قالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إن الإصلاحات الاجتماعية الأخيرة في المملكة لم يقصد منها تحسين حياة المواطنين السعوديين بقدر ما كانت تهدف لجذب انتباه الرأي العام الدولي.
وأضافت المجلة في مقال تحت عنوان “سراب محمد بن سلمان عن حقوق الإنسان” أن عبد الله لم يكن يحلم بلقاء صديقته في قهوة عندما بدأ بمواعدتها. وكان حضور حفلة موسيقية يشارك فيها مغنون أمريكيون من سابع المستحيلات.
لكن في “السعودية الجديدة” كما تصفها، فهذه منح تم إسباغها على الناس. وأصبح في السعودية هذه الكثير من مجالات الترفيه والاختلاط بين الجنسين، وسمح للمرأة بقيادة السيارة. لكن هذه الرحمات أو المنح الصغيرة تم التسويق لها على أنها خطوات إصلاحية كبرى للسعوديين والغرب.
ويهدف نظام آل سعود من وراء هذا لجذب دعم الشباب السعوديين الذين يشكلون نسبة الثلثين من عدد السكان ومعظمهم تحت سن الخامسة والثلاثين، وتثبيطهم عن المطالبة بتغيير العائلة الحاكمة.
وهناك هدف ثان وهو إغراء المستثمرين الأجانب والمساعدة في عمليات تنويع الاقتصاد. وفي الأسبوع الماضي استضافت السعودية قمة العشرين، وهي أول دولة تستقبل هذا النادي النخبوي من الدول الكبرى في العالم حيث نوقش فيها حالة الاقتصاد العالمي والصحة ومكافحة فيروس كورونا.
وكان الملك سلمان وابنه محمد يأملان بأن تقود القمة إلى فصل جديد في العلاقة مع النخبة العالمية وطي صفحة الصحافي جمال خاشقجي الذي قتل بناء على أوامر ولي العهد في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018.
وأدت الجريمة لإحراج كبير بشكل جعلت من الصعوبة أمام الدول الأوروبية على الأقل تبرير التعامل مع السعودية كالمعتاد. لكن فيروس كورونا سرق اللحظة التي كان الملك وابنه يريدانها من ظهور القادة في الرياض والتقاط صورة تذكارية كما هو المعهود، وعقدت بدلا من ذلك عبر شاشات الفيديو على الإنترنت.
وبالنسبة لمنفيين سعوديين مثل عبد الله، فعقد القمة في بلاده جعلته يشعر بمشاعر مزيجة من الفخر والخوف، فمن ناحية، بلاده التي كانت محلا للسخرية بسبب الجنسية السعودية لمعظم المشاركين في هجمات 9/11 منحت فرصة تنظيم هذه المناسبة الدولية، واعترف بها كلاعب مؤثر.
ومن ناحية أخرى، شعر هو وغيره من المنفيين بالقلق من عدم اهتمام قادة دول العشرين بحقوق الإنسان للسعوديين. فاعتقال وحتى إعدام النقاد زاد بشكل حاد في السنوات الأخيرة.
وتم اعتقال المئات بمن فيهم ابن عم ولي العهد الأمير محمد بن نايف، الرجل الذي نسق مع وكالات الاستخبارات الغربية في الحرب ضد القاعدة. وهناك أربع نساء قاتلن لمنح المرأة قيادة السيارة وانتصرن إلى جانب علماء طالبوا بالإصلاح السياسي يقبعون وراء القضبان منذ سنين.
ورغم ما تسببت به جريمة قتل خاشقجي من غضب وشجب دولي، سجنت السلطات كما يقول تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، 13 كاتبا وصحافيا في نيسان/ أبريل 2019.
ونقلت المجلة عن سعوديين في المنفى ومنظمات حقوقية، قولهم إن العائلة المالكة منحت بعض الحريات المدنية بيد، لكنها سحقت باليد الأخرى المعارضة السياسية بطريقة لم تشهدها السعودية من قبل.
