قوبل اختيار الرياض عاصمة للمرأة العربية بموجة انتقادات واسعة في ظل انتهاكات نظام آل سعود لحقوق النساء واعتقاله ناشطات حقوق إنسان.
ففي الوقت التي فيه الرياض عاصمة المرأة العربية للعام الحالي كانت المملكة تشهد انتهاكات جسيمة ضد المرأة وحقوقها.
وأبرز مغردون أن الناشطة لجين الهذلول تعرضت للتحرش الجنسي والإساءة اللفظية والصعق بالكهرباء.
فيما الكاتبة نوف عبد العزيز ضربت إلى حد الإغماء، كما أن الناشطة الحقوقية سمر بدوي أصيبت أطرافها بالارتجاج وواجهت صعوبة بالمشي على أقدامها.
وقال الناشط الأردني فادي القاضي: ” كيف يعقل أن تسمى الرياض عاصمة المرأة وهي تسجن المرأة وتحاكمها سراً وتعذبها جسدياً”.
بدورها قالت الناشطة أماني الأحمدي: ” اعتبار الرياض عاصمة المرأة كذبة, فكيف تكون لها عاصمة وهي محرومة من حقوقها وإن تكلمت يتم سجنها”.
وقالت الناشطة سارة اليحيى: ” أصبحت الرياض عاصمة للمرأة العربية بناء على ماذا؟ سجن الناشطات؟”.
ويجمع نشطاء حقوق إنسان على أنه من غير المقبول تسمية عاصمة المرأة في البلد التي اضطهدت واعتقلت النساء اللواتي حاولن المطالبة بالحقوق والحريات.
ومرارا أكدت جهات ومنظمات حقوقية أن المرأة في المملكة تعاني الكثير من الظلم والتميز، وخصوصاً الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة وذلك رغم ادعاء حكومة آل سعود بإجراء إصلاحات وتغييرات في داخل البلاد تتعلق بالمرأة.
وذكرت جماعات حقوقية في عدة مناسبات أن النساء في المملكة يعاملن كمواطنين من الدرجة الثانية.
وأقرب مثال على ذلك ما قاله خطيب عيد الأضحى الأخير فقد أظهر مقطع فيديو وثقته إحدى الناشطات، مقتطفات من خطبة العيد، في أحد مساجد مدينة جدة، وظهر الخطيب وهو يهاجم المرأة العاملة في مواقع مختلطة مع الرجال، بل نعتها بأوصاف اعتبرها كثيرون مهينة.
وفي مارس الماضي وجهت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، انتقادا لاذعا للسعودية، مطالبة الرياض بالإفراج عن ناشطات حقوقيات في مجال حقوق المرأة.
وجاء الانتقاد في بيان غير مسبوق، دعمته 36 دولة، بينهم أعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 28 دولة.
وأثارت هذه القرارات والقوانين ايضا ردود افعال كثيرة داخل وخارج المملكة خصوصا وان البعض يرى انها تعارض الشريعة.
وتفتقد المرأة في المملكة حقوقها وتُفرض عليها الكثير من المحظورات, وتعاني من العادات والتقاليد الاجتماعية والتطرف الديني في بلد يعتمد على مفهوم السلطة الابوية وثقافة المجتمع التسلطي الذكوري الذي يحرم المرأة من كل شيء بما في ذلك التعليم بالإضافة لسياسات التمييز ضد المرأة في القيادة و التصويت وحق الانتخاب وغيرها.
وسماح نظام آل سعود لحضور النساء للحفلات الموسيقية والأحداث الرياضية ودور السينما مع الرجال، لا يعني أنه تقدم في الحقوق القانونية أو تمثيل أفضل للمرأة، ولا يعني أنه يمكن سماع صوتها دون خوف من الانتقام.
في بيان غامض نشرته مؤخرًا صحيفة محلية في المملكة، أعلنت حكومة آل سعود أنها ستفكر في تغيير قوانين الوصاية التقييدية التي تُطَبَّق على النساء.
بالتأكيد لم يتم ذكر النساء – فلم يقل الإعلان سوى إنّ الحكومة ستعتبر الثامنة عشر السن الذي لا يتطلب فيه “القاصرون” وصيًا قانونيًا.
ولكن مع ذلك، فقد أنتجت الأخبار بعض التوقعات إلى جانب انعدام اليقين، ولم ترد أية تفاصيل.
تفرض القوانين حاليًا على النساء الراشدات طلب الإذن من أولياء الأمر الذكور – الذي قد يكون زوجًا أو أخًا أو ابنًا – للسفر أو الزواج أو التسجيل في الفرص التعليمية أو الحصول على إجهاض منقذ للحياة أو الحصول على إفراج من السجن وغيره من المؤسسات الحكومية, ذكر الإعلان تشكيل لجنة لدراسة التغييرات المُعَدَّة للتشريع.
كان هذا يذكرنا بقرار سابق أصدره البلاط الملكي في أبريل/نيسان 2017 من أجل مراجعة كافة اللوائح الوزارية التي تتطلب إذنًا من الرجال للوصول إلى الخدمات أو الموارد خلال ثلاثة أشهر.
بعد مرور أكثر من عامين، لم يتم عمل الكثير على تلك الجبهة, كان من المتوقع الإعلان عن رفع الحظر المفروض على القيادة في الألفية الجديدة، ولكنه دخل حيز التنفيذ في عام 2018.
