أخبار

السعودية تحت ضغط اقتصادي: عوائد صندوق الاستثمارات العامة تتراجع إلى الصفر

كشفت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية أنّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) – الذراع المالية الأبرز لولي العهد محمد بن سلمان ومحرّك “رؤية 2030” – سجل في عام 2024 عائدًا سنويًا يقارب الصفر، في تراجع حاد عن مستويات السنوات السابقة.

وأظهر التقرير أن الصندوق لم يتمكن من تحقيق أرباح تذكر من استثماراته العالمية والداخلية، معتمدًا بشكل أساسي على تحويل أرباح شركة أرامكو لسد الفجوة، فيما يتعرض لضغط متزايد بسبب ضعف الأسواق وتباطؤ المشاريع العملاقة.

هذا التطور لا يقتصر على كونه مجرد انتكاسة مالية، بل يعكس فشلًا أوسع في السياسات الاقتصادية التي بُنيت عليها “رؤية 2030″، والتي وعدت بتحويل الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متنوع وحديث.

من طموح عالمي إلى تراجع فعلي

أُعيد إطلاق صندوق الاستثمارات العامة عام 2016 ليكون القاطرة التي تدفع بمشاريع ولي العهد الكبرى، من نيوم إلى القدية وذا لاين، إضافة إلى استثمارات ضخمة في التكنولوجيا العالمية مثل “أوبر” و”سوفت بنك”. لكن بعد أقل من عقد، تبدو الصورة قاتمة:

العائد الاستثماري 2024 بلغ قرابة الصفر، بعدما كان الصندوق يعلن أرقامًا طموحة في السابق.

تراجع أسعار الأسهم العالمية وتباطؤ النمو في الأسواق الأميركية والأوروبية قلص من قيمة الاستثمارات.

مشاريع محلية متعثرة تكلف عشرات المليارات – مثل “ذا لاين” في نيوم – شهدت تخفيضات في حجمها أو تأجيلات غير محددة.

هذا الأداء جعل الصندوق يعتمد بصورة متزايدة على توزيعات أرباح أرامكو، وهو ما يعيد الاقتصاد فعليًا إلى دائرة الاعتماد على النفط بدلًا من التخلص منه.

هشاشة النموذج الاقتصادي الجديد

كان يُفترض أن تمثل “رؤية 2030” تحررًا من الاعتماد المفرط على النفط عبر: تنمية الاستثمارات العالمية، تحفيز السياحة كقطاع بديل، تشجيع الصناعات الخضراء والتقنيات الحديثة.

لكن المؤشرات الحالية تظهر العكس:

الاستثمارات العالمية للصندوق سجلت خسائر في قطاعات التكنولوجيا والعقارات.

قطاع السياحة، رغم الإعلان عن أرقام الزوار، ما يزال يعتمد على مناسبات موسمية ومهرجانات ترفيهية ضخمة لا تحقق عوائد اقتصادية مستدامة.

مشاريع الطاقة المتجددة لم تحقق تقدمًا نوعيًا، فيما يبقى الغاز والنفط الدعامة الأساسية للإيرادات.

وأكدت وكالة بلومبيرغ أنّ “العوائد عند الصفر” تكشف هشاشة النموذج السعودي الذي لا يزال يترنح بين تسويق المشاريع العملاقة والافتقار لنتائج ملموسة على الأرض.

مشاريع عملاقة.. تخفيضات وتآكل الثقة

تُعتبر المشاريع الضخمة مثل نيوم – التي وُصفت بأنها مدينة المستقبل – رمزًا لطموح ولي العهد. لكن تقارير متعددة كشفت عن تخفيضات كبيرة في الأهداف، من حيث عدد السكان المستهدف أو طول “ذا لاين”.

