشرات المصلين الفلسطينيين على زيارة تطبيع مستهجنة أجراها وفد من بعثة منتخب المملكة الأول لكرة القدم إلى المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي أكتوبر 2020 احتفت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية بتصريحات رئيس الاستخبارات السعودي السابق بندر بن سلطان، التي هاجم خلالها السلطة الفلسطينية لانتقادها اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن المقابلة التي أجراها السفير السابق للمملكة في واشنطن بندر بن سلطان لقناة “العربية” السعودية، والتي هاجم فيها الفلسطينيين، “تحولا جذريا وجادا في موقف السعودية كقائد للدول العربية ضد القضية الفلسطينية”.
ورأت الصحيفة الإسرائيلية تضرب رواية رفض العاهل السعودي فكرة التطبيع مع إسرائيل.
وخلال مقابلته، شن بندر بن سلطان هجوما حادا على السلطة الفلسطينية، بسبب اعتراضها على قرارات التطبيع الإماراتي والبحريني الأخيرة مع إسرائيل، معتبرا أن لغتهم في الاعتراض “مستواها واط، وكلام لا يقال”، على حد وصفه.
القضية الرابعة: (منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي) والتي استغلها ولي العهد محمد بن سلمان للتقرب مع اليهود.
وزار رئيس رابطة العالم الإسلامي محمد العيسي في أبريل/ نيسان 2018م متحف تخليد ذكرى المحرقة اليهودية، برفقة قادة مسلمين من أكثر من 24 بلدا.
وقال الرئيس التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية، ديفيد هاريس، إن الرحلة تمثل “أرفع وفد على الإطلاق لزعماء دينيين مسلمين يقومون بزيارة أوشفيتس”.
ويعتبر محمد العيسى ذراع ولي العهد محمد بن سلمان في تغيير الوجه الديني للسعودية، كما أنه يمثل رأس الحربة في مشروع التطبيع مع إسرائيل.
وشارك العيسى لرئيس رابطة العالم الإسلامي في حوار مع اليهود، مؤخرا، لتعزيز التطبيع مع إسرائيل.
وقال العيسى خلال مؤتمر نظمته منظمة اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC)، حول قضايا اليهودية ومكافحة اللاسامية: إننا (آل سعود) ملزمون حاليا بإعادة جسور الحوار والبناء مع المجتمع اليهودي.
وتخلل المؤتمر المذكور تقديم اللجنة جائزة للعيسى بزعم تقدير دوره في مكافحته اللاسامية.
وشن الأكاديمي السعودي سعيد الغامدي، هجوما شديدا على رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي، مؤكدا أنهما أداة بيد النظام السعودي لتحقيق مآربهم الخاصة في المنطقة وفي مقدمة ذلك التطبيع العلني مع إسرائيل.
وطالب الغامدي، في مقطع فيديو عبر تويتر، تابعه “ويكليكس السعودية”، العالم الإسلامي، بضرورة الضغط من أجل نقل الرابطة والمنظمة من المملكة إلى بلد آخر يهتم بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى المبارك.
القضية الخامسة: (الرسوم المسيئة) وبينما تشهد دول عربية لمقاطعة المنتجات الفرنسية ، هاجم كتاب سعوديون مقربون من الديوان الملكي حملة المقاطعة، كما حصل للرئيس إيمانويل ماكرون دعما من الرياض في “الحرب على الإسلاميين”.
وقالت صحيفة “لوبينيون” الفرنسية إن العيسي طلب من المسلمين الامتثال لقوانين الدول المضيفة، بعد حادثة قتل مدرس فرنسي الجمعة، بعد نشره صورا مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وسبق خطاب ماكرون عن “الانفصالية”، والموجه للجالية المسلمة، تصريحات للعيسى استنكر فيها ما وصفها “بتصرفات المسلمين أو الذين يدعون ذلك بأنهم يعطون صورة سيئة للدين الإسلامي عبر التطرف والتعصب والأفعال الإرهابية”.
ورأت الصحيفة الفرنسية أن الموقف السعودي، يتماشى مع الحملة التي يشنها “الإليزيه” ضد الجالية المسلمة.
ويرى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن سياسات بن سلمان تجاه دول العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي، سيفسح المجال أمام تركيا أو إيران أو الجهات الأخرى لتحدي قيادته المزعومة للعالم الإسلامي.