يتهدد المملكة العربية السعودية توقعات بتفاقم حاد للأزمة الاقتصادية مع رصد احتمال ارتفاع العجز التراكمي في السعودية إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2023.
ويأتي تصاعد التدهور الاقتصادي للمملكة في ظل فساد رموز نظام آل سعود وفشل سياسات ولي العهد محمد بن سلمان بما في ذلك رؤية 2030 التي أطلقها قبل أعوام.
وسجلت دول الخليج عجزاً مالياً متفاقما خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري بقيمة 180 مليار دولار، متأثرا بتهاوي عائدات النفط وتداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد التي شلت مختلف الأنشطة الاقتصادية.
وتستأثر السعودية وحدها بنحو 55% من إجمالي العجز في دول الخليج، وفق تقرير صادر مؤخراً عن وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني العالمية، التي توقعت ارتفاع العجز التراكمي إلى نحو 500 مليار دولار بحلول عام 2023.
وفقا لوكالة التصنيف العالمية، فإن العجوزات تفاوتت من دولة إلى أخرى بالمنطقة في النصف الأول، وتراوحت بين 15% و25% من إجمالي الناتج المحلي، باستثناء قطر التي حافظت على عجز بنحو 8%.
وتمت تغطية عجز دول الخليج خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري باقتراض 100 مليار دولار، منها حوالي 60.3 مليار دولار على شكل سندات بارتفاع 10 مليارات دولار عن العام الماضي 2019، فيما تمت تغطية الجزء المتبقي (80 مليار دولار) بالسحب من الاحتياطيات العامة.
وتوقع صندوق النقد الدولي، في أحدث تقاريره حول آفاق الاقتصاد العالمي في 24 يونيو/حزيران الماضي، انكماش الاقتصاد في منطقة الخليج بنسبة 7.6% في 2020.
وبلغ العجز التراكمي في ميزانية السعودية في الربع الثاني من العام الحالي 109.23 مليارات ريال (29.12 مليار دولار)، مرتفعا من حوالي 9 مليارات دولار في الربع الأول، وفقا لبيانات وزارة المالية.
وبحسب بيانات الوزارة جمعت المملكة 44.56 مليار ريال (12 مليار دولار) من سندات دين في الأسواق الدولية، و41.12 مليار ريال (11 مليار دولار) من السوق المحلية، إضافة الى سحب 48.67 مليار ريال (حوالي 13 مليار دولار) من الاحتياطيات.
وحتى نهاية يونيو/حزيران، ارتفع الدين العام و العجز التراكمي للمملكة إلى 820 مليار ريال (حوالي 218.6 مليار دولار)، من 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار) في نهاية 2019.
وتتزايد الضغوط المالية على السعودية عاما تلو الأخر منذ نهاية 2014. وفي مارس/آذار الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من اندثار ثروات المملكة في عام 2035، إذا لم تتخذ “إصلاحات جذرية في سياساتها المالية” التي ترتكز أساساً على عائدات النفط مثل باقي دول الخليج، التي توقع أن تندثر أيضاً ثرواتها في سنوات متفاوتة، لتكون البحرين الأقرب إلى هذا السيناريو عام 2024.
وتعمل الأسعار الرخيصة للنفط على جرّ الموارد المالية للبلدان المنتجة للنفط إلى الانهيار، حيث كشف تقرير لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني العالمي، في إبريل/نيسان الماضي، أن السعودية، بحاجة إلى سعر 91 دولاراً للبرميل، لتحقيق نقطة تعادل في موازنتها، بينما وصل خام برنت العالمي بعد رحلة شاقة من محاولات الصعود عقب أشهر طويلة من الهبوط منذ بداية العام الجاري إلى نحو 45 دولاراً للبرميل.
واضطرت السعودية بجانب الاستدانة إلى بيع أصول خارجية، حيث كشف صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي) في وقت سابق من أغسطس/آب الجاري عن بيع حصصه في شركات عالمية كبرى أغلبها أميركية، وتقليص مساهماته في كيانات أخرى، من أجل سداد ديون وتقليص خسائر عميقة تكبدها، بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد على الأسواق العالمية.
وزادت جائحة كورونا من الضغوط المالية التي تتعرض لها المملكة، إذ سببت خسائر فادحة لاستثمارات خارجية تبناها وليّ العهد محمد بن سلمان خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب بيان صادر عن وزير المالية محمد الجدعان، في يونيو/حزيران الماضي، حولت المملكة ما إجماليه 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي لتمويل استثمارات لصندوق الاستثمارات العامة، في مارس/آذار وإبريل/نيسان، من دون ذكر مزيد من التفاصيل عن التحويلات التي قال إنها جرت “بشكل استثنائي”.
وفي تقرير لها في 17 مايو/أيار، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن لجائحة كورونا وانهيار أسعار النفط تأثيرات سلبية على الطموحات والأحلام الكبيرة التي كان يخطط لها بن سلمان.
ولم تقتصر عمليات سحب الأموال لتغطية الخسائر وسد العجز المالي للمملكة على بيع المساهمات في شركات عالمية والسحب من الاحتياطي النقدي والاستدانة محلياً ودولياً، بل امتدت إلى تقليص الاستثمار في أدوات الدين الأميركية التي تعد السعودية أكبر الدول الخليجية استثماراً فيها.
وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، أن السعودية قلصت حيازتها في سندات الخزانة بنهاية مايو/أيار الماضي، إلى 123.5 مليار دولار، مقابل 184.4 مليار دولار في فبراير/شباط.
ولم تفلح خطط وإجراءات السعودية لإقصاء منافسين كبار في سوق النفط. ففي ذروة جائحة كورونا، خلال مارس/ آذار وإبريل/نيسان الماضيين، شنت الرياض حرب أسعار على منتجين من خارج منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) على رأسهم روسيا المنافس الرئيسي للمملكة في سوق الطاقة العالمي.
وهدفت الحرب إلى الدفع بموسكو لاتفاق على تخفيضات في الإنتاج لإعادة التوازن إلى أسواق الطاقة، التي تراجع الطلب فيها بأكثر من 15%، الأمر الذي ألحق ضررا بالغا في اقتصاديات المنتجين.
لكن، وبإجماع تقارير وأرقام محلية ودولية، بما في ذلك تقارير وزارات المالية في دول الخليج نفسها، تظهر أن السعودية وحلفاءها، وباقي دول مجلس التعاون الخليجي وحتى منتجي الزيت الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، كانوا الأكثر تضررا من هذه الحرب.
وتحتاج دول الخليج لسعر لبرميل النفط بين 50 دولارا في الحد الأدنى للكويت وأكثر من 80 دولارا للسعودية والبحرين، للوصول إلى نقطة التوازن في موازناتها، بينما لا تحتاج دولة مثل روسيا إلى أكثر من 43 دولارا للبرميل، وفق تقديرات نشرتها وكالة الأناضول، أمس الخميس.
هذا يعني أن بقاء الأسعار في مستواها الحالي لما تبقى من هذا العام، وربما العام القادم وهو المرجح، بسبب تسارع وتيرة تفشي وباء كورونا، لن يوقف النزيف في موازنات دول الخليج.