مضى عامين على حملة اعتقالات سبتمبر التي شنها ولي العهد محمد بن سلمان ضد رموز وأفراد تيار “الصحوة” والذي يعد أكبر تيار ديني في المملكة واكن يحظى بعلاقات قوية مع نظام آل سعود في السابق.
وقد تعرض الكثير من هؤلاء المعتقلين للتعذيب والمعاملة القاسية داخل السجون ومحاكمة عدد قليل منهم ومطالبة نيابة آل سعود العامة بإعدامهم في حين يوجد عدد كبير منهم لم يتم محاكمتهم ولا تعرف اخبارهم.
وبعد سيطرة محمد بن سلمان على الحكم بعد صعوده لكرسي ولاية العهد على حساب ابن عمه محمد بن نايف في حزيران 2017 تم تنفيذ حملات منظمة لاعتقال عدد كبير من تيار الصحوة والدعاة والنشطاء والصحافيين وغيرهم.
وبدأت الحملة باعتقال الداعية الإسلامي سلمان العودة، ثم الداعية عوض القرني، والداعية علي العمري، قبل أن يتم اعتقال الخبير الاقتصادي عصام الزامل، والإعلاميين فهد السنيدي ومساعد الكثيري والعشرات من أفراد الصف الثاني والثالث من “تيار الصحوة”.
كما منع نظام آل سعود بقية رموز التيار من الخطابة والكتابة والظهور في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقام بإجبار عدد من الدعاة، الموالين له أصلاً، بالتوقف عن الحديث في الشأن العام، قبل أن يقوم بجولات اعتقال أخرى لعلماء، مثل ناصر العمر وسفر الحوالي.
وبعد شهر واحد من حملة اعتقالات سبتمبر قال محمد بن سلمان إنه “سيدمرهم الآن وفوراً”, وذلك خلال مؤتمر الاستثمار السعودي في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، في إشارة إلى “تيار الصحوة”، محملاً إياه مسؤولية التطرف في البلاد.
ولم تكتفِ سلطات آل سعود بحملات الاعتقال العنيفة بحق رموز وأفراد التيار، بل إن وزارة التعليم أصدرت أوامر بتشكيل لجان تحقيق بحق الأساتذة في الجامعات والمدارس، والتحقيق معهم بشأن وجود شبهات في انتمائهم إلى “الصحوة”.
وتعرض رموز “تيار الصحوة” لحملات تعذيب، أشرفت عليها فرق أمنية متخصصة، إذ قال نجل سلمان العودة، عبد الله، في مقابلة مع قناة “بي بي سي”، إن والده تعرض للتعذيب عبر حرمانه من تناول أدويته العلاجية، كما أنه حرم من النوم لأيام متتالية، ويتم تقييد يديه ورجليه ووضع عصبة على عينيه داخل الزنزانة، ويرمى له الأكل والطعام في أكياس صغيرة، وهو مقيد اليدين حتى يضطر لفتحها بفمه، ما أدى إلى تضرر أسنانه.
كما تعرض الداعية علي العمري للتعذيب على يد فرقة أمنية، يقودها المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، وفق ما ذكر “حساب معتقلي الرأي”، المهتم بالحالة الحقوقية في البلاد على موقع “تويتر”.
وقامت سلطات آل سعود، بعد عام على “حملة سبتمبر”، بمحاكمات سرية لعدد قليل من رموز “الصحوة”، كان أبرزهم العودة والعمري وعوض القرني، حيث طالبت النيابة العامة بإعدامهم، ووجهت لهم 37 تهمة، أبرزها “الإرجاف في الأرض” و”الانضمام إلى تنظيمات إرهابية محظورة” و”عدم الدعاء لولي الأمر”.
لكن وضع العودة والقرني والعمري يعد أفضل بكثير من وضع المئات من معتقلي “تيار الصحوة”، الذين لا تعرف عائلاتهم أماكن وجودهم واعتقالهم فضلاً عن عدم توجيه السلطات أي تهم لهم.
وكان رموز “تيار الصحوة” قد استبشروا بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الأمور خلفاً للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، خصوصاً أن سلمان كان أحد أبرز الداعمين للتيار خلال ثمانينيات القرن الماضي، كما أنه كان يدعم التيار سراً خلال فترة تولي الملك عبد الله مقاليد الحكم.
