أثار اللقاء غير المسبوق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مدينة الأخير “نيوم” التكهنات الواسعة أمام تقارب علني بين الجانبين ومصير مبادرة السلام العربية.
وشكل اللقاء فرصة لاحتفاء إسرائيل بعقده في المملكة، وكذلك أول زيارة علنية لمسؤول إسرائيلي إلى السعودية.
وتقيم العديد من دول الخليج منذ سنوات علاقات سرية مع إسرائيل، وذلك على أساس المخاوف المشتركة تجاه إيران بشكل خاص، بينما تشجّع الولايات المتحدة الجانبين على تطبيع العلاقات.
وخرجت هذه الدبلوماسية السرية إلى العلن في آب/أغسطس الماضي عندما أعلنت الإمارات، حليف السعودية، عن تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.
لكن إقامة علاقات مع السعودية القوة السياسية الإقليمية وصاحبة أكبر اقتصاد عربي، ستكون حتما بمثابة أحد أهم الأحداث الدبلوماسية في تاريخ إسرائيل منذ قيامها قبل 72 عاما.
وقالت الرياض إنها لن تحذو حذو الإمارات، لكنّ مملكة البحرين سرعان ما وقعت على اتفاق للتطبيع في خطوة قال مراقبون إنها لم تكن لتتحقق من دون ضوء أخضر من الجارة الكبرى السعودية.
وسمحت المملكة للرحلات الجوية مباشرة بين الإمارات والبحرين وإسرائيل بعبور أجوائها.
وتقول المملكة إنّ تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني شرط مسبق لتطبيع العلاقات، وهو موقف يحظى بأهمية كبيرة إقليميا ودوليا على اعتبار أن المملكة تقدّم على نفسها على أنها قائدة العالم الإسلامي.
ولطالما كانت المملكة شديدة الحساسية حيال أي إعلان عن تقارب مع إسرائيل خشية حدوث ردود فعل وانتقادات بما في ذلك في الداخل السعودي، في صفوف العائلة الحاكمة وبين أفراد مجتمعها المحافظ.
ومع ذلك، فقد تحسنّت العلاقات ضمن نهج سياسي استحدثه ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي يُنظر إليه على أنه الحاكم الفعلي إنما من خلف الستار.
وسعت السعودية في السنوات الماضية إلى التواصل الجريء مع شخصيات يهودية، وجرى تناول العلاقات مع إسرائيل وتاريخ الديانة اليهودية في وسائل الإعلام الحكومية والمدعومة من السلطات.
وقال مسؤولون في السعودية إن الكتب المدرسية التي كانت تنعت أتباع الديانات الأخرى بأوصاف مثيرة للجدل، تخضع للمراجعة كجزء من حملة لولي العهد لمكافحة “التطرف” في التعليم.
وفي شباط/فبراير، استضاف العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الحاخام المقيم في القدس ديفيد روزين، لأول مرة في التاريخ الحديث.
ويبقى السؤال ما الذي ستجنيه المملكة؟ إذ تقيم دول الخليج علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة منذ عقود طويلة، لكن المخاوف المشتركة من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط منذ ثورة العام 1979 عمّقت هذه العلاقات.
ويأتي التقارب مع الدولة العبرية في وقت تعزز الجمهورية الإسلامية نفوذها السياسي والعسكري في العديد من دول المنطقة عبر جماعات مسلّحة موالية لها، من سوريا ولبنان إلى العراق واليمن.
لكن دول الخليج الغنية بالنفط ترى كذلك العديد من الفوائد المالية لربط اقتصاداتها الثرية بالاقتصاد الإسرائيلي المتطور، ومن بينها دعم خطط التنوع لوقف الارتهان للخام وخصوصا في السعودية من خلال “رؤية 2030” التي يقودها ولي العهد.
ونيوم، حيث قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن اللقاء بين الأمير محمد ونتنياهو حدث، تشكّل أحد الركائز الأساسية في هذه الرؤية، وهي مدينة متطورة ضخمة تسعى المملكة لجذب 500 مليار دولار على شكل استثمارات لبنائها.
ويقول مراقبون إن المملكة ستستفيد من الخبرة الإسرائيلية في المشروع، في مجالات تشمل التصنيع والتكنولوجيا الحيوية والأمن السيبراني.
في المقابل، تهدّد عملية التطبيع مبادرة السلام العربية التي رعتها السعودية في العام 2002 والتي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل السلام وتطبيع العلاقات مع الدول العربية.
ومن المرجح أن تنتقد دول عربية أي عمليات تطبيع على غرار الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي وصفه القادة الفلسطينيون بأنه “طعنة في الظهر”.
وقد تثير الخطوة انتقادات من جديد في الشارع العربي بأن القوى الإقليمية تتخلى عن الشعب الفلسطيني وقضيته في قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس.