
عاد اسم ولي العهد محمد بن سلمان ليتصدر عناوين الصحف الغربية ومنصات التواصل الاجتماعي، بعد تسريب صور يُزعم أنها تجمعه بالملياردير الأميركي اليهودي جيفري إبستين، المدان بإدارة شبكة لاستغلال القاصرات جنسيًا لصالح نخب سياسية ومالية عالمية.
التسريبات الجديدة أثارت موجة من الأسئلة حول طبيعة العلاقة بين الرجلين، وما إذا كانت تتجاوز اللقاءات البروتوكولية إلى شراكات مالية أو سياسية غير معلنة، خاصة في ظل سجل إبستين الحافل بالفضائح وارتباطه بأقوى شبكات النفوذ العالمية.
من هو جيفري إبستين؟
جيفري إبستين كان شخصية غامضة ونافذة في الأوساط السياسية والمالية الأميركية والبريطانية، بنى ثروته من إدارة أموال الأثرياء، لكنه اشتهر بعد انكشاف شبكته السرية لاستغلال الفتيات القاصرات في تلبية نزوات سياسيين ورجال أعمال.
في يوليو/تموز 2019، أُعيد اعتقاله بتهم فدرالية تتعلق بالاتجار الجنسي بالقاصرات، لكنه توفي في زنزانته في ظروف وُصفت بالغامضة، ما غذّى الشكوك حول “تصفيته” لمنعه من كشف أسرار محرجة عن شخصيات بارزة وردت أسماؤهم في دفتر عناوينه الشهير.
دفتر العناوين… قائمة الأسماء المحرجة
عند مداهمة ممتلكات إبستين، صادرت السلطات الأميركية دفتر عناوين وصفته وسائل الإعلام بـ”الكنز الثمين”، احتوى على أسماء وعناوين وأرقام هواتف لشخصيات سياسية وملكية وفنية من الصف الأول، بينهم رؤساء سابقون، وأمراء، ومسؤولون كبار، ورجال أعمال.
الدفتر تضمّن أيضًا بيانات ضحايا إبستين، بالإضافة إلى وسطاء وشركاء ساعدوه في استقطاب الفتيات.
ظهور أسماء شخصيات عربية وغربية على حد سواء في التحقيقات دفع بعض الحكومات إلى حملات ضغط غير معلنة لتجنّب كشف تفاصيل محرجة.
صور بن سلمان مع إبستين… من التسريب إلى الجدل
التسريبات التي ظهرت مؤخرًا على منصات التواصل الاجتماعي تضمنت صورًا يُزعم أنها التُقطت في مناسبات خاصة، يظهر فيها محمد بن سلمان إلى جانب إبستين في أجواء غير رسمية.
ورغم أن صحة الصور لم تؤكد رسميًا من أي جهة، فإن طبيعة الجدل الذي أثارته ترتبط بتاريخ إبستين الحافل بالفضائح، ما يجعل مجرد الظهور إلى جانبه أمرًا مضرًا بالسمعة، خاصة لرجل في موقع حساس كولي عهد السعودية.
علاقة المصالح… ماذا تقول الروايات؟
تربط بعض المصادر بين اللقاءات المحتملة لبن سلمان وإبستين في إطار دوائر الاستثمار العالمي، إذ كان إبستين يمتلك شبكة علاقات مالية مع صناديق سيادية ومستثمرين كبار، وربما لعب دور الوسيط في بعض المشاريع أو الاستثمارات المشتركة.
كما أن تقارير غربية تحدثت عن اهتمام إبستين، قبل وفاته، بفتح قنوات مع مستثمرين من الخليج، في وقت كان محمد بن سلمان يسعى لجذب الاستثمارات الأجنبية لمشاريعه الضخمة ضمن رؤية السعودية 2030.
غير أن هذه الفرضية، إن صحت، لا تُلغي الشبهة الأخلاقية والسياسية للاقتراب من شخصية مدانة بجرائم جنسية، خاصة في بيئة سياسية وإعلامية حساسة.
البعد السياسي والإعلامي
التوقيت الذي خرجت فيه هذه الصور والتقارير ليس بريئًا، إذ يأتي وسط انتقادات حقوقية متصاعدة لسياسات محمد بن سلمان داخليًا وخارجيًا، خصوصًا فيما يتعلق بحرب اليمن، وقمع المعارضين، وملفات مثل اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.
إضافة فضيحة جديدة تتعلق بالارتباط باسم إبستين قد تُستخدم لتقويض أي محاولات لتحسين صورة بن سلمان في الغرب، خاصة وأنه استثمر مليارات الدولارات في حملات علاقات عامة لتحسين سمعته بعد أزمة خاشقجي.
السوابق مع شخصيات مثيرة للجدل
محمد بن سلمان ليس غريبًا عن الجدل المرتبط بشخصيات مثيرة للريبة؛ فقد ارتبط اسمه سابقًا بلقاءات مع رجال أعمال وسياسيين غربيين ذوي سمعة متقلبة، ما جعل منتقديه يصفون سياسته الخارجية والاقتصادية بأنها براغماتية حتى على حساب القيم الأخلاقية.
ويشير البعض إلى أن هذه العلاقات تخدم هدفًا استراتيجيًا يتمثل في بناء شبكة نفوذ عالمية تمنح بن سلمان شرعية ودعماً من دوائر المال والسياسة في العواصم الكبرى.
التداعيات المحتملة
رغم أن هذه الفضيحة قد لا تؤدي إلى آثار قانونية مباشرة على محمد بن سلمان، فإن تأثيرها الإعلامي والسياسي قد يكون عميقًا:
تشويه الصورة في الغرب: أي ارتباط، حتى بصري، بإبستين قد يثير تحفظات لدى بعض المؤسسات الغربية، خاصة الحقوقية والإعلامية.
ضغط على الشركاء السياسيين: الحلفاء الغربيون، وخاصة في واشنطن، قد يواجهون ضغوطًا من الإعلام والرأي العام للتوضيح أو النأي بالنفس.
تعزيز السردية الحقوقية ضده: منظمات حقوق الإنسان ستستغل هذه القصة لربط سجل بن سلمان الحقوقي الداخلي بشبكات الفساد والاستغلال الجنسي العالمية.
وسواء كانت الصور المسربة حقيقية أم مجرد محاولة لتشويه السمعة، فإن وضع اسم محمد بن سلمان إلى جانب اسم جيفري إبستين في أي سياق يعد ضربة قوية لصورة ولي العهد السعودي على الساحة الدولية.
هذه القصة، حتى لو لم تُثبت بالوثائق القاطعة، قد تظل تتردد في الخطاب الإعلامي والسياسي لفترة طويلة، لأنها تلامس ملفات حساسة تجمع بين الفساد، والجريمة، والسياسة الدولية.
وفي عالم السياسة، مجرد الارتباط الرمزي بشخصية مثل إبستين قد يكون كافيًا لترك أثر دائم، خاصة على قائد يسعى لترسيخ نفسه كوجه جديد للقيادة السعودية في القرن الحادي والعشرين، لكنه يظل محاصرًا بفضائح الماضي والحاضر.