واستدعى سلمان رموز “تيار الصحوة”، وبينهم علماء خليجيون مقربون من جماعة “الإخوان المسلمين”، وأكد لهم أن هناك عهداً جديداً في البلاد، وتخلياً عما سمّاه “المنهج الليبرالي” الذي اتبعه من سبقه، في إشارة للملك عبد الله.
ودعم “تيار الصحوة” الملك سلمان بكل قوة في حربه على اليمن، والتي شنها تحت اسم “عاصفة الحزم”، في مارس/ آذار 2015.
كما أن رموز التيار توقعوا تقريب الملك سلمان لهم، إذ إن سلمان العودة خرج في لقاء تلفزيوني منتصف العام 2015، ليقول إن “قواعد اللعبة تغيرت”، في إشارة لذهاب زمن الملك عبد الله الذي ضُيّق فيه على الخطاب الصحوي.
وبعد سنوات، اعتبرت الأسرة الحاكمة أن الدولة تتعرض للتهديد من قبل التيارات اليسارية والقومية، أثناء المد القومي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ما دفع الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز لفتح الباب على مصراعيه أمام الجماعات الإسلامية الموجودة في مصر وسورية للقدوم إلى السعودية ونشر أفكارها المضادة للتيارات القومية واليسارية في الصحف والمجلات السعودية.
ونما هذا التيار ليتحول إلى قوة ضاربة داخل الساحة السعودية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تحت اسم “تيار الصحوة”، حتى أصبح التيار الوحيد الذي يهيمن على الأنشطة الاجتماعية والثقافية.
وزادت سلطات آل سعود دعمها للتيار أثناء الحرب الأفغانية، حيث غادر الآلاف من السعوديين المتعاطفين مع الأفغان لمحاربة السوفييت بدعم من الملك سلمان شخصياً، والذي كان أمير الرياض وقتها، والمكلف الرسمي بتولي ملف دعم أفغانستان من قبل نظام آل سعود.
وكان من بين أبرز المغادرين رجل الأعمال أسامة بن لادن، الذي سيتحول إلى زعيم تنظيم “القاعدة” لاحقاً، والذي قتلته قوة أميركية في باكستان.
لكن صداماً سياسياً حدث بين نظام آل سعود ورموز “تيار الصحوة” عند دخول القوات الأميركية للبلاد في العام 1991، في إطار عملية التحالف الدولي لتحرير دولة الكويت من الغزو العراقي، حيث أصدر علماء “الصحوة”، وعلى رأسهم سلمان العودة وسفر الحوالي وعوض القرني، فتاوى تؤكد حرمة وجود قوات أجنبية على الأراضي المسلمة، ما أدى إلى مواجهة مفتوحة بين النظام ورموز التيار، لم تنته إلا بسجنهم في العام 1994، لمدة 5 سنوات، من دون محاكمة.
لكن هذه الأحداث لم تؤد إلى اضمحلال “تيار الصحوة”، إذ أجرى الكثير من رموزه إعادة نظر بأفكارهم تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتبنوها كمنهج سياسي وإصلاحي على ما يقولون.
كما تبنوا منهج التغيير السلمي ومهادنة النظام والحكومة، ما أدى لاستمرار “الصحوة” كتيار ديني يقدم بعض رموزه سردية سياسية مخالفة للنظام وغير معادية له في الوقت ذاته.
كما أنه تحول إلى داعم أساسي للربيع العربي في العام 2011، ما هدد سلطة نظام آل سعود بعض الشيء. وعاد الشقاق الواضح بين النظام و”تيار الصحوة” مرة أخرى في 2013، حين دعم نظام آل سعود الانقلاب العسكري ضد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وساهم في المجازر التي ارتكبها الجيش المصري ضد المحتجين في الميادين، وأبرزها “رابعة العدوية”.
واتخذت سلطات آل سعود بزعامة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عدداً من الإجراءات، أبرزها استدعاء رموز التيار، والطلب منهم عدم الحديث عن مجزرة ميدان رابعة العدوية، وحجز بعضهم لأيام قليلة من دون أي سند قضائي، كما هو الحال مع الداعية الإسلامي محمد العريفي، فيما انتقلت الحملة على التيار إلى مرحلة جديدة مع وصول محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد.