متفرقات سعودية

السعودية: العنف ضد النساء سياسة دولة وليست إصلاحًا مزيفًا

يؤكد الواقع اليومي للنساء في السعودية أن ما يُقدَّم على أنه “إصلاحات تاريخية” ما هو إلا غطاء دبلوماسي وسياسي لتثبيت نظام استبدادي قائم على السيطرة المطلقة على حياة المرأة وترسيخ العنف ضد النساء.

ففي حين يصف بعض الزعماء الغربيين سياسات ولي العهد محمد بن سلمان بأنها “أمور مذهلة في مجال حقوق الإنسان”، تواجه النساء في السعودية قيودًا قانونية واجتماعية صارمة تجعل من أبسط حقوقهن، مثل السفر أو الدراسة أو اتخاذ قرارات شخصية، أمورًا مشروطة بإرادة الدولة وموافقة الرجال المفوضين من قبلها.

وما يثير القلق ليس مجرد الادعاءات الكاذبة عن التقدم، بل استعداد القوى الغربية لتقبل هذه الصورة المزيفة.

فقد أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدعوى احترام “ثقافة” السعودية، الضوء الأخضر للنظام لتجاوز أبسط معايير حقوق الإنسان، فيما التزم الأوروبيون بالتبعية السياسية والتجارية، محافظين على مصالح النفط والسلاح على حساب حياة النساء السعوديات.

ويظهر هذا التواطؤ الدولي بوضوح في صورة التغطية الإعلامية الدبلوماسية، وصفقات الاستثمار الضخمة، التي تسهم في إعادة تلميع صورة ولي العهد عالميًا، بينما تظل النساء المستضعفات داخل المملكة تحت رحمة قانون الطاعة.

ووفقًا لنظام الأحوال الشخصية، أصبحت “الطاعة” التزامًا قانونيًا يحدّد إمكانية الزواج، ومغادرة دار الإيواء من العنف الأسري، وحتى الاحتفاظ بحضانة الأطفال.

فالقضاة جميعهم رجال وموالون للدولة، ويتركون مفهوم “العصيان” مفتوحًا لتفسير السلطات، ما يجعل أي فعل بسيط، مثل رفض الزواج القسري أو الإبلاغ عن العنف، يُعتبر تجاوزًا قانونيًا.

وتلتزم الشرطة والدور الحكومية المخصصة لحماية النساء بإعادة إنتاج هذه السيطرة، بحيث يتحول أي هروب أو مقاومة للعنف إلى محاكمة معنوية وقانونية للنساء أنفسهن.

ويزداد تعقيد هذا النظام عندما يُوظَّف الخبراء الغربيون، الأكاديميون والمستشارون، لتلميع الصورة. فهم يقدمون شرعية مزيفة للنظام من خلال مؤتمرات وورش عمل، ويعرضون صورًا ترويجية لنساء سعوديات في مراكز قيادية، بينما تظل الأغلبية العظمى من النساء تحت سيطرة القانون الاستبدادي.

وبالمثل، تستخدم نسويات غربيات معاناة النساء السعوديات في حملات ثقافية وسياسية تخدم مصالح خارجية، بدل الدفاع عن النساء فعليًا، مما يتيح للنظام الإفلات من المساءلة.

داخل المملكة، تلعب النساء المتميّزات أدوارًا مزدوجة؛ إذ يستفدن من الامتيازات الشخصية مقابل تأييد النظام، مهاجمة المعارضات وإسكات المنتقدات، بينما يُستَبعد معظم النساء عن أي صوت فاعل.

ويرسخ هذا التوزيع الانتقائي للسلطة والتمكين هيمنة الدولة، ويحوّل الكذبة الإعلامية عن التقدم إلى واقع مقبول دوليًا، بينما تستمر النساء العاديات في صمت وقهر يومي.

وإن ما يحدث في السعودية ليس مسألة ثقافة، بل سياسة مقصودة، إذ تحافظ الدولة على سلطتها عبر قانونية الطاعة، استغلال الدين في الترويج لهيمنة ذكورية، وإسكات الأصوات المستقلة للنساء.

وفي اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، تتضح الحقيقة المرة: النساء السعوديات هن أكثر النساء تجاهلًا عالميًا، لأن حياتهن مرتبطة بالمصالح الدولية والنفوذ السياسي، وليس بحقوق الإنسان.

والتحدي الأكثر إلحاحًا هو سماع أصوات النساء اللواتي يحاصرهن القهر، بدل الانصات إلى الروايات المزيفة عن “تقدم” و”تمكين”. الإصغاء لهن، والاعتراف بمعاناتهن، ورفض المشاركة في تضليل العالم حول وضعهن، هو الخطوة الأكثر راديكالية وضرورية. فالاعتراف بالظلم، وحده، يضع أساسًا للضغط الفعلي على نظام يواصل القمع والإقصاء باسم الإصلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى