تؤكد الشواهد أن النظام السعودي يشن حربا على الذاكرة الشعبية بهدف تكريس الاضطهاد الديني ضد الشيعة في المملكة.
وفي إجراءٍ جديدٍ لمحاولات محو التراث الديني والثقافي للقطيف والأحساء أصدرت السلطات السعودية مؤخرا إنذاراً للأهالي يقضي بإزالة آثار الشهداء في مقبرة العوامية، بلدة الشيخ الشهيد نمر باقر النمر، خشية أن تتحوّل هذه المقبرة إلى مزارٍ يقصده الناس من كل حدبٍ وصوب.
وعمد النظام السعودي إلى إزالة أثر الشهداء الذين قضوا برصاص الغدر حين طالبوا بحقوقهم المعيشية بمهلةٍ لا تتجاوز أسبوع، عبر دعوة جمعية العوامية لإزالة الطابوق والطوب والمظلات وأجهزة التلاوة والأعلام والعشب من على القبور.
وادعت السلطات السعودية أنها بالتعاون مع الجهات المشرفة على المقابر ودوائر الدولة المعنية تسعى جاهدة لتنظيم المقبرة طبقًا للمعايير الشرعية والقانونية.
الذريعة نفسها استخدمتها الجمعية لتبرير الجريمة السافرة بتحسين الإنماء وإزالة الظواهر السلبية كما تبرر السلطات أعمالها الإجرامية بحق الأهالي.
وهو ما جاء في بيانها الذي قالت فيه إنها ستزيل “ما تم ملاحظته بين الفينة والأخرى وجود بعض الظواهر السلبية التي تندرج ضمن المخالفات الشرعية والقانونية المعرقلة لهذه الجهود المبذولة والتي تخالف تعليمات الجهات المسؤولة والمشرفة على المقابر”.
الجمعيّة خاطبت الأهالي بنبرةٍ لا تخلو من التهديد ودعتهم للالتزام بما ورد في الأنظمة والتي تتماشى مع الشرع المقدس بحسب زعمها، وذلك بالاكتفاء بوضع إطار وشاهد فقط على المقبرة وإزالة جميع المخالفات الموضوعة على قبور موتاهم مثل: البناء وما في حكمه، مثل الطابوق والطوب والمظلات وأجهزة التلاوة والأعلام والعشب الاصطناعي.
وأكدت بلهجةٍ شديدة أنه قد “أفضى تواصلها وتفاهمها مع أجهزة الدولة المعنية بالأمر إلى إعطائنا مهلة لا تتجاوز الأسبوع من تاريخ نشر هذا الإعلان حتى يتسنى للأهالي الكرام إزالة هذه المخالفات من المقبرة”.
ويرى مراقبون أن قرار السلطات السعودية ينضوي في خطوات محاربة التراث والذاكرة الشعبية في القطيف والأحساء، فكما عمدت سلطات الرياض في السابق على طمس معالم وآثار الأبنية الثقافية والدينية، اليوم تعيد الكرة ذاتها في قضية الشهداء الأبرار التي تعد قضيةً جامعة للهوية الشيعية في هذه المنطقة.
لكن رغم ذلك، يؤكد المراقبون أن قضية الشهداء راسخة في أذهان الأهالي لأنها ذاكرة، ولا يمكن بأي شكل اجتثاث الذاكرة، خاصة وأنها ليست المرة الأولى الذي يتعرض فيها إرث الأهالي للمحو والإلغاء، بل دأبت سلطات الرياض على إزالة المواكب الحسينية والرايات السوداء واللافتات، وأيضاً هدم المعالم الأثرية وقبور الأئمة والمقدّسين، بغية اغتيال الذاكرة الجمعية ولكن هيهات.
وبعد استيلاء آل سعود على مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة وضواحيهما، عام 1344هـ، شرعوا بالتخطيط في كيفية هدم مراقد آل البيت (عليهم السلام) في البقيع.
حينئذ ابتكروا حيلةً لإخماد غضب المسلمين في الحجاز فأعدّوا استفتاءً حول حرمة البناء على القبور وقد جال به قاضي قضاة الوهابيين سليمان بن بليهد مستفتياً علماء المدينة المنورة ليحصل في نهاية المطاف تحت ضغوط التهديد والوعيد على جواب يفيد بحرمة البناء على القبور، وجرى على إثرها هدم قبور الأولياء والصالحين في البقيع.
وفي سياق الحرب على الهوية، قامت السلطات السعودية بشن حملة عسكرية على حي المسورة التاريخي في 10 أيار/مايو 2017 حتى سوّته أرضاً بذريعة تحويل الحي إلى منطقة خدمات واستثمارات.
ويعتبر حي المسوّرة أقدم أحياء منطقة العوامية في محافظة القطيف، إذ يرجع عمره لأربع قرون خلت ما يجعله معلماً ثقافياً جديراً بالعناية والتأهيل.
ويبلغ طول الحي 120 ألف متر ويضم 488 منزل تم بناؤهم من الأعمدة الخشبية والطين والحجر تفصل بينها أروقة طينية ضيّقة.
وفي عام 2015، أزالت أمانة الأحساء أعمدة دوار السفينة الواقع في الدائري المحاذي للمنطقة الزراعية وحي الأندلس وذلك بذريعة تحسين المرافق العامة بما هو صالح للوطن والمواطن.
وقد سرت في ذلك الحين إشاعات تفيد بأن أبناء الطائفة الشيعية قد حوّلوا تلك الأعمدة إلى رمز لعقيدتهم الوثنية ما استوجب تدخل السلطات على عجالة لإزالة معبد المجوس.
وكانت السلطات السعودية قد أقدمت على إزالة قلعة القطيف في ثمانينات القرن العشرين بشكل تام بعد هدم تدريجي للمنازل والمباني استمر لسنوات. هذه القلعة تقع وسط مدينة القطيف، بنيت في القرن الثالث الميلادي على يد الساسانيين.
وبني داخل القلعة 11 مسجداً وقصر البلاط الملكي وقصور ضيافة بالإضافة إلى حظائر مواشي جميعها محاطة بسور منيع.