رجح تقرير أميركي أن تؤدي أزمة النفط القائمة في المملكة إلى خفض قيمة عملتها “الريال السعودي” الفترة القادمة، وهو أمر سيضاعف أزمات المملكة المثقلة بالديون والخسائر الاقتصادية؛ بسبب الأزمة السابقة وكورونا.
ورأي الكاتب غريغ بريدي، في مقال نشره موقع “وورلد فيو ستراتفور” الأميركي، أن أزمة انهيار أسعار النفط الحالية أدت لعودة التساؤلات بشأن استمرارية حالة الارتباط بين العملتين الأميركية والسعودية.
وتوقع أن تتواصل الصدمة الاقتصادية داخل المملكة بسبب فيروس كورونا، غير أن التغيرات الهيكلية في سوق النفط العالمية وفي الاقتصاد السعودي، يؤشران على أن الرياض سوف تقوم على الأرجح بخفض قيمة عملتها في وقت ما خلال الفترة القادمة أو الأعوام المقبلة.
وقال إن المملكة ستجد نفسها مضطرة إلى عدم التعويل على تعافي أسواق النفط وعودة صادراتها إلى مستواها السابق، حتى تكون قادرة على إعادة تعبئة مواردها من النقد الأجنبي التي تمكنها من الحفاظ على استمرارية العملة وارتباطها بالدولار.
وعلى مدى عقود عديدة، شكّل ربط العملة المحلية بالدولار خطوة مفيدة للرياض وسائر دول الخليج الغنية بالنفط، بالنظر إلى اعتماد هذه العملة الأميركية في تسعير أغلب صفقات تجارة النفط.
وأشار الكاتب الأميركي إلى أن الفائدة الأساسية من نظام ربط العملات، يتمثل في تحقيق الاستقرار حتى في فترات التضخم، وخلق مناخ آمن تكون فيه مخاطر تغير صرف العملة محدودة بالنسبة للشركات الأجنبية.
كما أنه يحمي المستهلكين المحليين من تقلبات أسعار المواد المستوردة. بيد أن نظام ربط العملات -يستدرك بريدي- يعني التخلي عن استقلالية السياسة النقدية.
وبالنسبة للرياض فإن هذا المشكل كان دائما يتم التغاضي عنه، لأن أغلب المواطنين السعوديين يشتغلون في القطاع العام، بينما يتم استقدام الأجانب للعمل في القطاع الخاص.
وقال الكاتب الأميركي إن فعالية الاعتماد على تعديل العمالة الأجنبية كبديل عن استقلالية السياسة المالية، باتت أقل فعالية الآن، إذ إنه في الماضي كانت المملكة قادرة على التحكم في ضغوط التضخم المالي في أوقات النمو القوي، وذلك من خلال إصدار مزيد من تأشيرات زيارة العمل، كما أن تنافسية الصادرات غير النفطية والصناعات المحلية كانت في السابق عاملا مساعدا، ولكن في المستقبل سوف تكون المبالغة في تقدير قيمة العملة السعودية بسبب ربطها للدولار عاملا لا يشجع على الاستثمار في الصناعات المحلية.
إضافة إلى ذلك -يتابع بريدي- فإن المملكة لم يعد بإمكانها الاعتماد على اتفاقية أوبك بلس لإسناد أسعار النفط الخام والإبقاء عليها فوق المعدل اللازم من أجل خفض العجز في ميزانها التجاري، والسماح لها بإعادة تعبئة مواردها المالية.
كما أن محاولات المملكة للتأقلم مع مستقبل يرتفع فيه الطلب على النفط ثم يتراجع تدريجيا، هو أيضا أمر يغير من بنية الاقتصاد السعودي ويجعل من ربط الريال بالدولار أمرا صعبا.
واعتبر الكاتب أن المملكة الآن في حاجة ماسة للتوقف عن تضخيم أجور موظفي القطاع العام، وتحويل العمالة المحلية إلى القطاع الخاص لتكون أكثر إنتاجية، من أجل إنجاح مخططاتها الاقتصادية. وستكون هذه الخطوة ضرورية على الرغم من أن المواطنين السعوديين يفضلون العمل في الوظائف الحكومية، وستحتاج إلى تقديم دعم مالي للشركات الخاصة لتشجيعها على توظيف السعوديين، في هذه الفترة التي دفع فيها فيروس كورونا الكثير من الأجانب إلى السفر إلى بلدانهم.
وخلص إلى أنه يمكن في النهاية أن تؤدي بعض عمليات خفض قيمة الريال السعودي -ولو بشكل متواضع- إلى المساعدة في تخفيف ثقل أجور موظفي القطاع العام، إذا تزامن ذلك مع تراجع في الاعتماد على العمالة الأجنبية باستثناء بعض الوظائف التي تتطلب مهارة عالية.