ويقول عبد الله إن تغريدة قد تقود إلى السجن في السعودية الجديدة أو أي شخص ينتقد الحكومة بلطف.
وغادر عبد الله بلده الشهر الماضي إلى أوروبا حيث تحدث مع الصحافية أنشال فوهرا عبر الهاتف: “لم يعجبهم ما قلته. وبصراحة فمخاطر ومخاوف العيش في الرياض تتفوق على الرغبة للتحدث علنا”.
ولم يكن سجل السعودية جيدا في مجال حقوق الإنسان، لكن تدهور الوضع في السنوات الأخيرة جاء بسبب الربيع العربي وصعود محمد بن سلمان. وحتى عام 2011 كانت السلطات تتسامح لدرجة معينة مع نقاد الدولة ومعارضيها عندما كانوا يدفعون باتجاه إصلاح مؤسسات الدولة، بما في ذلك الحديث عن أشكال من الديمقراطية.
كل هذا توقف بعد اندلاع التظاهرات في القاهرة والمنامة وطرابلس ودمشق. وكان المحامون والمدونون أول من اعتقلوا.
ومع تقدم الربيع العربي واكتساب جماعة الإخوان المسلمين التأثير وحتى فوزها بانتخابات كما حدث في مصر، رأت العائلة الحاكمة هذا تهديدا لها، وخافت من قيادة الصحوة، ذراع الإخوان في السعودية المتعلمين والليبراليين والمطالبة بإصلاحات في السعودية.
ومن بين العلماء السعوديين الذين دعموا انتفاضات الربيع العربي كان سلمان العودة الذي كتب رسالة إلى الحكومة في 2013 حذرها من “انفجار اجتماعي- سياسي” لو لم تبدأ بإصلاحات سياسية. ولكنه أصبح ضحية التطهير الثاني في 2017.
وقالت لينا الهذلول، شقيقة الناشطة المعروفة لجين الهذلول إنه بعد تنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد، تم محو كل الخطوط الحمراء، ولم تستبدل بخطوط جديدة “في الماضي كنا نعرف أن علينا تجنب العائلة المالكة والدين، ولكننا الآن لا نعرف أين هي الخطوط الحمراء”.
ولا تزال عائلة لجين حائرة من استهداف الحكومة لناشطة كانت تدعو لنفس الإصلاح الذي تبناه ولي العهد. وأضربت لجين عن الطعام منذ 26 تشرين الأول/ أكتوبر.
وحاول الناشطون قبل قمة العشرين مناشدة القادة المشاركين في قمة العشرين مقاطعتها والمطالبة بالإفراج عن الناشطات السجينات، لكن دعواتهم لم تلق آذانا صاغية، مع أن تقوية المرأة كان من مواضيع القمة.
وقالت لين معلوف، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أمنستي إنترناشونال، إنه من الأحرى لو استخدم قادة العالم قمة العشرين وتضامنوا مع النساء المعتقلات بدلا من تصديق السرد الذي بيضته السعودية.
وأضافت أن قمة العشرين هي مناسبة مهمة للسعوديين لنشر أجندتهم على المسرح العالمي وإعطاء صورة أن بلدهم مفتوح على الاستثمار: “لكن الإصلاحيين الحقيقيين في السعودية هم خلف القضبان”.
وقال مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش: “بدلا من تعبيرهم عن القلق من انتهاكات السعودية الخطيرة لحقوق الإنسان، فقد عززت قمة العشرين الجهود الدعائية السعودية التي تروج إلى أن البلاد تعيش حالة إصلاح رغم زيادة الاضطهاد”.
وخلصت المجلة الأمريكية إلى أن بعض التغييرات حقيقية ويحاول المجتمع السعودي خلق هوية جديدة، مزيج من الحياة القديمة والحديثة. لكن على الغرب عدم التردد في استخدام نفوذه كمحفز للخير في هذه العملية المعقدة.