رأى متابعون للشأن الخليجي أن استمرار تصعيد إيران في ممارسة القرصنة بشكل علني ضد ناقلات النفط قد يسرّع خطوات تشكيل تحالف بحري واسع لحماية أمن الملاحة عبر جميع الممرات الاستراتيجية، لاسيما مضيق هرمز وربما باب المندب.
وقد بحث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هاتفياً قبل يومين مع وليّ العهد محمّد بن سلمان بملفّات الأمن البحري وإيران واليمن.
وقالت المتحدّثة باسم الخارجية الأميركية مورغن اورتاغوس في بيان “ناقش وزير الخارجية التوتّرات المتزايدة في المنطقة، والحاجة إلى تعزيز الأمن البحري من أجل تعزيز حرية الملاحة”.
واحتجزت إيران، في أقلّ من شهر، ثلاث ناقلات نفط أجنبيّة في الخليج، ما فاقم التوتّرات بين واشنطن وطهران.
وتسعى واشنطن الى إنشاء تحالف دولي لمرافقة السّفن التجاريّة في الخليج، لكن لا يبدو أنّها تمكّنت من جذب دول كثيرة.
وبدا حلفاء واشنطن متوجّسين من جرّهم الى نزاع مفتوح في هذه المنطقة التي يعبر منها ثلث النفط العالمي المنقول بحرا.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين ناقشوا علانية خطط حماية مضيق هرمز، فإن كشف دانفورد عن أن التحالف، سيسعى أيضًا إلى تعزيز الأمن في مضيق باب المندب قبالة اليمن، إنما هو عنصر جديد على ما يبدو.
تشعر الولايات المتحدة والرياض بالقلق منذ فترة طويلة من شن المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع إيران هجمات في باب المندب.
ويمر نحو أربعة ملايين برميل من النفط يوميًا من باب المندب إلى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، فضلًا عن سلع تجارية.
وكان وزير الخارجية مايك بومبيو قد أعلن في يونيو الماضي، أنه يأمل في أن تعمل أكثر من 20 دولة، بينها دولة السعودية، على ضمان أمن المنطقة البحرية.
وأضاف: “سنحتاج مشاركتكم جميعًا، بطواقمكم العسكرية”. تابع: “الرئيس حريص على تأكيد عدم تحمل الولايات المتحدة كلفة ذلك”.
من جانبه، كان الجنرال مارك ميلي المرشح لتولي رئاسة هيئة الأركان الأميركية المشتركة، قال إن الولايات المتحدة تؤدي “دورًا حاسمًا” في ضمان حرية الملاحة في الخليج، وإن واشنطن تسعى إلى تشكيل تحالف “لتأمين مواكبة عسكرية وبحرية للشحن التجاري”.
وأضاف خلال جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ: “أعتقد أن ذلك سيتبلور في الأسبوعين المقبلين”، في إشارة إلى تشكيل تحالف دولي لتأمين أمن الملاحة البحرية بعد تصاعد التوتر مع طهران، المتهمة بالوقوف وراء حادثتي ناقلات نفط قبالة السواحل الإماراتية وفي بحر عمّان.
وكان قد أعلن في وقت سابق رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد إن الولايات المتحدة أعدت خطة سيتولى بموجبها تحالف عسكري دولي لحماية حركة الملاحة البحرية من أي اعتداءات محتملة قد تقوم بها إيران والميليشيات المتحالفة معها.
وقال دانفورد: “نتواصل الآن مع عدد من الدول لتحديد ما إذا كان بإمكاننا تشكيل تحالف يضمن حرية الملاحة في كل من مضيق هرمز ومضيق باب المندب.
وأضاف: “ولذا فإنني أعتقد أن من المحتمل أن نحدد خلال الأسبوعين المقبلين الدول التي لديها الإرادة السياسية لدعم هذه المبادرة وسنعمل بعد ذلك بشكل مباشر مع الجيوش لتحديد الإمكانيات المحددة التي ستدعم ذلك”.
وكان قد أقر وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس اول أمس الثلاثاء أثناء اجتماع مغلق للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست (البرلمان)، أن إسرائيل جزء من تحالف أمن الرحلات البحرية الأميركية في الخليج العربي، حيث ستشارك في المجال الاستخباراتي ومجالات أخرى رفض الإفصاح عن طبيعتها.
وتزامن إقرار كاتس بمشاركة إسرائيل في التحالف الأمني بالخليج مع انطلاق تمرين دولي بقيادة ذراع البحرية الإسرائيلي في ميناء حيفا.
ويشمل التمرين الذي سيستمر عدة أيام وتشارك فيه عشرة أساطيل أجنبية، التدرب على سيناريو يحاكي عمليات المساعدة الإنسانية في حال وقوع هزة أرضية.
وينسجم اعتراف الوزير الإسرائيلي مع الزيارة التي قام بها إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي مطلع يوليو/تموز الماضي، حيث ناقش مع مسؤول إماراتي كبير الجوانب الإقليمية والعلاقات بين البلدين، كما بحث معه “تغلل النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وسبل مكافحة التهديد الإيراني”، وذلك على جانب مشاركته في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة.
وتعدى التنسيق الإسرائيلي الإماراتي الشؤون الدبلوماسية والاستخباراتية إلى التعاون العسكري الفعلي، ففي أبريل/نيسان الماضي شارك طيارون من القوات الجوية الإماراتية مع طيارين من سلاح الجو الإسرائيلي في تدريبات جوية بقاعدة “أندرافيدا” اليونانية، علما بأن سلاحي الجو الإسرائيلي والإماراتي سبق أن شاركا معا في مناورات جوية باليونان أيضا في مارس/آذار 2018.
وقال الوزير كاتس إن إسرائيل تشارك إلى جانب أميركا في المباحثات الدولية لإقامة التحالف الأمني، لافتا إلى أن المشاركة في التحالف تقررت بعد زيارته لأبو ظبي واجتماعه بمسؤول إماراتي رفيع المستوى رفض كشف اسمه حتى قبالة أعضاء اللجنة البرلمانية.
وأوضح أن مشاركة تل أبيب في التحالف الدولي بالخليج مصلحة إسرائيلية واضحة تندرج ضمن إستراتيجيتها لكبح التغلغل الإيراني في الشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، مؤكدا أنه يقود هذا التوجه الاستراتيجي بدعم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأكد المحلل العسكري للموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي أن إسرائيل كانت شريكا فعالا في المؤتمر الذي عقده الأميركيون لإطلاق التحالف الأمني لضمان حرية الملاحة في الخليج، قائلا إن “إسهام إسرائيل بالتحالف سيكون عبر المعلومات الاستخبارية التي نجمعها عن إيران، وعن نشاط طهران في مضيقي هرمز وباب المندب”.
لكن المساهمة الإسرائيلية المهمة والأبرز تتعلق -حسب المحلل العسكري- بالمشاركة في تأمين وسلامة الرحلات البحرية في باب المندب، “حيث يهدد الحوثيون ناقلات النفط العربية التابعة للسعودية والإمارات والكويت”، التي تنقل النفط إلى أوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
ويرجح بن يشاي أن المشاركة الإسرائيلية في التحالف الأمني لن تقتصر على رصد وجمع المعلومات والاستخبارات، مشيرا إلى أن المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية عن الحوثيين تتم مشاركتها وتبادلها أصلا مع الأميركيين والأوروبيين.
ويعتقد أن العنصر الإضافي بهذا التحالف هو الوجود الفعلي للسفن الحربية الإسرائيلية المزودة بالصواريخ في باب المندب، التي يفترض أنها متمركزة في البحر الأحمر ضد القراصنة.
لكن الهدف من وجود السفن الإسرائيلية وفقا للمحلل العسكري “هو تأمين وحراسة حركة الملاحة المدنية من تهديدات جماعة الحوثي في اليمن”، مؤكدا أن “وجود السفن الحربية الإسرائيلية في باب المندب ليس دائما ولا ثابتا، وبالتالي فالسفن تشكل رادعا للحوثيين”.
وكانت القناة الإسرائيلية الرسمية “كان” قد كشفت قبل نحو أسبوعين أن دبلوماسيا إسرائيليا حضر مع دول أخرى في الاجتماع الأول الذي عقده المبعوث الأميركي لشؤون إيران بوزارة الخارجية براين هوك على هامش جلسة للمجلس الأطلسي، وشارك فيه وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة.
ووفقا للمراسلة السياسية للقناة جيلي كوهين، فإن التقديرات تشير إلى أن إسرائيل ستحضر مؤتمر البحرين في أكتوبر/تشرين الأول المقبل عن سبل التعامل مع تأمين طرق ومسارات الملاحة البحرية في مضيق هرمز بالخليج، وفي باب المندب قبالة اليمن لمواجهة تهديدات جماعة الحوثي باستهداف السفن وناقلات النفط.
وذكرت كوهين أن أميركا وضمن التحضيرات لإنشاء التحالف الدولي الأمني، اتصلت أيضا بإسرائيل وأجرت مشاورات مع المسؤولين في تل أبيب على مستوى الخارجية ورئاسة الوزراء، إذ أبدت إسرائيل موافقتها على الانضمام إلى التحالف، علما بأن واشنطن تريد مشاركة مزيد من دول الشرق الأوسط في المبادرة الأميركية لتأمين الملاحة بالخليج.
وخلافا لتقديرات المحلل العسكري بن يشاي التي تشير إلى إمكانية مشاركة الأسطول الحربي الإسرائيلي في التحالف الأمني، رجحت المراسلة السياسية أن إسرائيل لن ترسل أي قطع من أسطولها الحربي إلى مضيقي هرمز وباب المندب، وسيتركز دعمها للتحالف على الرصد وجمع المعلومات والدعم الاستخباراتي.