كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية النقاب عن أن استغناء الصين عن النفط السعودي لفائدة الخام الأمريكي، دفع المملكة لاتخاذ خطوات تركّزت حول تخزين نفطها غير المَبِيع، إضافة إلى خفض الأسعار، في محاولة منها للبحث عن مشترين جدد في آسيا.
وقالت الصحيفة إن الخطوة السعودية يمكن أن تجعل ذلك النفط أكثر جاذبية للمشترين الإقليميين الآخرين، وهو الأمر الذي قلب طرق تجارة النفط التقليدية في جميع أنحاء العالم رأساً على عقب، ويزيد من انخفاض الأسعار.
وأوضح تقرير الصحيفة الأمريكية أن المملكة تلجأ الآن أيضاً لتخزين النفط غير المُباع داخل البلاد وخارجها، بما في ذلك في محطات تخزين في مصر وسنغافورة والصين.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تعمل حاليا على سريعاً مبيعاتها من النفط إلى الصين، أكبر مستورد في العالم، مُجبِرَةُ المورّدين التقليديين في الشرق الأوسط على البحث عن أسواق جديدة أو الاحتفاظ بنفطهم الخام في عالمٍ يتسم بوجود فائض عرض بالفعل.
إذ إن الصين كانت قد وافقت في وقتٍ سابق من هذا العام، 2020، على شراء النفط الخام الأمريكي كجزء من صفقة أكبر تهدف لتخفيف التوترات التجارية المتزايدة بين القوتين العالميتين.
ووافقت إدارة ترامب على خفض بعض التعريفات الجمركية على البضائع الصينية، في مقابل شراء صادرات الزراعة والطاقة والتصنيع الأمريكية.
وبحسب شركة بيانات السوق البريطانية Vortexa Ltd، استحوذت الولايات المتحدة على 7% من واردات النفط الخام الصينية، حتى منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، مقارنةً بـ0.4% في يناير/كانون الثاني الماضي.
في الوقت نفسه تراجعت الحصة السوقية للسعودية، أكبر الموردين التقليديين للصين، إلى 15%، بعدما كانت 19% في نفس الفترة.
وتتوقع فيرجيني بانيك، المحللة الأولى بشركة Petro-Logistics SA ومقرها مدينة جنيف السويسرية، وفقاً لبيانات الناقلات الأخيرة، أن تبلغ الصادرات الأمريكية للصين ما يصل إلى 700 ألف برميل يومياً، بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وقالت الصحيفة لا يزال أمام مشتريات الصين حتى الآن طريق طويل للوفاء بالالتزامات الواردة في الصفقة، وهي إلى حدٍّ ما تعيد فقط تدفقات النفط الخام التي توقفت في خضم التوترات التجارية السابقة بين الولايات المتحدة والصين.
وأضافت: كجزء من هذه الصفقة، وافقت الصين في يناير/كانون الثاني الماضي على شراء ما قيمته 52.4 مليار دولار من النفط والغاز الطبيعي المُسال من الولايات المتحدة بحلول نهاية 2021.
بيد أنَّ الشراء تأجَّل بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، لكنَّه تصاعد في الآونة الأخيرة.
ويتسبب هذا الآن في قلب طرق تجارة النفط التقليدية في جميع أنحاء العالم رأساً على عقب، ويزيد من انخفاض الأسعار.
ففي خضم الشحنات الأمريكية الجديدة إلى الصين، خفَّضت السعودية مؤخراً أسعار نفطها الخام للمشترين في آسيا، في خطوة يمكن أن تجعل ذلك النفط أكثر جاذبية للمشترين الإقليميين الآخرين.
وتلجأ المملكة الآن أيضاً لتخزين النفط غير المُباع داخل البلاد وخارجها، بما في ذلك في محطات تخزين في مصر وسنغافورة والصين.
وقالت شركة Kayrros المختصة بتحليل السلع، ومقرها باريس، إنَّ مخزونات النفط الخام السعودي المحلية ارتفعت 7% لتصل إلى 81 مليون برميل في الأسبوعين السابقين على 20 سبتمبر/أيلول الماضي، وهو مستوى لم نشهده منذ يونيو/حزيران الماضي.
وتتأثَّر الصادرات من منتجي الشرق الأوسط الآخرين للصين أيضاً. فبحسب شركة Petro-Logistics، تراجعت الشحنات من بلدان مجلس التعاون الخليجي -باستثناء السعودية- بواقع 400 ألف برميل على الأقل يومياً، لتصل إلى 1.6 مليون برميل يومياً، في سبتمبر/أيلول الماضي، مقارنةً بمتوسط مستوياتها في الفترة من أبريل/نيسان وحتى يوليو/تموز الماضيين.
وقال مستشار سعودي في مجال الطاقة إنَّ التغيُّر “مؤقت فقط”.
لكن هل تستمر الصفقة الأمريكية الصينية؟ تنتهي الصفقة الصينية الأمريكية بنهاية العام المقبل، وكانت المصافي الصينية تاريخياً يغذيها نفط الشرق الأوسط وروسيا وغرب إفريقيا.
وقد يؤدي تغيُّر الإدارة بعد الانتخابات الأمريكية الشهر المقبل، أو تغيير المسار من جانب الرئيس دونالد ترامب، إلى تهديد استمرار الشراء. وهذا هو الحال بالتحديد في خضمّ المناوشات الاقتصادية والجيوسياسية الجديدة بين واشنطن وبكين.
لكنَّ بعض المحللين يقولون إنَّه بعدما أعادت بعض المصافي الصينية تجهيز محطاتها لمعالجة الأصناف الأمريكية، فإنَّها قد تستمر في الشراء.
وهذه أنباء جيدة للموردين الأمريكيين، الذين عانوا مثل بقية منتجي العالم من تراجع أسعار النفط.
ويمنح الحصول على موطئ قدم في السوق الصينية شركات النفط الصخري الأمريكية على وجه التحديد منفذاً كان مغلقاً حين كانت المعركة التجارية بين الولايات المتحدة والصين على أشدها العام الماضي.
وقالت ساندي فيلدين، المحللة بشركة Morningstar Inc للخدمات المالية، ومقرها الولايات المتحدة، إنَّ الصفقة ساعدت الموردين الأمريكيين وسط الانكماش الاقتصادي.
وأضافت: “لو لم يُصدَّر النفط الخام ما كان ليُوجَد مكان له محلياً، وكان سيتسبب في معاناة أكبر بكثير للمنتجين”.