وحذر الكاتب الأميركي من أن عملية ربط الريال السعودي بالدولار الأميركي، توشك أيضا على تقويض قيمة الصادرات السعودية، كما أن المبالغة في تقدير قيمة هذه العملة سوف تؤثر سلبا على قطاع السياحة في المملكة، الذي يعد واحدا من أهم الموارد غير النفطية في هذا البلد، إذ إن جعل المملكة وجهة أكثر كلفة، سوف يعطل مشاريعها لتطوير السياحة التي تعد من الخيارات الأساسية لتنويع الموارد المالية ضمن إطار مخطط رؤية 2030.
وذكر بريدي أن الدفاع عن عملية الربط الحالية بين الريال والدولار، كلف المملكة باهظا خلال الأشهر الأخيرة، حيث إن احتياطاتها من النقد الأجنبي وصلت إلى ذروتها في أغسطس/آب 2019، عند مستوى 746 مليار دولار، لكن هذه المخزونات تراجعت بنهاية أبريل/نيسان إلى 444 مليارًا، بسبب تراجع أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا.
وكشفت أرقام وبيانات جديدة نشرها البنك الدولي مؤخراً عن ارتفاع صاروخي في المديونية السعودية خلال السنوات الأخيرة، وذلك بالتزامن مع إعلان وزير المالية محمد الجدعان أن حكومته ستقترض 220 مليار ريال (58 مليار دولار) خلال العام الحالي، وهو ما يعني أن المديونية العامة للمملكة تتجه لتسجيل أرقام قياسية غير مسبوقة.
وكان تقرير فرنسي قال إن فشل مشاريع ولى العهد محمد بن سلمان داخل المملكة وخارجها، يحتم على المواطنين السعوديين التعايش مع التقشف.
واعتبر التقرير الذي نشرته أسبوعية مجلة “جون أفريك” الفرنسية، أن الأزمة الصحية والاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، وانهيار أسعار النفط، بالإضافة إلى انغماس المملكة في المستنقع اليمني، بمثابة ملفات أضعفت الطموحات الفرعونية لولي العهد وأدخلتها في نفق مظلم.
ورأت “جون أفريك” أنه بات على السعوديين اليوم التعايش مع التقشف، بعد أن فُرضت عليهم حزمة من التدابير الصارمة.
وأبرز ذلك زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف (من 5 في المئة إلى 15 في المئة)، وتخفيض الأجور حتى 40 في المئة في القطاع الخاص، وتعليق بعض البدلات الحكومية، ووقف عدد الاستثمارات العامة.
واستدركت “جون أفريك”: رغم أن محمد بن سلمان لم يكن باستطاعته قبل أربع سنوات توقع هذه الأزمة الصحية العالمية التي تشل اليوم مشاريعه، إلا أن بعض خياراته وقراراته ليست بالغريبة عن الوضع الاقتصادي الحالي الذي تعيشه المملكة.
ودللت على ذلك بقرار الدخول في مواجهة مع روسيا بعد مكالمة هاتفية عاصفة في أوائل شهر مارس/آذار مع فلاديمير بوتين. رفض الأخير تخفيض الإنتاج الروسي من النفط، وأعلنت المملكة زيادة في الإنتاج للحفاظ على حصتها في السوق.
وقالت إن العملية العسكرية في اليمن فشلت فشلاً مدويا، وبات على المملكة الآن التعامل مع الطموحات الانفصالية في الجنوب، بعد أن أعلن “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعوم إماراتيا، نهاية أبريل/ نيسان، استقلال جنوب البلاد، بعد فشل اتفاق السلام مع الحكومة اليمنية الرسمية، المحمية من الرياض.
وداخل المملكة، قالت “جون أفريك” إن الضغط المالي المتزايد على العائلات السعودية من شأنه أن يطفئ نجم الأمير الشباب- الذي وعد بالكثير – غير أنه من الواضح أنه لا يمكنه الوفاء بالتزاماته.
ولتلاشي هذا الأمر، أكدت المجلة الفرنسية أن ولى العهد حرص على فرض دولة بوليسية على نطاق غير مسبوق في المملكة مع جهاز مراقبة شاملة وجهاز دعاية، خاصة على الإنترنت.
وقبل أيام، نشرت الهيئة العامة للجمارك في المملكة، قائمة بالسلع المقرر رفع الرسوم الجمركية عليها، اعتبارا من العاشر من الشهر الجاري.
وتضم القائمة نحو 3 آلاف سلعة مختلفة، تراوحت نسبة الرفع الجمركي عليها بين 3 و25 بالمائة.
وبحسب وسائل إعلام سعودية، فإن هذه النسب تضاف إليها القيمة المضافة الجديدة والتي اعتمدت 15 بالمائة.