كما أُجِّلت مشروعات رئيسية في البنية التحتية والترفيه بسبب تضخم التكاليف وغياب التمويل الخارجي الكافي. ونتيجة لذلك:

الشركات الأجنبية ترددت في ضخ استثمارات مباشرة، خشية المخاطر وعدم وضوح العائد.

الحكومة اضطرت إلى زيادة الاقتراض الداخلي والخارجي لدعم هذه المشاريع.

العاملون الأجانب واجهوا تأخرًا في مستحقاتهم داخل بعض المشاريع، ما يهدد سمعة المملكة كوجهة استثمارية.

هذه المؤشرات تقوض الرواية الرسمية عن “التنويع الاقتصادي” وتُظهر أن رؤية 2030 أصبحت أسيرة النفط وأرباح أرامكو.

أرامكو: المنقذ الوحيد

في ظل هذا التراجع، تبقى شركة أرامكو المصدر الرئيس لتدفق الأموال نحو الصندوق والاقتصاد السعودي. الشركة، رغم قوتها، تواجه بدورها تحديات:

انخفاض أسعار النفط نسبيًا مقارنة بذروة 2022.

التزامات متزايدة بتوزيع أرباح ضخمة للمستثمرين المحليين والدوليين.

ضغوط التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة والقيود المناخية.

ومع اعتماد الصندوق على تحويل أرباح أرامكو، يصبح الاقتصاد السعودي أكثر عرضة للتقلبات النفطية، ما يناقض جوهر “رؤية 2030”.

انكشاف مالي وفشل استراتيجي

تراجع العوائد إلى الصفر يعني أن السعودية لم تنجح في تحقيق الأهداف التي وعدت بها:

جذب استثمارات أجنبية مباشرة لم يصل إلى المستويات المعلنة.

تخفيض البطالة ما يزال تحديًا، خصوصًا في صفوف الشباب.

الإصلاحات المالية مثل فرض ضريبة القيمة المضافة لم تعوض العجز الناتج عن تقلب أسعار النفط.

وفوق ذلك، فإن تزايد مستويات الاقتراض والاعتماد على السندات الدولية يعكس هشاشة الوضع المالي. حيث ارتفع الدين العام إلى مستويات قياسية تاريخيًا، ما يهدد الاستقرار على المدى الطويل.

انعكاسات داخلية وإقليمية

النتائج السلبية للاقتصاد السعودي تلقي بظلالها على الداخل والخارج:

داخليًا: خيبة أمل شعبية من وعود التحديث التي لم تتحقق، خصوصًا في مجالات السكن والوظائف.

إقليميًا: تراجع النفوذ الاقتصادي السعودي لصالح منافسين مثل الإمارات وقطر، اللتين تمكنتا من الحفاظ على جاذبية أكبر للاستثمارات الأجنبية.

عالميًا: تآكل الثقة في الطموحات السعودية، حيث ينظر المستثمرون بحذر إلى مشاريع المملكة بعد تكرار التأجيلات والتخفيضات.

رؤية 2030 على حافة الفشل

ما تكشفه أرقام بلومبيرغ ليس مجرد “عام سيئ” لصندوق الاستثمارات العامة، بل مؤشر خطير على أن رؤية 2030 تواجه مأزقًا حقيقيًا.

فالاقتصاد السعودي، الذي أراد ولي العهد أن يحوله إلى قوة عابرة للنفط، لا يزال رهينة الذهب الأسود، وأي هزة في أسعار الخام قد تقود إلى أزمة مالية عميقة.

من الاعتماد على أرامكو إلى فشل المشاريع العملاقة، ومن تراجع الاستثمارات العالمية إلى غياب عوائد ملموسة، تبدو المملكة في مواجهة الحقيقة: التنوع الاقتصادي ما يزال شعارًا أكثر من كونه واقعًا. وإذا لم يتم إصلاح جذري في السياسات الاقتصادية، فإن حلم “رؤية 2030” قد يتحول إلى عبء مالي واستراتيجي يطارد السعودية لعقود قادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى