قالت صحيفة لوموند الفرنسية إنه إذا كانت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين قد منحتا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتصارا سياسيا بتطبيعهما الكامل لعلاقاتهما مع بلاده، إلا أن تلك القرارات لا تزن إلا قليلا مقارنة بما يمكن أن يمثله الاعتراف بالدولة العبرية من قبل المملكة العربية السعودية.
وأضافت الصحيفة الفرنسة أن هذه الفرضية لا شك أنها ستطفو في أذهان أكثر من ضيف خلال مراسم توقيع اتفاقات التطبيع الإماراتية- الإسرائيلية والبحرينية- الإسرائيلية هذا الثلاثاء في البيت الأبيض.
واستدركت: فحقيقة أن البحرين التي تعتبر دولة تابعة للمملكة العربية السعودية، قد اختارت السير على خطى الإمارات العربية المتحدة تشير إلى أن الرياض توافق على الديناميكية الدبلوماسية المستمرة مع إسرائيل وقد تنضم إليها يوما ما، في ظل وجود حاكم متهور كولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن حسين إيبش، المحلل في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، قوله: “البحرين لم تكن لتتخذ مثل هذه الخطوة لولا الضوء الأخضر من السعوديين.. وتطبيعها مع إسرائيل يشير إلى احتمال أن يكون حكام السعودية الحاليون على استعداد لفعل الشيء نفسه في المستقبل، اعتمادا على كيفية سير الأمور مع الإمارات والبحرين”.
وذهب مارك شناير الحاخام الأمريكي الذي “دخل العديد من القصور في المنطقة” إلى أبعد من ذلك بتأكيده أن “كل دول الخليج تتحول إلى إسرائيل للدفاع عنها ضد إيران. وبالتالي فإن السؤال الآن لم يعد ما إذا كانت هذه الدول ستعترف بإسرائيل، بقدر ما هو متى ستعترف هذه الدول بإسرائيل؟”.
وأوضحت لوموند أنه بالاستناد لتصريحات القيادة السعودية، فإن هذا اليوم لن يكون غدا؛ إذ كرر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان موقف المملكة غير القابل للتغير حتى الآن: “لا تطبيع مع إسرائيل دون إنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية”.
لتبقى بذلك متمسكة بموقف “الأخذ- والعطاء” التاريخي، الذي وضعه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2002، وتبنته جامعة الدول العربية في نفس العام تحت اسم “مبادرة السلام العربية”.
لكن خرق الرياض للصمت الذي التزمته منذ إعلان الاتفاق الذي أبرمته أبو ظبي بتأكيد تمسكها بمبادرة السلام العربية، لم يمنع رئيس دبلوماسيتها من الترحيب بمبادرة الجارة والخليفة الإمارات معتبرا أن “كل الجهود التي من شأنها التصدي للضم تعد أمرا إيجابيا”، في إشارة منه إلى خطة نتنياهو لضم غور الأردن، والتي تم تعليقها في إطار اتفاقية التطبيع مع أبو ظبي.
“تمرين التوازن” هذا يحدد حتى الآن موقف السعودية من قضية التطبيع مع إسرائيل الحساسة.
فالرياض لا تعارض قيام جيرانها بقلب بنود معادلة عام 2002، والذي أثار استياء وغضب القيادة الفلسطينية التي تصف ما يحصل بالخيانة للقضية الفلسطينية.
وأكثر من ذلك، “أعطت السعودية دفعا لعمليات التطبيع هذه من خلال سماحها للطائرات الإسرائيلية المتوجهة إلى الإمارات بالتحليق فوق أراضيها، راضخة بذلك للضغط الكبير من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يرى أن هذه التحولات هي الإرث الرئيسي لرئاسته”.
لكن في الوقت الحالي، لا تنوي السعودية كسر كلمتها، وإن كانت مترددة في الاعتراف بالدولة التي تحتل القدس، ثالث أقدس الأماكن الإسلامية، تقول لوموند، موضحة أنه مع 33 مليون نسمة – بما في ذلك 22 مليونا من السكان الأصليين والذين ظلوا لعقود تحت حكم التيار الديني المحافظ المعادي لـ “الكيان الصهيوني” – لا تتمتع بحرية المناورة كتلك التي تتمتع بها الدول الخليجية الأخرى.
وقال عزيز الغشيان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسيكس بالمملكة المتحدة، إن “النسيج الاجتماعي والسياسي في السعودية يختلف اختلافا كبيرا عن نسيج الإمارات والبحرين. فبصفته القائد للعالم العربي والإسلامي، لا تستطيع المملكة الاعتراف بإسرائيل بسرعة، ولا يمكن أن يُنظر إليها على أنها تابعة”.
ومع ذلك – تشير لوموند – كان هناك الكثير من الإيماءات للدولة العبرية في السنوات الأخيرة. فالرياض لم تذهب إلى حد الترحيب على أراضيها بوفد رياضي إسرائيلي ولا وزراء، كما فعل جيرانها ولا سيما عُمان التي استقبلت بنيامين نتنياهو في عام 2018، لكنها السعودية زادت من المبادرات، التي تشهد على تغيير في العقليات، لا سيما في مجال الحوار بين الأديان.
فكعلامة أو مؤشر على هذا التغيير، نشرت صحيفة “عرب نيوز” اليومية، التي تعد مرآة للمملكة الجديدة التي يروج لها ولي العهد محمد بن سلمان، نشرت هذا الأحد تحقيقا مليئا بالحنان حول يهود لبنان الذين هم على وشك الانقراض.
وأنهت لوموند مقالها بالسؤال التالي لأندرياس كريج، المتخصص في شؤون الخليج في كينجز كوليدج لندن: “في حال وصوله إلى السلطة – وبالنظر إلى العداوات التي صنعها في إطار سباقه نحو العرش – هل سيجعل محمد بن سلمان من التطبيع مع إسرائيل أولوية، وإلى أي مدى يظل مثل هذا القرار غير مرحب به داخليا؟”.
وتبقى سلطنة عمان المرشح للفوز بلقب خامس دولة عربية تعترف بإسرائيل، بعد أن هنأت مسقط بحرارة يوم الأحد البحرين على قرارها الدبلوماسي. أما السعودية فلم ترد بعد على خطوة التطبيع البحرينية، كدليل على التجاذبات داخل المملكة.