من تكميم الأفواه إلى تحريم الصمت، ومن تسطير “قائمة سوداء في حبّ قطر” إلى القبض على دعاةٍ سعوديين بتهمة رفض المشاركة في حملة التحريض ضدّ الدوحة. مراحل مرّت بها الحملة الإعلاميّة والإلكترونيّة لنظام آل سعود.
دفع إلقاء القبض على الدعاة سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري بردود فعلٍ رافضة إلكترونياً. وكان التعليق الأكثر تداولاً وانتشاراً يُشير إلى انتقال السعوديّة من منع حريّة التعبير إلى منع حريّة الصمت. وقال أحد المغردين “لم نعد نتمنى حرية الرأي، أصبحنا نتمنى حرية الصمت”.
وأتى الاعتقال بعد تغريدة، اعتبرها المغردون سبباً رئيسياً في القبض على الداعية، قال فيها “ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”.
ويواصل نظام آل سعود فرض قبضته الأمنية على المواطنين والكفاءات والناشطين الموجودين في المملكة عن طريق فرض الرعب وفرض حالة من الخوف بين جميع المواطنين, وذلك من خلال شن حملة الاعتقالات الواسعة التي تقوم بها السلطات منذ فترة طويلة.
وإبقاء وفرض حالة الخوف على المواطنين داخل البلد هو حالة لإيجاد توازن من الرعب والخوف لإحكام القبضة الامنية على المواطنين.
وهذا ما يستخدمه الملك سلمان وولي عهده محمد عن طريق شن حملة الاعتقالات الدورية المستمرة على جميع من يقول لا أو يبدي برأيه داخل المملكة وهو فرض لإبقاء هاجس الخوف على جميع من داخل البلد.
منذ فترة طويلة وسلطات آل سعود تقوم بشن حملة اعتقالات واسعة داخل المملكة طالت نشطاء ودعاة ومواطنين ونساء واطفال تحت سن الثامنة عشر, هي حملة كانت موجودة ولكن بن سلمان وسع دائرة الاعتقالات وزاد من حدتها.
يعتقل بن سلمان وسلطته كل من يبدي رأيه على مواقع التواصل الاجتماعي او بين مجموعة من الناس او بين نفسه, هي حملة شرسة يسعى بن سلمان وولي عهده للمحافظة على الحكم وإبقاء هاجس الخوف بين المواطنين.
وقد بدأت السلطات السعودية باعتقال عدد كبير من الاشخاص معظمهم من العلماء والمفكرين والأكاديميين والكتاب والقضاة والنشطاء الاجتماعيين والدعاة, وعرض معظمهم على محاكمات سرية, وفي منتصف العام 2018 قامت ايضا السلطات السعودية بزج عدد من الناشطات والحقوقيات في السجون, وغيرهم من المعتقلين السياسيين الموجودين في السجون منذ سنوات.
وشهدت المملكة, خلال العامين الماضيين, أكبر حملة اعتقال طالت المئات من النشطاء والحقوقيين, الذين يحاولوا التعبير عن رأيهم الذي يعارض ما تشهده السعودية من تغييرات, وسط مطالبات حقوقية بالكشف عن مصيرهم وتوفير العدالة لهم.
وتم اعتقال مجموعة من الناشطين من رجال ونساء، في السعودية في مايو/أيار 2018 ، قبيل إلغاء حظر قيادة المرأة للسيارة في الشهر التالي, واتهم معظمهم بالخيانة وتقويض استقرار المملكة, لكن تم إطلاق سراح بعضهم.
وتعرض هؤلاء المعتقلون إلى أشد أنواع الانتهاكات الجسدية والمعنوية, منها التعذيب, والحبس الانفرادي, ومنع أفراد عوائلهم من السفر, في حين قتل نحو 5 منهم داخل السجون, وأطلق سراح آخرين إثر إصابتهم بأمراض عقلية من شدة تعرضهم للتعذيب, وسط تكتم رهيب من قبل السلطات السعودية.
ومن جهتها حذرت منظمات حقوقية دولية من مخاطر اعتقال عدد من النشطاء والناشطات الذين يعملون في الدفاع عن حقوق المرأة للمحاكمة في المملكة, وطالبوا بالإفراج الفوري عنهم والسماح لمراقبين دوليين بالوصول إليهم.
