تجاوز ولي العهد محمد بن سلمان هذا الأسبوع أخر الخطوط الحمر الممكنة في المملكة باعتقاله كبار الأمراء من الأقرب لوالده المملكة وجها رسالة صريحة بأنه مستعد لحرق الأخضر واليابس طمعا في العرش.
إذ شن بن سلمان حربا استباقية على ما يبدو باعتقال أمراء الصف الأول وأكثر المنافسين السابقين الباقين على العرش وفي مقدمتهم الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي يحظى بموافقة الغرب والداخل على توليه الحكم بعد الملك.
ويقول مطلعون ودبلوماسيون إنه بصرف النظر عما سيحدث في المستقبل بعد الملك، فإن تحدي سلطة محمد بن سلمان قد يكون صعبا في ظل قبضته المُحكمة على هيكل الأمن الداخلي.
لكن الكثير من الأمراء نظروا إلى الأمير أحمد بن عبد العزيز، البالغ من العمر 77 عاما، وهو الأخ الشقيق المتبقي الوحيد على قيد الحياة للملك سلمان، كبديل ممكن يحظى بدعم أفراد الأسرة والجهاز الأمني وبعض القوى الغربية، على حد قول اثنين من المصادر الخمسة التي تربطها علاقات بالنخبة السعودية.
وقبل اعتقاله بأسابيع نقلت وكالة رويترز العالمية للأنباء بأن الأمراء في المملكة ينظرون جميعا إلى الأمير أحمد ليروا ما سيفعل، وأنه لا تزال العائلة تعتقد أنه الوحيد الذي يستطيع الحفاظ عليها”.
ولم يظهر الأمير أحمد سعيا للقيام بهذا الدور، وفقا لمراقبين سعوديين، علما أنه لا يضطلع الأمير أحمد بدور رسمي، وظل بعيدا عن الأنظار إلى حد كبير منذ عودته إلى الرياض في أكتوبر تشرين الأول عام 2018 بعد أن أمضى شهرين ونصف الشهر في الخارج.
وخلال الرحلة، بدا أنه ينتقد قيادة المملكة بينما كان يرد على متظاهرين خارج مقر إقامته في لندن وهم يهتفون بسقوط أسرة آل سعود.
وكان الأمير أحمد واحدا من ثلاثة أشخاص فقط في هيئة البيعة، التي تضم كبار أفراد الأسرة الحاكمة، عارضوا أن يصبح بن سلمان ولي العهد في عام 2017، بحسب مصدرين سعوديين في ذلك الحين.
وقالت مصادر صلات بالعائلة المالكة إن موقف الأمير أحمد بشأن ما إذا كان سيتحدى الأمير محمد بن سلمان هو أنه “سنعبر هذا الجسر عندما نصل إليه”.
لكن بن سلمان لم يتمكن على ما يبدو من التحكم بمخاوفه ودوافعه لتأمين سلطته المهزوزة بفعل فشله داخليا وخارجيا ليدفع باعتقال الأمير أحمد في سعيه للخلاص من أقرب من منافسيه.
وبذلك انقلب مصير الأمير أحمد من ملك محتمل إلى سجين مؤكد، فيما لا جهة رسمية تقدم جوابا للسؤال عن أسباب هدر حقه المفترض في وراثة عرش البلاد وفق التراتبية التقليدية المعمول بها منذ نحو7 عقود في المملكة.
ويعتقد على نطاق واسع أن للأمير أحمد سيرة تفيض بمقومات أهليته لتولي الحكم أو لولاية العهد كما توافقت عليه العائلة بدا بحقيقة أنه أحد السديرين السبعة أي أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود من زوجته حصة السديري وهم الذين لطالما اعتبروا الجناح الأقوى في سلالته مرورا بكونه ثاني اثنين أولهم الملك الحالي سلمان لا يزالان على قيد الحياة من بين هؤلاء.
لكن مسار الأمير أحمد لم يكن سلسا بالمقارنة مع اشقاءه على الأقل فهو ظل نائباً لوزير الداخلية طوال سبعة وثلاثين سنة ثم حين تولى هذه الحقيبة الحساسة عام 2012 أعيد سحبها منه بعد نحو 5 شهور لصالح أبن شقيقه الأمير محمد بن نايف.
والأهم ربما في ماضيه الغير البعيد هو أن الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز قدم عليه أخاه الأصغر مقرن ليتولى منصب وولي العهد وهو ما أفسح الطريق لاحقا أمام جيل الأحفاد من سلالة عبد العزيز آل سعود وبالتحديد حين تخلى مقرن في عهد الملك سلمان عن ولاية العهد التي صرعان ما آلت إلى محمد بن سلمان.
وإذ أحكم بن سلمان قبضته سريعا على مفاصل الدولة فإن الحروب والصراعات التي أشعلها في المنطقة وكذا سياسات التي انتهجا بشقيها المروع والمثير للجدل فتحت الباب أمام عودة أحمد بن عبد العزيز إلى الواجهة بوصفه بديلاً محتمل لمحمد بن سلمان في حال نحت المملكة نحو ترميم الأضرار التي اصابت مكانتها وقررت وقف المغامرة بحاضرها ومستقبلها.
وكان الأمير أحمد عاد إلى المملكة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، وسط أنباء عن حصوله على ضمانات أمريكية وبريطانية بأن لا يتعرض إلى الأذى، فيما لوحظ تجنبه إلى حد كبير الظهور في مناسبات عامة منذ عودته إلى الرياض.
واستناداً إلى كبرى الصحف والوكالات العالمية بأن حجة إعداد الأمير احمد لانقلاب كما روجها معتقلوه غير واردة بالمطلق لأن كل ما بدر منه في الآونة الأخيرة هو انتقاد إغلاق الحرمين الشريفين بسبب فايروس كورونا.
وربما لا يبقى من الاحتمالات والحال هذه سواء أن الأمير احمد بن عبد العزيز ليس إلا ضحية انقلاب مبكر أطاح به قبل ان تفرض الظروف الداخلية وربما الإقليمية والدولية تتويجه ملكا منقذا أو مخلصا.