ينشغل العلماء الموالون لنظام آل سعود في تبرير التطبيع مع إسرائيل، والسعي لتسويقه على المستوى الشعبي، ليثبتوا أن المؤسسة الدينية الرسمية في العالم العربي، ماتزال أداة من أدوات الحكم، وأنها تغير من فتاواها وأحكامها الدينية، وفق تغير الواقع السياسي، وما تراه السلطة وفقا لكثير من المراقبين.
وكان لافتا بالنسبة لمراقبين عند استعراض أمثلة ترويج العلماء للتطبيع، خطبة الجمعة التي ألقاها إمام وخطيب الحرم المكي، عبد الرحمن السديس في الرابع من أيلول/سبتمبر الجاري، والتي تناول فيها ما نص عليه الإسلام، من حسن تعامل مع اليهود، وكيف كان الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، يحسن إلى جاره اليهودي، فيما اعتبره كثيرون بمثابة تمهيد ديني للتطبيع مع إسرائيل.
واعتبر معارضون للتطبيع، أن ما قاله السديس في خطبته لا يمكن أن يمثل رأيه الشخصي أو العلماء ولا رأي الدين في هذا التوقيت، وإنما هو يمثل المؤسسة السياسية، خاصة بالنظر لتلك العلاقة المعروفة، بين مؤسسة الحكم والمؤسسة الدينية الرسمية في السعودية، وكيف تغير المؤسسة الدينية من آرائها وفقا لرغبة الدولة.
أما في الجانب الإماراتي، الذي طبع بالفعل مع إسرائيل، فإن الداعية وسيم يوسف، والمعروف بصلاته القوية بمؤسسة الحكم، مازال يثير المزيد من الجدل، بآرائه التي تروج للتطبيع، وتعتبره الخيار الأفضل، وعبر حسابه على تويتر نشر يوسف، وما يزال ينشر العديد من التغريدات، التي ترى أن قرار التطبيع، يخدم فلسطين كما يساهم في إحلال السلم في العالم.
وخطا وسيم يوسف، خطوة أكثر جرأة للأمام في تغريداته، حيث سعى لتبرير التطبيع قائلا، إن إسرائيل ليست السبب في الأزمات المتعددة التي تمر بها دول العربية.
وقال في مقطع فيديو عبر قناته على يوتيوب إن “إسرائيل لم تفجر المساجد، ولم تصنع الفتنة بين السنة والشيعة، ولم تحرق كنائس العرب، وكل من فعل هذا هو نحن”.
ولم يكتف يوسف بذلك المقطع، بل أتبعه بتغريدة أخرى هاجم فيها ما وصفها بـ”الثورات المجنونة”، في إشارة لأحداث ما يعرف بالربيع العربي، كما وجه سهام النقد لأنصار حزب الله، وجماعة الإخوان المسلمين معتبرا إياهم أحد أهم أسباب التوتر في المنطقة.
ومثله مثل العلماء في المملكة العربية السعودية، حظي وسيم يوسف، بانتقادات كثيرة، على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب تبدل مواقفه إذ أنه عرف بدعمه للقضية الفلسطينية على مدار السنوات الماضية، وأكد دوما على أن القدس هي عاصمة فلسطين.
ويعكس اضطلاع المؤسسة الدينية الرسمية، بالترويج للتطبيع على المستوى الشعبي، في كل من السعودية والإمارات، حقيقة ذلك الدور الذي يلعبه الدين الاسلامي، في الخطاب السياسي للدول العربية، ومدى استخدام الحكام في تلك الدول للدين، لإضفاء الشرعية الدينية والسياسية على أنظمتهم.
ووفقا لمراقبين، فإن هناك توقعات بأن تشهد المرحلة القادمة، سعيا من قبل الدول العربية، لإعادة تشكيل الخطاب الديني، بما يتماشى مع مرحلة التطبيع وما بعدها، من خلال تسويق خطاب ديني، يخول أولياء الأمور حق إبرام الاتفاقيات مع إسرائيل، عبر استدعاء نصوص دينية، تخدم تلك التوجهات وتقدم التبرير لها.
وربما لا تمثل كل من السعودية والإمارات، استثناء في المنطقة العربية، في مجال سعي السلطات العربية للحصول على فتاوى دينية، تجيز اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، فقد أصدر مفتي الديار المصرية، جاد الحق علي جاد الحق عام 1979، فتوى مماثلة بعد توقيع مصر اتفاقية مع إسرائيل.
كما أصدر مفتي عام المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز، عام 1995 فتوى شبيهة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو.
غير أن الملاحظ وفقا لمراقبين أيضا، هو ذلك التماهي بين رؤية دور الدين، بين كل من إسرائيل والإمارات، في اتفاقات التطبيع الأخيرة، حيث يجري تسويق تلك الاتفاقات على أنها تقارب ديني، بين المسلمين واليهود والمسيحيين ، وقد كان لافتا إطلاق اسم (اتفاق إبراهام) عليها.
وفي مقال كتبه الباحثان الاسرائيليان أوفير ﭬينتر ويوآل غوجنسكي، ونشرته دورية “نظرة متبصرة”، التابعة لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يسرد الباحثان لرؤية الإمارات لاستخدام الدين، بنظرة مختلفة على اعتبار أنه يدعم التسامح.
ويشيران إلى أن الإمارات قامت بعدة خطوات في هذا الاتجاه، خلال السنوات الماضية كان منها إعلان العام 2019 “عامًا للتسامح”، والذي استضاف قمة بين قداسة البابا وشيخ الأزهر.
ويضيف الباحثان إن البابا وشيخ الأزهر “شاركا في بلورة وثيقة الإخوة البشرية، والهادفة ضمن ما أعلن، لتعزيز السلام العالمي، والتعايش بين أعضاء جميع الأديان.
ويتوقع في عام 2022 افتتاح مجمع “بيت العائلة الإبراهيمية ” الذي سيضم مسجداً وكنيسة وكنيساً، ويهدف إلى تعزيز القيم المشتركة للديانات التوحيدية الثلاثة وتشجيع التفاهم المتبادل وقبول الآخر بين جميع المؤمنين”.