نظر الكثيرون إلى مرسوم عام 2017 باعتباره مجرد مُسَكِّن في استجابةً للتحركات الاجتماعية المتنامية بشأن نظام الولاية، وهي خطوة لكسب الوقت بدلًا من تحقيق أي تدخل ذي مغزى بالفعل.
تكثر التكهنات حول النوايا الحقيقية للمملكة, لكن ليس هناك شك في أنّ أي تغيير في القيود المفروضة على المرأة في السعودية، بغضّ النظر عن مدى تفاهتها، من شأنه تحسين جودة حياتهن, لكن ما يدعو للقلق هو نهج الدولة التدريجي البطيء لنظام الولاية المُقَيِّد – وهو نظام يجب اقتلاعه بالكامل.
ويعتمد نظام الوصاية الذكورية في جوهره على الافتراض بأنّ الرجال يحتلون مكانة أعلى من النساء، وبالتالي يحق لهم التحقق من خيارات المرأة والتصريح بها بناءً على تقديرهم الخاص, إنها مجموعة واسعة من اللوائح المكتوبة والأعراف الاجتماعية المتبعة.
والأمر يتجاوز التشريع بشكل كبير. للأوصياء الذكور الحق في نقض اختيارات المرأة حتى لو لم يكن الإذن مطلوبًا بالقانون.
قبل بضع سنوات، ألغت الدولة فقرة في قانون العمل تفرض إذن ولي الأمر من أجل التقدم للوظائف، ولكنها جعلت طلب أرباب العمل الحصول على إذن ولي الأمر اختياريًا.
غالبًا ما يرفع أولياء الأمور دعاوى ضد النساء بسبب العصيان أو مغادرة المنزل – وهي أفعال تعاقَب بالسجن وبالجلد.
رغم أنه لا يزال بإمكان النساء اللجوء إلى المحكمة للطعن في رفض أولياء الأمور لخياراتهن، إلّا أنّ فرص النجاح ضئيلة للغاية, في حالات نادرة، يحل الوصي الذكر أو القاضي نفسه محل ولي الأمر الرئيسي في التصرف كصانع القرار للمرأة.
إصلاح الجوانب الفردية لنظام الولاية لن يحرر المرأة السعودية من سيطرة الرجال, طالما أن الرجال لديهم القدرة على اتخاذ القرار، فإنّ جميع الحقوق الأخرى التي تم تحقيقها مؤخرًا – مثل القيادة والعمل – ستظل سريعة الزوال.
في الأماكن التي تشابه السعودية، حيث ترسخّت عقود من القهر الديني والثقافي للمرأة في اللوائح والممارسات والمعتقدات المتعلقة بأدوار المرأة، لا يوجد بديل سوى مواجهة مثل هذه الافتراضات.
شاركت النسويات في السعودية بشجاعة في النقاشات العامة والمبادرات المجتمعية على مدى العقدين الماضيين لمكافحة كراهية النساء في المجتمع ووضع معيار جديد للنوع الاجتماعي.
لقد قمن بحملات لرفع حظر القيادة بلا كلل وتكبّد مخاطر شخصية كبيرة على إثرها، ولإتاحة المزيد من فرص العمل، وللحماية من العنف المنزلي، ولإصلاح قوانين الأسرة، وفي الآونة الأخيرة لإلغاء نظام الولاية الذكوري.
من الناحية المثالية، ينبغي أن تعكس الإصلاحات أصوات النساء وخبراتهن في صياغة وصنع القرارات.
ومع ذلك، تشير البحوث المتعلقة بالأنظمة الاستبدادية إلى أنّ حقوق المرأة غالبًا ما يتم سنّها من أجل الحفاظ على الحكم غير الديمقراطي.
منذ إلقاء القبض على العديد من الناشطات السعوديات واستهدافهن من أجل قيادتهن للنقاشات والتحركات الهادفة لنيل المزيد من الحقوق، فقد تم الترويج لخطاب محلي معادٍ بصفة متزايدة ضد النسويات من قبل بعض الشخصيات التابعة للدولة، بما في ذلك عضوات في مجلس الشورى.
في وسائل الإعلام الغربية، تم تأطير النقاش بشكل غير ذي صلة في ضوء الاختلاط المتزايد بين الجنسين.
إن حضور الرجال والنساء للحفلات الموسيقية والأحداث الرياضية أو دور السينما جنبًا إلى جنب مع الرجال لا يترجَم تلقائيًا إلى حدوث تقدم في الحقوق القانونية أو تحقيق تمثيل أفضل للمرأة.
كما أنه لا يضيف إلى فهم أعمق لوضع المرأة الاجتماعي أو يساعد على سماع أصواتهن دون خوف من الانتقام.
هذه نقطة غالبًا ما يتم تفويتها عند التعليق على الإصلاحات الاجتماعية في المملكة, ينبغي أن تتمثل العلامة الحقيقية لإصلاحات حقوق المرأة في قدرة المرأة على التعبير عن مطالبها بحرية، وتكوين الجمعيات، والضغط على حكومتها من دون التعرض للاضطهاد – وهي أهداف لا تزال بعيدة المنال حتى الآن.