انتقدت صحيفة غارديان البريطانية إدارة ولي العهد محمد بن سلمان لأزمة حرب النفط، مؤكدة أن انخفاض الطلب على النفط قد يسبب أزمة مالية وأن تحرك ولي العهد كان سوء تقدير.
وقالت الصحيفة إن تحرك بن سلمان عقب فشل اجتماع مجموعة أوبك بلس لإغراق أسواق النفط “كان سوء تقدير مذهلا” وإن ما فعله تسبب بانهيار أسواق الأسهم والسندات عقب ذلك.
وأفادت أستاذة الاقتصاد السياسي في جامعة كامبريدج بأنه عندما تهاوى سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط لشهر مايو/أيار إلى ناقص 38 دولارا للبرميل الواحد الاثنين الماضي، بدا أن أزمة كوفيد-19 قد أخذت منعطفا نحو السريالية.
فقد كان المتداولون، الذين يشتري بعضهم النفط كأصل مالي وليس لاستخدامه، يدفعون المال للأشخاص ليأخذوا النفط منهم لأن قلة لديها القدرة على تسلّمه في محطة كوشينغ للتخزين في أوكلاهوما، حيث وصلت طاقة التخزين إلى الحد الأقصى نظريا.
واعتبرت أستاذة الاقتصاد السياسي أن ما حدث يوم الاثنين الموافق لتاريخ 20 أبريل/نيسان على مستوى تداول النفط كان ظاهرة ثانوية استحضرها النفط باعتباره سلعة مالية.
وقالت لم يفكر أحد أن الطلب على النفط سيتأثر بشكل دائم، وبالفعل بقي سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط لشهر يونيو/حزيران قاب قوسين أو أدنى من عشرين دولارا للبرميل الواحد، مثل سعر خام برنت، وهو المعيار المرجعي للنفط الأوروبي والشرق أوسطي والأفريقي.
ولكن ذلك -تضيف الكاتبة- لا يعني أنه لا توجد مشكلة على وشك الحدوث في سوق النفط، وبالتالي لنا جميعا، فحتى بالنسبة لأسعار شهر يونيو/حزيران، فإن المعدل الجاري منخفض بشكل خطير.
وأشارت إلى أنه خلال الأعوام القليلة الماضية، أدت وفرة الإنتاج إلى بيع النفط بأسعار منخفضة جدا بالنسبة للمنتجين لجني الأرباح أو لتمويل الدول النفطية، مثل المملكة العربية السعودية، وقد جرى ذلك في أعقاب سعي المنتجين الأميركيين لضخ النفط الصخري في السوق.
كان الهدف من ذلك -تؤكد الكاتبة- تعويض النقص الذي كان موجودا سابقا في الأسواق العالمية، ولكن بحلول عام 2014 أدى ضخ النفط الصخري في الأسواق بالإضافة إلى النفط التقليدي الذي توفره منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا إلى إشباع السوق حتى التخمة.
وأوضحت الكاتبة أنه عندما أراد الكثير من المنتجين بيع الكثير من النفط، انخرطوا جميعا في سباق مدمر نحو الهاوية. وحين وصل سعر النفط إلى نقطة التأزم، كانت الدول المنتجة مهتمة بالتعاون لكبح الإنتاج بهدف إعادة الأسعار إلى سابق عهدها.
وتابعت أن هذه التحركات بالأسواق دفعت السعودية وروسيا لتكوين تحالف متردد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2016 فيما يعرف بـ “تحالف أوبك بلس”. ولكن التعاون السعودي الروسي سمح لشركات النفط الصخري الأميركية برفع الأسعار بكل حرية.
وقالت الكاتبة إنه بعد أن فرضت الولايات المتحدة حزمة من العقوبات على موسكو بشأن خط الغاز نورد ستريم 2 -وهو مشروع كان ليسمح لروسيا بتصدير مزيد من الغاز إلى ألمانيا- في نهاية العام الماضي، أصبح فلاديمير بوتين أكثر ترددا بشأن السماح للأميركيين بالعمل بكل حرية على رفع الأسعار من خلال وقف الإنتاج الروسي.
وأوردت أستاذة الاقتصاد السياسي أنه بعد موجة كوفيد-19 واقتراب الاقتصاد العالمي من الدخول في حالة ركود، تداعى تحالف أوبك بلس الذي يضم كبار منتجي النفط بقيادة السعودية وروسيا.
وقالت يبدو أنه عندما رفض الرئيس الروسي فلاديمر بوتين الحد من الإنتاج لتحقيق الاستقرار في الأسعار، قرر محمد بن سلمان إغراق السوق بدلا من ذلك للاستحواذ على حصة سوقية أكبر.
وأضافت أنه بالنظر إلى أن الطلب على النفط كان يتراجع وقتها، فقد عكس قرار بن سلمان سوء تقدير مذهلا منه للأزمة وتسبب أيضا في انهيار أسواق الأسهم والسندات خلال الأسبوع الذي بدأ في التاسع من مارس/آذار الماضي.
وأشارت الكاتبة إلى أنه إذا كان انهيار العقود الآجلة لشهر مايو/أيار مثالا عابرا عن المشاكل التي تواجهها أسواق النفط، فالحقيقة أن أسعار العقود الآجلة لعام 2022 لذلك اليوم التي لم تكن تفوق كثيرا ثلاثين دولارا لا تبشر بالخير.
ذلك أن أسعار النفط يجب أن تكون مرتفعة بشكل يكفي لتغطية تكلفة الإنتاج، وسداد الديون التي تدعم القطاع في حالة النفط الصخري الأميركي.
ودون أسعار مرتفعة، حذرت الكاتبة من أنه لن يكون هناك إمداد كاف لاستعادة النمو، وسيتسبب النفط في التخلف عن تسديد القروض عبر أسواق السندات، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع أزمة بنكية أخرى.
وتعاني شركة النفط الحكومية المكسيكية “بيمكيس” فعلا من أزمة ديون، وقد خفضت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” هذا الأسبوع من تقييم الدين السيادي للمكسيك بسبب الصعوبات التي تمر بها شركة “بيمكيس”.
وقالت الكاتبة إن الخبر السيئ لأولئك الذين يظنون أن انهيار أسعار النفط أمر جيد بالنسبة للمناخ، هو أن أسواقنا المالية واقتصاداتنا وسياساتنا مرتبطة بشكل وثيق بالنفط، وهذه الصناعة تمر بمحنة.
وأضافت قد لا يحدث انتقال سريع للاقتصاد الأخضر، لأنه لا يوجد بعد ما يكفي من مصادر الطاقة البديلة لاستبدال حجم الأنشطة الاقتصادية واليومية التي يغذيها النفط.
وتختم الكاتبة بأنه من الممكن أن لا يصل الطلب على النفط إلى مئة مليون برميل في اليوم مجددا لوقت طويل، لكن لن يبدأ الاقتصاد في التعافي من الإغلاق العالمي إذا لم يشمل ذلك شراء المستهلكين مزيدا من النفط باهظ الثمن والسلع المرتبطة به.
وتكشف معطيات الازمة غير المسبوقة التي يعانيها اقتصاد المملكة حدة الإخفاقات الهائلة التي ارتكبها ولي العهد محمد بن سلمان وتحول خططه للإصلاح والاستثمار إلى مجرب سراب.
وتوقع “ستاندرد تشارترد” انكماش الناتج المحلي الإجمالي للمملكة 4.5% في 2020، نتيجة خفض إنتاج النفط، في تدهور كبير قياساً بتوقعات سابقة بنمو نسبته 5%.
وعلى وقع الضغوط الناتجة من كورونا، أعلنت “مؤسسة النقد العربي السعودي” (البنك المركزي) في تغريدة أنها وجهت البنوك في المملكة بتأجيل سداد أقساط كل المنتجات التمويلية المقدمة للموظفين السعوديين لمدة 3 أشهر.
وأضافت المؤسسة أن الإجراء جزء من حزمة اقتصادية حكومية لمساعدة الشركات والعاملين في التغلب على تداعيات تفشي كوفيد-19.
وتبرز الشواهد أن المملكة قد تصبح دولة مدينة، وهي فرضية كانت مستبعدة في الماضي، لكنها باتت الآن احتمالا واردا. ففي ظل هبوط سعر خام برنت إلى أقل من عشرين دولارًا -يقول الكاتب- فإن بن سلمان في طريقه لاكتشاف ماذا يعني استغناء العالم عن نفط المملكة.
ويمثل قطاع النفط والغاز نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، و70% من عائدات التصدير، وقد اختفى كل ذلك نتيجة انهيار الأسعار، وفقا للكاتب.
وشهد اقتصاد المملكة تراجعا منذ بعض الوقت، فعندما تولى الملك سلمان العرش وصعد معه نجله محمد في 23 يناير/كانون الثاني 2015 بلغ إجمالي الاحتياطات الأجنبية 732 مليار دولار، وبحلول ديسمبر/كانون الثاني من العام الماضي، تقلص ذلك الرقم إلى 499 مليار دولار، وهو ما يعني خسارة قدرها 233 مليار دولار في أربع سنوات، وفقًا لمؤسسة النقد العربي السعودي.
كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من 25 ألفا و243 دولارًا عام 2012 إلى 23 ألفا و338 دولارًا عام 2018، وفقًا للبنك الدولي.
وقدر صندوق النقد الدولي أن صافي دين المملكة سيصل إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، و27% العام المقبل، وقد يصل إلى 50% بحلول عام 2022 في ظل جائحة كورونا وأزمة أسعار النفط.
والإغلاق الذي تسبب فيه تفشي فيروس كورونا المستجد، وأدى إلى تعليق الحج ومواسم العمرة، التي تجذب نحو عشرة ملايين حاج ومعتمر سنويا؛ قد أفقد ميزانية المملكة ثمانية مليارات دولار أخرى.
ومع الخسائر الناجمة عن انهيار أسعار البترول، وإلغاء الحج والعمرة، وإغلاق الاقتصاد؛ فإن هناك مؤشرات أخرى تشير إلى عمق الأزمة، ومن أهمها الاستثمارات السيئة.
إذ تراجعت قيمة صناديق الثروة السيادية يعد أحد المؤشرات الدالة على الاستثمارات السيئة. واحتل صندوق الثروة السيادية الرئيسي للمملكة -صندوق الاستثمار العام- المرتبة 11 عالميا، بعد هيئة أبو ظبي للاستثمار وهيئة الاستثمار الكويتية وهيئة الاستثمار القطرية، حيث بلغت قيمة صندوق الثروة السيادية للإمارات 1.213 تريليون دولار، ثم الكويت بمبلغ 522 مليار دولار، وقطر بمبلغ 328 مليار دولار، والسعودية بمبلغ 320 مليار دولار.
وتشير تقديرات قدمها صندوق النقد الدولي قبل تفشي وباء كورونا إلى أن خطط زيادة صندوق الاستثمار العام السعودي ليصل إلى تريليون دولار لن تكون كافية لتوفير الدخل اللازم، إذا أرادت السعودية تنويع مصادر اقتصادها بدل الاعتماد على النفط.
كما تبرز شواهد على تراجع قيمة مشاريع استثمارية مهمة في المملكة، مثل مشروع نيوم والاستثمار في شركة أوبر وغيرهما.
كما أن الركيزتين الأساسيتين لخطة الإصلاح التي تبناها محمد بن سلمان تتداعيان، حيث فشلت خطته الرامية لجلب استثمارات أجنبية من خلال بيع 5% من أسهم شركة أرامكو في بورصات الأوراق المالية الأجنبية، كما يشهد صندوق الاستثمار العام -الأداة الرئيسية لتنويع اقتصاد المملكة بعيدًا عن النفط- حالة من الفوضى.
ويجمع مراقبون على أن بن سلمان في عصر ما بعد النفط لن يكون قادرا على إنفاق مليار دولار من دون أن يطرف له جفن كما كان من قبل.