وعلقت الجمعية الفرانكفونية لحقوق الإنسان, على إعلان النيابة العامة السعودية انتهاء التحقيقات مع عدد من معتقلي الرأي في البلاد, قائلة: إنه “يثير شكوكاً ومخاوف حول ظروف الاعتقال والتحقيق التي أدت إلى اعتراف النشطاء بالتهم المنسوبة إليهم.
ومن جانبها قالت منظمة العفو الدولية: إن ” إعلان النيابة العامة السعودية بمنزلة إشارة مروعة إلى تصعيد حملة قمع نشطاء حقوق الإنسان”, محذرة في بيان من مخاطر إحالة السعودية النشطاء إلى المحاكمة, ومن ضمنهم النساء الرائدات في العمل لحقوق المرأة.
بدورها علقت منظمة هيومن رايتس ووتش قائلة: “إن إعلان النيابة العامة السعودية لوائح الدعوى ضد الناشطات المعتقلات لم يحدد أي اتهامات لهن”, مضيفة أن الإعلان لم يشر إلى ادعاءات المعتقلات بشأن تعذيبهن.
ودعت المنظمات الحقوقية المجتمع الدولي إلى القيام بدوره للتأكد من احترام السلطات السعودية للالتزامات الواقعة عليها بموجب مصادقتها على مواثيق حقوق الإنسان, وبموجب الأحكام الدولية العرفية ذات الصلة بحقوق الإنسان وحظر التعذيب والاعتقال التعسفي.
وذكرت منظمة العفو الدولية أن ناشطين سعوديين, بينهم نساء, ألقى القبض عليهم في حملة حكومية شنت هذا العام, قد تعرضوا للتحرش الجنس والتعذيب أثناء استجوابهم والتحقيق معهم.
وأوردت المنظمة الحقوقية في تقرير استنادا إلى ثلاث شهادات منفصلة إن النشطاء المحتجزين منذ أيار/مايو في سجن ذهبان على ساحل البحر الأحمر (غرب المملكة) تعرضوا بشكل متكرر للصعق الكهربائي والجلد بالسياط ما جعل البعض منهم غير قادر على الوقوف أو المشي.
وأضافت منظمة العفو أن واحدا من الناشطين على الأقل تعرض للتعليق في السقف, واقدم محققون بعد تغطية وجوههم على التحرش جنسياً بامرأة معتقلة.
وتابعت بالإضافة إلى احتجاز السلطات السعودية للناشطين “ببساطة بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم، فإنها تعرضهم أيضا لمعاناة جسدية مروعة”.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن الحكومة السعودية غارقة في محاولاتها الرامية إلى إسكات المعارضة لدرجة أنها تعيد استهداف النشطاء الذين التزموا الصمت خوفا من الانتقام”.
وأضافت: “على السعودية الحذر من أن موجة القمع الجديدة قد تجعل حلفاءها يشككون في مدى جديتها بشأن تغيير نهجها تجاه حقوق المرأة”.
وفي ايار/ مايو الماضي, شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات طالت 17 ناشطا وناشطة بارزين في مجال حقوق المرأة, خصوصا نساء كن ينشطن في سبيل نيل المرأة الحق في قيادة السيارة وإنهاء وصاية الرجل عليها, وفي 24 حزيران/يونيو, بدأت النساء في السعودية بقيادة السيارات في شوارع المملكة بعد رفع الحظر الذي استمر لعقود, في خطوة إصلاحية جاءت ضمن حملة إصلاحات وتغييرات اجتماعية.
واتهمت السلطات السعودية النشطاء ب”الإضرار بمصالح المملكة العليا, وتقديم الدعم المالي والمعنوي لعناصر معادية في الخارج”.
وتعد هذه الاعتقالات بمثابة تحرك محسوب من قبل ولي العهد محمد بن سلمان ذي النفوذ الواسع لاسترضاء رجال الدين الغاضبين من حملة التحديث, فضلا عن إرسال إشارة واضحة للناشطين بأنه وحده هو محرك التغيير, وإبقاء حالة الخوف والرعب لدى المواطنين.
علق مغردون على سياسات بن سلمان (يعلم المستبد أن بقائه مرهون بخوف الشعب منه, فإذا ما زال هذا الخوف, أصبح حكمه مهدداً, وعليه هو يحافظ على إدامة الرعب والسيطرة من خلاله على المواطنين السعوديين).