معتقلي الرأي

دليل جديد على الطبيعة القمعية للسلطات السعودية رغم مزاعم الإصلاح

أعربت منظمات حقوقية دولية عن قلق بالغ إزاء الأوضاع الصحية والإنسانية للناشطة السعودية نورة بنت سعيد القحطاني، المحتجزة في الحبس الانفرادي في أحد سجون المملكة منذ أكثر من شهرين، في ما وصفته هذه المنظمات بأنه “انتهاك جسيم لمعايير القانون الدولي” و”دليل إضافي على الطبيعة القمعية للسلطات السعودية رغم مزاعم الإصلاح”.

وقالت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إلى جانب عدد من الهيئات الحقوقية الدولية، إن استمرار احتجاز القحطاني في عزل انفرادي مطول منذ فبراير 2025 أدى إلى “تدهور سريع في حالتها الصحية”، وطالبت بـ”الإفراج الفوري وغير المشروط عنها”، مؤكدة أن حالتها الحالية “تستلزم عناية طبية عاجلة وغير قابلة للتأجيل”.

إدانة “تغريدة” وسجن عشرات السنين

نورة القحطاني، وهي أم لخمسة أطفال تبلغ من العمر 51 عامًا، حُكم عليها في أغسطس 2022 بالسجن 45 عامًا من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة، وهي محكمة ترتبط مباشرة بجهاز أمن الدولة.

وقد جاءت التهم ضدها على خلفية استخدام حسابات على منصة تويتر لانتقاد السياسات الحكومية، والمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان.

كما شملت التهم الموجهة إليها حيازة كتاب محظور، في إشارة إلى أحد الكتب التي تُعتبر مثيرة للجدل في المملكة.

ورغم أن القحطاني أعيدت محاكمتها في سبتمبر 2024، ما أسفر عن خفض العقوبة إلى 35 عامًا يليها حظر سفر للمدة ذاتها، إلا أن منظمات حقوق الإنسان اعتبرت الحكم الجديد مجرد “تلطيف شكلي” لحكم لا يمتّ للعدالة بصلة.

ووصفت المنظمة الأوروبية السعودية الحكم بأنه “مهزلة قضائية”، مؤكدة أن “إدانتها مبنية بالكامل على ممارستها السلمية لحق التعبير”.

الأمم المتحدة: احتجاز تعسفي ومخالف للقانون الدولي

في يوليو 2023، وبعد شكوى مقدمة من منظمات غير حكومية، اعتمد فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي رأيًا قانونيًا يعتبر أن احتجاز القحطاني “تعسفي وغير قانوني”، وطالب السلطات السعودية بالإفراج الفوري عنها.

لكن السعودية تجاهلت هذا المطلب، كما تجاهلت في مناسبات عديدة أخرى توصيات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وسط ما وصفه نشطاء بأنه “تواطؤ دولي صامت أو مصلحي” مع انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.

الحبس الانفرادي.. أداة تعذيب منهجي

تسلط قضية القحطاني الضوء على استخدام السلطات السعودية الحبس الانفرادي المطول كأداة لمعاقبة السجناء السياسيين، وهي ممارسة تعتبرها المنظمات الدولية شكلاً من أشكال التعذيب.

ووفقًا لمعايير الأمم المتحدة، فإن الحبس الانفرادي الذي يتجاوز 15 يومًا يمكن أن يصل إلى حد المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وفي حالة نورة القحطاني، تقول التقارير الحقوقية إنها أمضت أكثر من شهرين في عزلة تامة، دون تواصل مع أسرتها أو محاميها، ما يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق السجناء بموجب القانون الدولي.

انتهاك مضاعف لحقوق النساء

البيان الحقوقي الصادر هذا الأسبوع أشار أيضًا إلى أن قضية نورة القحطاني تجسّد “نمطًا ممنهجًا من التمييز ضد النساء المدافعات عن حقوق المرأة”، في وقت تروج فيه السلطات السعودية لإصلاحات ظاهرية في هذا المجال.

وأضاف البيان أن القحطاني، مثلها مثل ناشطات أخريات كمناهل العتيبي ومها الرفيدي، تتعرض لانتهاكات داخل السجن تشمل الحرمان من الرعاية الطبية وحرمانها من التواصل مع محامٍ.

حتى من أُفرج عنهن مثل لجين الهذلول وسلمى الشهاب، لا يزلن تحت قيود صارمة تشمل حظر السفر والمراقبة الأمنية، مما يمنعهن من الالتحاق بأسرهن في الخارج أو متابعة تعليمهن أو فرص عمل في بيئة حرة.

انتهاكات ممنهجة خلف واجهة “الإصلاح”

ورغم أن المملكة شهدت إفراجات محدودة في الأعوام الأخيرة عن عدد من معتقلي الرأي، إلا أن المنظمات الحقوقية تؤكد أن هذه الخطوات ليست سوى محاولات لتلميع الصورة، في وقت يتواصل فيه “القمع المنهجي” لأي معارضة سلمية.

وتقول تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إن السعودية لا تزال تحتجز المئات من معتقلي الرأي، من بينهم كتاب وصحفيون وأكاديميون وعلماء دين، وكثير منهم يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة داخل السجون، وسط غياب كامل للشفافية أو المساءلة.

وفي ختام البيان، دعت المنظمات الحقوقية السلطات السعودية إلى:

الإفراج الفوري وغير المشروط عن نورة بنت سعيد القحطاني وكل من تم احتجازهم بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم؛

ضمان سلامة القحطاني الجسدية والنفسية إلى حين الإفراج عنها؛

توفير الرعاية الطبية الفورية والكافية لها؛

وإنهاء الممارسات التعسفية بحق النساء الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان.

واعتبر البيان أن الإفراج عن القحطاني ومعتقلي الرأي الآخرين هو اختبار حقيقي لجدية أي إصلاحات، وليس مجرد خطاب للاستهلاك الخارجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى